منذ 21 أكتوبر والضجة مستعرة على خلفية تصريحات المرجع الإيراني الأبرز آية الله صافي كلبايكاني لدى استقباله رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، والتي دعا فيها إلى إقامة علاقات مع "جميع دول العالم"، معتبرا "الزعل" مع الدول الأخرى ليس لصالح الشعب الإيراني.
اليوم انتقدت صحيفة كيهان المتشددة، كلبايكاني ووصفت تصريحاته بأنها غير دقيقة وتسببت في استغلالها بواسطة "شبكة الأعداء العنكبوتية".
وعادة ما يزور مسؤولون حكوميون على مختلف المستويات مدينة قم، ويلتقون بكبار رجال الدين الموالين للنظام أو القربين منه، ويحاولون كسب تأييدهم من خلال تقديم تقارير عن أعمالهم وخططهم، ويستمعون لتوصياتهم العامة والتي قد يؤخذ أو لا يؤخذ بها.
التقى قاليباف بمختلف المراجع، ولكن لقاءه بصافي كلبايكاني كان مختلفا وغير متوقع، حيث قال لرئيس البرلمان إنه "قلق للغاية من الوضع الاقتصادي ومشاكل الناس"، ولمح إلى قطع العلاقات بين طهران والدول الأخرى، كسبب وراء الوضع المعيشي السيء لعامة الشعب، فقال ناصحا: "يجب أن تكون لدينا علاقات مع جميع دول العالم بكرامة ومن منطلق القوة، فهناك دول كثيرة مغتاظة منا وهذا يضر بشعبنا العزيز".
وبعد أن تناقلت وسائل الإعلام، تصريحات صافي كلبايكاني، الذي يوصف في إيران بـ"شيخ الفقهاء"، على نطاق واسع، فقد أثارت سخط العديد من الأوساط الموالية للنظام، مما دفع صحيفة "كيهان" التابعة للمرشد الأعلى، إلى عدم نشر أي خبر عن اللقاء الذي جمع قاليباف بكلبايكاني، بينما غطت لقاءاته بسائر المراجع.
وفي 26 أكتوبر/تشرين الثاني، انتقد موقع "رجا نيوز" المتشدد، في مقال بقلم رجل دين، يدعى "مهدي جمشيدي"، بشدة نصائح كلبايكاني لقاليباف، مما أثار انزعاجا كبيرا بين رجال دين موالين للمرجع كلبايكاني.
وفي مطلع المقال، وصف الموقع القريب من جبهة الصمود، وهي أحد التيارات الأصولية المتشددة، وصف تصريحات صافي كلبايكاني حول علاقات طهران بالدول الأخرى والصلة بينها وبين التضخم والوضع المعيشي بأنه "تحليل خاطئ من رأسه حتى قدميه".
وتابع كاتب المقال إن "حسن روحاني خدع السطحيين.. وبعد ثماني سنوات تخرج هذه الكلمات من فم مرجع ديني"..، متهما "آية الله صافي كلبايكاني بـ"أخذ أقواله من آراء العلمانيين".
ثم تساءل الموقع مخاطبا المرجع كلبايكاني، "هل تريد كمرجع ديني، أن تربط الناس بمتاهة المفاوضات والاتفاق النووي والغرب؟
وانتقد الناشط الأصولي المتشدد "محمد حسين قديري أبيانه" يوم السبت الماضي تصريحات كلبايكاني فقال "آراء آية الله صافي حول إقامة علاقات مع الجميع خطأ.. لا يجوز أن نتصور بأن كل من أصبح مرجعا للتقليد فآرائه تعتبر فتاوى دينية"، ونصحه أن يأخذ بآراء "الخبراء" ووصف نفسه أحد هؤلاء الخبراء.
أما صحيفة "كيهان" القريبة من المرشد، تناولت في افتتاحيتها اليوم الاثنين بقلم رئيس تحريرها حسين شريعمتداري، تصريحات صافي كلبايكاني، جاء فيها: "لقد تحركت الشبكة العنكبوتية للعدو مباشرة بعد تصريحات آية صافي وفسرت أقواله بأنها احتجاج على قطع العلاقات مع أميركا ودعوة للتراجع عن مواجهة الكيان الصهيوني"، مضيفا "للأسف فإن تصريحاته، لم تكن تحظى بالدقة الكافية، مما تسببت في سوء الفهم.. وعدم قبول تصريحاته من قبل أطياف من أبناء الإسلام والثورة".
بالمقابل أثارت الهجمات ضد هذا المرجع، ردود فعل قوية من قبل مؤيديه، ومنهم رجل الدين "رضا أستادي" الذي دعا موقع "رجانيوز" إلى تقديم اعتذار رسمي.
حسن خميني، حفيد روح الله خميني مؤسس النظام، وصف على صفحته على إنستغرام، المرجع صافي كلبايكاني بأنه أحد "المراجع الكبار"، الذين "ما يقولونه لا ينبع من الأنا الفردية أو الحب لفئة ما".
أما الرئيس السابق حسن روحاني ذكر في رسالة بهذا الشأن، قائلا: "إن شخصية مناضلة مثل آية الله صافي كلبايكاني كمدافع عن الإسلام والنظام هي معيار للثورة والنضال، وينبغي بواسطته أن نقيّم مزاعم الذين يدعون الثورية".
وبعد أن أعلن المدعي العام الإيراني بفتح ملف ضد من تهجم على هذا المرجع، أصدر مكتب صافي كلبايكاني بيانا مساء أمس الأحد أكد فيه بأنه لا يريد تقديم دعوى ضد أي شخص أو مؤسسة أو تيار، وقدم الشكر لمن دافع عن "المواقف الصلبة لهذا المرجع الشيعي بخصوص ضرورة حل المشاكل المعيشية والاقتصادية للشعب".
آية الله صافي كلبايكاني هو واحد من أبرز المراجع الشيعية الكبار في إيران، ويبلغ من العمر 103 سنوات، ويواصل إبداء الرأي في مختلف المناسبات الدينية والسياسية ويعقد اجتماعات رسمية وغير رسمية مع المسؤولين وغير المسؤولين.
فقد لعب صافي كلبايكاني دورا ملحوظا في الدفاع عن نظام الديني في إيران بعد تأسيسه في 1979، حيث عينه المرشد المؤسس للنظام، روح الله خميني، عضوا في مجلس صيانة الدستور لدورتين، وكان عضوا أيضا في مجلس خبراء القيادة، وهو لم ينتقد النظام بتاتا، لكن يقدم بعض الأحيان نصائح لإصلاح الأمور، إلا أنه يبدو أن حكومة إبراهيم رئيسي والمدعومة من قبل المرشد، لا تتحمل النقد من قبل التيارات الموالية للنظام، خوفا من إيجاد شرخ في المعسكر الأصولي الحاكم، والقلق من تحويل الصراعات من "متشدد-إصلاحي" إلى "متشدد-متشدد"، بعد إبعاد الإصلاحيين والمعتدلين من الحكم.
وبما أن خطاب معاداة الغرب وبعض الدول الإقليمية، يعد من سمات السياسة الخارجية للتيار الأصولي المتشدد، وهو السبب وراء العقوبات الاقتصادية ومضاعفاتها على الوضع المعيشي، فإن الحكومة لا تطيق مثل هذه الانتقادات وخاصة من قبل مرجع بهذا المستوى.