رفتن به محتوای اصلی

تسويات النظام السوري تصل "عاصمة الميليشيات الإيرانية"

الميليشيات السورية
AvaToday caption
منذ سنوات طويلة تطرح تساؤلات عن هدف النظام السوري من "التسويات"، خاصة أن هذه المدينة تعتبر المركز الأبرز لنشاط الميليشيات الإيرانية، وبالتالي فإن غالبية من يقطن فيها من الشبان إما محسوبٌ عليها أو له ارتباطات أخرى
posted onNovember 25, 2021
noدیدگاه

يواصل النظام السوري عمليات "التسوية" في محافظة دير الزور شرقي البلاد، ووصل بها صباح الخميس إلى الميادين التي توصف بـ"عاصمة الميليشيات الإيرانية"، بحسب تقارير سابقة أوردها "المرصد السوري لحقوق الإنسان" ووسائل إعلام محلية وغربية.

ويطلق هذا الاسم على المدينة نظرا للعدد الكبير من الميليشيات التي تنشط فيها، والتي تتلقى بدورها دعما مباشرا من "الحرس الثوري" الإيراني، على رأسها ميليشيا "السيدة زينب" المحلية، "الدفاع الوطني"، "حزب الله"، "فاطميون"، "زينبيون".

وذكرت وكالة الأنباء السورية "سانا" أن "التسوية" بدأت في مركز مدينة الميادين، الواقعة في الريف الشرقي لدير الزور، مضيفة أنها تجري "بتنسيق من الجهات المعنية في إطار العملية الشاملة الخاصة بأبناء المحافظة".

وأشارت الوكالة إلى أن الخطوة الحالية جاءت بعد انضمام أكثر من سبعة آلاف شخص إلى "التسوية الشاملة"، والتي انطلقت قبل ثمانية أيام في الصالة الرياضية بمركز مدينة دير الزور.

و"التسويات" الحالية هي الأولى من نوعها التي تشهدها الضفة الغربية لنهر الفرات، واللافت أنها تجري بحضور ضباط أمنيين وعسكريين في النظام السوري، على رأسهم اللواء، حسام لوقا، رئيس "إدارة المخابرات العامة".

وكان لوقا قد أشرف في السابق على التسويات التي شهدتها محافظة درعا جنوبي البلاد، وقبل ذلك في ريف حمص الشمالي والمناطق المحيطة بريف العاصمة دمشق، حتى بات يطلق عليه اسم "مهندس صفقات التسوية".

تشير الرواية الرسمية للنظام السوري إلى أن "التسويات" لن تقتصر على منطقة بعينها في دير الزور، بل ستنسحب إلى عموم المناطق فيها، بدءا من المدينة وانتقالا إلى الميادين والبوكمال والقرى والبلدات الواقعة بينهما.

وبالنظر إلى الصورة العامة للميادين والتي تكونت منذ سنوات طويلة تطرح تساؤلات عن هدف النظام السوري من "التسويات"، خاصة أن هذه المدينة تعتبر المركز الأبرز لنشاط الميليشيات الإيرانية، وبالتالي فإن غالبية من يقطن فيها من الشبان إما محسوبٌ عليها أو له ارتباطات أخرى.

ويرى الباحث السوري في "مركز الشرق للدراسات"، سعد الشارع أن "التسويات" الحالية تندرج ضمن "الاستراتيجية الروسية، في محاولة من موسكو للتوغل أكثر في الضفة الغربية لنهر الفرات، وخاصة في المدن الثلاث: دير الزور، والميادين، والبوكمال".

وتحدث الشارع لقناة "الحرة" الأميركية عن عدة نقاط لافتة فيما يخص هذه العملية، أولها أن عموم دير الزور، وخاصة الضفة الغربية لنهر الفرات لا يوجد فيها عناصر منشقين أو كانوا سابقا مع فصائل المعارضة.

والسبب في ذلك هو أن قوات النظام السوري سيطرت على المنطقة بعد عمليات عسكرية ضد تنظيم "داعش"، وليس ضد تشكيلات المعارضة.

ويرى الشارع أن "روسيا تريد زيادة نفوذها وسيطرتها على الضفة الغربية، لكنها ستصطدم بمنافسة قوية مع الميليشيات الإيرانية التي تسيطر على مواقع استراتيجية".

وبحسب الشارع: "التحدي الأكبر لهذه التسويات سيكون في الميادين ولاحقا في البوكمال، كون كلا المدينتين معاقل للميليشيات الإيرانية. هذه الميليشيات لها مقرات عسكرية وإدارية وأمنية".

وتعتبر عمليات "التسوية" مشروعا روسيا بامتياز، كانت موسكو أطلقت مساره قبل سنوات عديدة، خاصة عقب السيطرة على المناطق التي كانت بيد فصائل المعارضة المسلحة، مثل الغوطة الشرقية وريف محافظة حمص، وأخيرا في محافظة درعا، جنوبي البلاد.

ويستهدف هذا المشروع المطلوبين بقضايا أمنية وجنائية، بالإضافة إلى المنشقين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية في الجيش السوري، على أن يُمنح كل شخص يمضي بالمراحل المنصوص عليها "بطاقة تسوية" تتيح له التنقل داخل مناطق البلاد الخاضعة بالأصل لسيطرة النظام السوري، وبالتالي كف البحث الأمني الذي صدر بحقه قبل سنوات.

تنقسم السيطرة في محافظة دير الزور بين قوات النظام السوري وحلفائها من جهة، و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المدعومة من التحالف الدولي من جهة أخرى، ويعتبر نهر الفرات الخط الفاصل بين مناطق سيطرة الطرفين.

واللافت أن "التسويات" تأتي في سياق تطورات ميدانية على الأرض، إذ جاءت عقب محاولات متكررة لروسيا للدخول إلى مناطق الريف الغربي من المحافظة، وتتزامن مع التوسع العسكري لقواتها في مناطق بريف محافظتي الحسكة والرقة.

ويؤكد الصحفي السوري، فراس علاوي، على حديث الباحث سعد الشارع، مشيرا إلى أن "النظام السوري يبني سياسته الحالية في المنطقة على نمط واحد، وهو محاولة إعادة السيطرة. هذه السياسة مدعومة من الرؤية الروسية".

ويقول علاوي "الروس دخلوا في سوريا لتحقيق هدفين: الأول هو إعادة سيطرة النظام، ومن ثم إعادة تأهيله، وهنا تندرج التسويات في الهدف الأخير".

واعتبر أن "التسويات هي نوع من أنواع إعادة السيطرة الجغرافية والديمغرافية، أكثر من السيطرة العسكرية"، مستبعدا أن يكون هناك أي صدام خفي بين موسكو وطهران، بقوله: "على العكس الإيرانيون يريدون هكذا نوع من التسويات من أجل تثبيت السيطرة الاجتماعية في المناطق التي ينتشرون فيها".

من جانبه يقول الناطق باسم "لجان المصالحة في سوريا"، عمر رحمون إن "مسار التسويات سيبقى مستمرا في عموم سوريا"، على أن يتم تطبيقه في محافظة إدلب شمالي غربي البلاد.

واعتبر رحمون المقيم بدمشق أن "مسار التسوية في دير الزور هو خدمة للأهالي، وبنفس الوقت سيفتح الباب واسعا لاستيعاب منطقة شرق الفرات التي تشهد ضغوطا ستؤدي بها للعودة إلى التسوية والمصالحة".

وكانت مدينة الميادين قد شهدت، منذ مطلع عام 2020 عدة اجتماعات بين قادة من "الحرس الثوري" ووجهاء وشيوخ عشائر محافظة دير الزور، وارتبطت جميع العروض التي تلقتها الأخيرة بضرورة سعيها لاستقطاب النسبة الأكبر من شبان المنطقة للعودة إلى مدنهم وقراهم، سواء داخل سوريا أو خارجها من اللاجئين.

ويعود التركيز على الميادين، كونها تتمتع بموقع استراتيجي بالقرب من الحدود السورية- العراقية، ومن جهة أخرى تعيش ظروفا يراها مراقبون "خصبة" لتمدد النفوذ الإيراني وتحقيق أهدافه، سواء على الصعيد العسكري أو الاجتماعي.

في غضون ذلك يبرز رئيس إدارة المخابرات العامة في سوريا، اللواء حسام لوقا كطرف أساسي يشرف على عمليات "التسوية" من الجنوب إلى الشمال والشرق.

ولم يكن للوقا الذي ولد في منطقة خناصر بريف حلب الجنوبي أي ظهور إعلامي منذ عامين، ليتصدر اليوم الواجهة بصورة مفاجئة، كانت أولا في محافظة درعا وحاليا في دير الزور، أعقد الجغرافيات السورية من حيث أطراف النفوذ المنتشرة فيها أو استنادا للتطورات التي عاشتها منذ 2011.

ويرأس لوقا المخابرات العامة في سوريا، منذ عام 2019، وكان قد لعب دورا بارزا في السيطرة على حي الوعر بمدينة حمص في عام 2017، وذلك بموجب اتفاق رعته روسيا، قضى حينها بخروج جزء كبير من المدنيين والمقاتلين إلى الشمال السوري.

وفي سبتمبر عام 2020 كانت الولايات المتحدة الأميركية قد أدرجت اللواء لوقا على قائمة عقوباتها، إلى جانب ميلاد جديد قائد "القوات الخاصة"، وحازم يونس قرفول "حاكم مصرف سوريا المركزي" السابق.

كما أدرج اسمه أيضا ضمن قائمة عقوبات دول الاتحاد الأوروبي، "بسبب مشاركته في تعذيب المتظاهرين والسكان المدنيين".

وفي الثالث عشر من نوفمبر الحالي كان اسم لوقا قد تردد كثيرا، بينا ظهر ضمن الشخصيات الأمنية التي حضرت "المنتدى الاستخباراتي" الذي أقيم في العاصمة المصرية القاهرة، بحسب الصور التي نشرتها وسائل إعلام مصرية.