هدى رؤوف
تزامن تعثّر الجولة السابعة لمباحثات فيينا، وسفر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس على رأس وفد أمني إلى واشنطن، مع الإعلان عن أن قادة عسكريين إسرائيليين وأميركيين سيناقشون تدريبات عسكرية محتملة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية، في أسوأ سيناريو محتمل في ظل الأجواء التشاؤمية والاستعداد للسيناريو الأسوأ، فهل تدعم إسرائيل الحل العسكري وتوجيه ضربة ساحقة تدمّر البنية التحتية النووية الإيرانية، أم قد تدعم اتفاقاً مؤقتاً مع طهران؟
ربما يكون هذا الإعلان في إطار المحاولات للضغط على إيران التي تتعنّت خلال المحادثات، إذ قدمت مسودتين لإحياء الاتفاق تتضمن إحداهما التصورات الإيرانية في ما يخص العقوبات، والأخرى تتحدث عن التزاماتها النووية. وكان رد فعل الأطراف الغربية، لا سيما بريطانيا وألمانيا، أكثر تشاؤماً ووُصف الموقف الإيراني بالتعنت والردّة.
لكن ما هي الخيارات الحقيقية أمام الولايات المتحدة وإسرائيل في حال "السيناريو الأسوأ" وهو عدم الاتفاق ووقف الاندفاع الإيراني نحو تعزيز قدراتها النووية. الأهداف واحدة لكل من تل أبيب وواشنطن، ربما المسارات ستختلف، ففي حين تتمسك إسرائيل بالخيار العسكري، أمام الولايات المتحدة خيارات أخرى مثل تغليظ العقوبات. وفي ما يخص خيار الأولى، فقد سبق وكتبنا مراراً عن دور تل أبيب في استهداف المنشآت الإيرانية الحيوية في الداخل. ومن جهة أخرى، يستعد الجيش الإسرائيلي لسيناريو مهاجمة منشآت إيران النووية.
في بداية عام 2021، أعلن قائد الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي أنه أصدر تعليماته بوضع خطط جديدة لضربة ضد برنامج طهران النووي. كما زادت موازنة الجيش للتحضير لمثل هذا الهجوم كجزء من الموازنة الوطنية التي تم إقرارها أخيراً.
كما أعلن كوخافي أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست أن الجيش يسرّع التخطيط العملياتي والاستعداد للتعامل مع إيران والتهديد النووي العسكري. ومنذ يومين، توجه وزير الدفاع بيني غانتس إلى واشنطن لعقد اجتماعات مع كبار القادة العسكريين الأميركيين لمناقشة مسارات العمل الممكنة بغية وقف محاولات طهران للوصول إلى الساحة النووية وتوسيع أنشطتها في المنطقة. وأكد الجيش الإسرائيلي أخيراً أنه سيجري تدريبات واسعة النطاق فوق البحر المتوسط بمشاركة عشرات الطائرات في محاكاة لضربة ضد البرنامج النووي الإيراني.
ووفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية، ستكون التدريبات واحدة من الأكبر التي سيجريها سلاح الجو على الإطلاق وستتضمن عشرات الطائرات، بما في ذلك F-15 و F -35وF-16، وطائرات التجسس Gulfstream G550وطائرات التزود بالوقود.
وستجري الطائرات التدريبات على مسافات بعيدة فوق البحر المتوسط لمحاكاة المسافة - أكثر من 1000 كيلومتر التي ستحتاج إليها الطائرة للسفر في ضربة ضد المنشآت النووية الإيرانية.
وتتوقع تل أبيب فشل المباحثات وإعادة الاتفاق النووي ومن ثم تقييد النشاط الإيراني، كما تحذر الولايات المتحدة من الاستسلام لـما أسماه رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت "الابتزاز النووي" من قبل طهران، وأنه يجب وقف المحادثات النووية والبحث في الخيار العسكري.
معروف أن الخيار العسكري مطروح على الطاولة الإسرائيلية حتى لو افتقد لدعم أميركي. ولكن يجب التأكيد على أن تل أبيب لا تسعى إلى مواجهة مباشرة مع طهران، وتوجيه ضربة ساحقة لتدمير البنية التحتية النووية الإيرانية بل سيدور الخيار العسكري حول حرب استنزاف، أي أنه في كل مرة يستعيد فيها الإيرانيون ما دُمّر ويحاولون التحرك أسرع إلى الأمام، قد تضرب إسرائيل مرة أخرى، وهو ما تسمّيه هذه الأخيرة الحملة بين الحروب ولكنها ستكون حرب استنزاف.
ومع ذلك، يمكن القول إن تل أبيب قد تعتبر أنه من الأفضل الإسراع في إتمام الاتفاق النووي لوقف التقدم السريع في أنشطة إيران النووية الذي سيجعلها تحصل على المعرفة لتصنيع السلاح، ومن ثم فإن المعرفة النووية لا يمكن محوها من عقول الإيرانيين حتى لو كان هناك اتفاق أشمل وأقوى بحسب تصورات بايدن القديمة. ويرجع ذلك إلى أن الاتفاق من شأنه أن يوقف، مؤقتاً على الأقل، اندفاع طهران نحو القدرة النووية في هذه المرحلة الزمنية، وسيؤدي إلى وقف التخصيب عند مستويات عالية من النقاء والتوقف عن اكتساب المعرفة التي من شأنها أن تسمح باختراق نووي سريع. ومن جهة أخرى، سيتيح هذا الاتفاق للجيش الإسرائيلي شراء الوقت لاستكمال استعداداته لتشكيل خيار عسكري جيد وموثوق يمكن أن يعالج الخطة النووية الإيرانية.