باهرة الشيخلي
عين العراقيين، الآن، على حراكهم، الذي يعدّونه أملهم بالتغيير، وعين أخرى على التدخلات الإيرانية في شؤون بلدهم، التي يتخوفون من أن تكون مقدمة لصراع أميركي-إيراني على أرضهم يكونون هم حطبه.
أفقد التزام المحتجين العراقيين بسلمية تظاهراتهم صواب الممسكين بزمام السلطة في العراق، وقد حاولوا، بالبطش والقمع تارة وبالألاعيب المخابراتية تارة أخرى، أن يخرجوها عن هذه السلمية فلم يستطيعوا، وآخر تلك الألاعيب ما عرف بفتنة ساحة الوثبة وسط بغداد.
وفتنة الوثبة هي جريمة الجرائم وكانت بمرتبة القشة، التي قصمت ظهر قوى الظلام الفاشية، فشباب الحراك، منذ البدء وحتى الآن، كانوا طرازا عقلانيا فريدا من نوعه في ضبط إيقاع الحراك وفي السيطرة على العواطف والالتزام بأخلاقيات الوطن، كما وصفهم عبدالستار الراوي، آخر سفير عراقي في طهران، قبل الاحتلال، لذلك لم تجد قوى الظلام ثغرة واحدة تنفذ منها إلى تخريب مشهد التحرير أو النيل منه سوى اللجوء إلى استخدام القوة المميتة.
هؤلاء الفتية لا يمتلكون سلاحا للدفاع عن أنفسهم سوى الحلم بالحرية والكرامة وبحياة أفضل وهو كل ما ادخره الحراك. حَلم العراقيون بالحرية والكرامة، وجمع حراكهم في صموده الأسطوري وسلوكه العقلاني مقومات النصر، وهو ماض إلى الغد.
وسلمية الحراك لم تكسب شبابه التعاطف الداخلي، الذي أصبح حاضنة متينة للحراك، بل أكسبته تعاطفا دوليا واسعا عبّر عنه، يوم الجمعة الماضي، بيان صحافي أصدره أعضاء مجلس الأمن الدولي، أقروا فيه بالحق في التجمع السلمي العراقي ودعوا السلطات العراقية إلى إجراء تحقيقات شفافة على وجه السرعة بأعمال العنف ضد المتظاهرين، وأعربوا عن قلقهم أيضا إزاء قتل المتظاهرين غير المسلحين أو تشويههم، وعن قلقهم إزاء تورط الجماعات المسلحة في عمليات القتل والخطف خارج نطاق القضاء، ودعوا إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس، وحثوا الجميع على الامتناع عن العنف أو تدمير البنية التحتية الحيوية.
ولاحظ أعضاء مجلس الأمن عدم التزام الحكومة العراقية بالدستور، فشددوا على أهمية دعم حكومة العراق للقيم المنصوص عليها في الدستور العراقي والاستجابة لاحتياجات جميع العراقيين، بمن في ذلك النساء والشباب والأطفال والمشردين والأشخاص الذين ينتمون إلى جميع المجموعات العرقية والدينية.
إن عين العراقيين، الآن، على حراكهم، الذي يعدونه أملهم في التغيير، وعين أخرى على التدخلات الإيرانية في شؤون بلدهم، التي يتخوفون من أن تكون مقدمة لصراع أميركي-إيراني على أرضهم يكونون هم حطبه. فقد كشف مصدر عراقي مُطّلع، السبت الماضي، لموقع الحرة معلومات بشأن السيناريوهات الخبيثة التي تعدّها إيران للتعامل مع الأوضاع في العراق، في ظل استمرار الاحتجاجات المناهضة للحكومة وتنامي الرفض الشعبي للميليشيات الموالية لطهران، مؤكدا أن “الإيرانيين يحضّرون لمعركة عسكرية في العراق مع القوات الأميركية، يكون وقودها العراقيون”، مما يعني أنهم يعدّون لحرب بالنيابة تخوضها الميليشيات العراقية بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني.
المصدر نفسه أشار إلى أن “الخبراء الإيرانيين أبلغوا قادة الميليشيات بأن الوضع في العراق سيكون مشابها لما حصل في سوريا من حيث الصراع، وستمتد المعارك من بغداد إلى البصرة، وهذا بدوره يعني إجهاض الحراك الشعبي”. يسند ذلك أن مسؤولا أمنيا عراقيا رفيعا كشف لموقع الحرة الأميركي في الخامس من هذا الشهر أن إيران نقلت صواريخ باليستية إلى العراق، وقال إن تلك الصواريخ نقلت بسيارات تتبع جهة عسكرية عراقية تابعة لوزارة الداخلية لحساب ميليشيات مرتبطة بإيران، عبر معبر حدودي في محافظة ديالى، كما أن صحيفة نيويورك تايمز الأميركية قالت في وقت سابق إن إيران استغلت “فوضى الاحتجاجات” لتبني سرا ترسانة من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى في العراق، بهدف “التخويف” وتأكيد قوتها.
ونصح مايكل آيزنشتات، مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن تُقابَل إيران بردّ صارم لأن التجربة أظهرت أنه بمجرد اختيار طهران لتوجه استراتيجي، سيكون من الصعب في كثير من الأحيان تحييدها عن هذا المسار، ولكنها غالبا ما ستتراجع عندما تُقابَل بردّ صارم، بحيث تجدد تحديها في مكان وزمان آخرين، في حين من الصعب اللجوء إلى قوة الردع بسبب تفاوت الحوافز بين النظام الإيراني الذي قد يعتقد أنه يقاتل من أجل بقائه، والولايات المتحدة التي لا تخشى مثل هذا الاحتمال.
إن على واشنطن أن تفعل ما في وسعها لإرغام طهران، على الأقل، على الحد من وتيرة عملياتها ونطاقها، واختيار أهداف أقل ربحية، واللجوء إلى وسائل أقل فعالية لتنفيذ هجماتها. وقد تقلل هذه المقاربة من التكاليف التي قد تفرضها طهران ومن احتمال التصعيد أيضا، كما يرى آيزنشتات، ولكي يحدث ذلك، على إدارة الرئيس دونالد ترامب تجنّب التصريحات والخطوات، التي تقوض الردع، ومواءمة غايات الإستراتيجية الأميركية وسُبلها ووسائلها بنحو أفضل، وتضليل طهران بصفة أكبر بشأن حسابات التكلفة والمنفعة، وإظهار درجة أكبر من قبول الولايات المتحدة بالمخاطر، وطرح تهديدات من اتجاهات متعددة أمام طهران، لكي تضطر بنحو دائم إلى إعطاء الأولوية لردودها. وعند التعامل مع الجهات الفاعلة الصعبة مثل إيران، على واشنطن أن تكون مستعدة في بعض الأحيان لتصعيد الموقف من أجل وقف هذا التصعيد وتهدئة الوضع في نهاية المطاف، في السعي نحو هدف حل الأزمة بصفة غير عنيفة.
إن هناك تفاؤلا يسود الشارع العراقي مفاده أن الحراك الشعبي السلمي، والعنيد، سيفشل مخططات إيران، التي إذا أجهضت في العراق خابت في عموم المنطقة.
كاتبة عراقية