فاروق يوسف
الاميركيون جادون هذه المرة. حربهم المقبلة ستعصف بإيران. ما يفعله الإيرانيون للتعامل مع ما يجري من حولهم يؤكد ذلك، غير أنهم لا يملكون ما يقدمونه من أجل تفادي وقوع تلك الحرب.
التنازلات المطلوبة من إيران هي أكبر من قدرتها. فالمطلوب أن يغير نظام آيات الله سياساته. ولكن من غير تلك السياسات لا يبقى شيء من ذلك النظام الذي ربط مصيره بمشروعه التوسعي. هذا معناه أن يغير النظام نفسه.
هناك نوع معقد من الاشتباك لا يمكن فكه إلا عن طريق قوة خارجية.
فإيران وفق وصف نظامها ليست دولة مكتفية بذاتها. وهو ما يكشف عنه الاسم الرسمي لها. فالجمهورية الإسلامية في إيران وهو الاسم المعتمد تعني شيئا مختلفا عن ذلك الشيء الذي تعنيه جمهورية إيران الإسلامية.
إيران في هذه الحالة ليست سوى جزء من الجمهورية الإسلامية المتخيلة.
سيكون من الصعب والحالة هذه أن تتخلى إيران عن مشروعها. فذلك يعني أنها ستتخلى عن نفسها. وهو ما لا يمكن تخيل وقوعه.
الولايات المتحدة تعرف ذلك جيدا. فالنظام الإيراني ليس غريبا عليها. لقد مرت علاقاتها به عبر الأربعين سنة الماضية بمستويات مختلفة، سلبا وايجابا.
وإذا ما كان الإيرانيون قد اطمئنوا إلى الولايات المتحدة من خلال الاتفاق النووي الذي تم ابرامه في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وكان ذلك الاطمئنان نوعا من الهدنة المؤقتة، فإنهم عادوا إلى تشنجهم الطبيعي حين قرر الرئيس الحالي دونالد ترامب الانسحاب من ذلك الاتفاق، وهو ما أعاد الإيرانيين إلى حاضنة النظام في ظل شعاره الدائم "الموت لأميركا".
ولكن أميركا التي يتمنى الإيرانيون الموت لها ستكون قريبة. ستكون أقرب إليهم من العراق الذي اعتقدوا أنه صار جزءا من امبراطوريتهم.
لا أظن أن الجوار الأميركي سيكون مفاجأة لإيران إلا إذا كان نظام آيات الله يستغبي نفسه مثلما يستغبي الآخرين.
فالولايات المتحدة لم تحتل العراق لكي تقدمه لإيران لقمة سائغة.
لا أقصد هنا أن العراق كان فخا نصبته الولايات المتحدة من أجل الإيقاع بإيران. ما حدث أن إيران بسبب جنونها العقائدي صنعت من العراق فخا، تخيلت أنها من خلاله يمكنها اصطياد عدوها.
العراق اليوم هو معسكر إيراني، فهل ستتمكن الولايات المتحدة من السيطرة على ذلك المعسكر؟
من المؤكد أن الولايات المتحدة لا تراهن على تحييد عدد من تلك الميليشيات العراقية الموالية لإيران والتابعة لحرسها الثوري. كما أنها في الوقت نفسه لا تخطط لضربها. المطلوب أن تبحث تلك الميليشيات عن ملاذ آمن في حمى الصراع الذي صار واقعا محتملا كما لم يكن من قبل.
وكما أتوقع فإن هناك خيارا ثالثا أمام تلك الميليشيات. فهل ستنجو بنفسها مكتفية بالعراق الذي صار مُلكا لها؟
ما يجري على الأرض ليس في صالح الميليشيات التي تحاول أن ترسخ أسس دولتها على حساب مشروع الدولة العراقية الذي لا تزال ملامحه غامضة.
ليس واردا ن تتخلى تلك الميليشيات عن إيران ولكنها قد تلجأ بدفع من إيران إلى التنحي جانبا في انتظار أن تمر العاصفة.
لا تريد إيران أن تخسر العراق. ذلك ما سيجعلها تدفع بميليشياتها إلى تحاشي التماس مع القوات الأميركية. لأن حرب أميركا على إيران إن بدأت في العراق فإن إيران ستخسر رصيدا تراهن عليه في المستقبل.
ستحاول إيران من خلال أتباعها في العراق تأجيل الحرب عن طريق احراج الحكومة العراقية عبر مطالبة أولئك الاتباع بعدم استقبال القوات الأميركية، غير أن تلك المحاولة لت يكون لها سوى أثر عصفور إن أطلقت الولايات المتحدة صقورها في الجو.