رفتن به محتوای اصلی

القصف الإسرائيلي كشرط لبقاء الأسد

سوريا
AvaToday caption
القصف، الذي لا وظيفة له، هو جزء من ستاتيكو وجد فيه النظام ورعاته في طهران ضالتهم. لا يمكن لهذا الستاتيكو أن يصمد إذا لم تتولَ موسكو حماية بشار الأسد، وموسكو لكي تقبل بالمهمة يجب أن تكون راعٍيا لعلاقة موازية مع إسرائيل
posted onMarch 18, 2021
noدیدگاه

حازم الأمين

لم يعد القصف الإسرائيلي لمواقع إيرانية في سوريا خبرا. وهو لم يعد خبراً ليس لأنه غير مهم ولا يؤشر إلى احتقان أو توتر، بل لأنه صار ضمنياً وعميقاً ولا يمت للوقائع السياسية وللعلاقات بين الدول المتجاورة بأي صلة. صار جزءاً من طبيعة الأشياء في مشرقنا. المواظبة الإسرائيلية اليومية على القصف، في مقابل مواظبة النظام السوري وراعيه الإيراني على الصمت والقبول. حتى العبارة الهزلية التي كان يسوقها النظام بعد كل غارة، أي "سنرد بالمكان والزمان المناسبين" لم تعد تثير الضحك، والنظام كف عن سوقها أصلاً. ضجر من تكرارها الممل.

لكن أن يصبح فعل يومي ومؤثر وموَظَفٌ في استراتيجية عسكرية فعلاً عادياً وروتينياً وغير ذي صلة بالسياسة، فهذا أمر يستدعي التأمل! من أراد لهذا الفعل أن يكون عدماً؟ وهو إذ صار عدماً، لماذا هذه المواظبة عليه، وهذا الإصرار على مواصلته؟ القول بأنه يهدف إلى تثبيت شكل الانتشار الإيراني في سوريا، وللحد من احتمال محاذاته الحدود مع إسرائيل، لا يكفي لتفسيره. للصمت وظيفة أخرى، أو أنه جزء من قبول ومن اعترافٍ بحق المعتدي.

والحال أن موسكو، وهي راعية هذا "الحق" الإسرائيلي بالقصف اليومي على مواقع في سوريا هي من رسم هذه المعادلة الغرائبية. لإسرائيل "الحق" بالقصف، ولإيران والنظام الحق بالصمت. فعلان سالبان يفضيان إلى قبول متبادل. والقبول في جوهره فعل إيجابي. وهنا ترتسم معادلة رياضية صحيحة! احتكاك سالبين يفضي إلى نتيجة إيجابية. في الرياضيات هذه معادلة صحيحة، أما في السياسة فهي مأساة، ذاك أن القصف كفعل عنيف ودموي يصبح أمراً عادياً ومن طبيعة الأشياء، وهو موظف في سياق تثبيت مواقع شَرَين، أي شر المعتدي المواظب على القصف، وشر القابل بالقصف بوصفه شرطاً لمعادلة ثباته في السلطة وعلى الخريطة.

لكن الأمر لا يقتصر على هذا السوء وعلى هذا المشهد البائس، فخلف الطائرة الإسرائيلية المغيرة على مواقع في سوريا يرتسم مشهد يُظهر حالاً قاتمة لمجتمعات هذا المشرق البائس. إسرائيل تتولى عبر مواظبتها على القصف تثبيت معادلة صمود النظام. ومع اقتراب موعد "الانتخابات" في سوريا، يقترع نتانياهو لبشار الأسد عبر سلاح الجو الإسرائيلي. القصف، الذي لا وظيفة له، هو جزء من ستاتيكو وجد فيه النظام ورعاته في طهران ضالتهم. لا يمكن لهذا الستاتيكو أن يصمد إذا لم تتولَ موسكو حماية بشار الأسد، وموسكو لكي تقبل بالمهمة يجب أن تكون راعٍيا لعلاقة موازية مع إسرائيل. إذاً، ووفق هذه المعادلة، لا بأس بقصف يومي تتنازل فيه الممانعة عن جزء من كرامتها، وأن تبذل ماء وجهها، ودماء بعض الجنود وبعض المرتزقة، والنتيجة هي النجاة من مواجهة أشد خطورة عليها، وكادت قبل الحماية العسكرية الروسية أن تفضي إلى هزيمتها.

يبقى من هذه المعادلة للنقاش بعدها الأخلاقي، الذي تتقاسم السوء فيه العواصم الأربع، أي دمشق وتل أبيب وطهران وموسكو. وطبعاً فإن استحضار البعد الأخلاقي في نقاش مع هذه العواصم أمر مضحك، لكنه ضروري لجلاء هذه الحرب الغامضة. فالأنظمة الأربعة تتغذى من دماء السوريين، وهنا لا تقتصر الإشارة إلى الجنود الذين تودي الغارات بهم، بل إلى الدم السوري المراق يومياً في ذلك البلد. ذاك أن وظيفة معادلة القصف هي تثبيت القاتل في موقعه. فلولا هذا القصف لما تمكنت موسكو من رعاية المعادلة، ولولا تمكن موسكو من ذلك، لما قبلت بحماية النظام، والأخير كان ليترنح في انهياره المتواصل منذ نحو عشر سنوات.

لكن الإمعان في تخيل المعادلة يفضي إلى مزيد من الاستنتاجات المأساوية. فالقصف الإسرائيلي شبه اليومي على سوريا لا وظيفة تغيرية له. صار جزءاً طبيعياً من المشهد في هذا البلد. وبهذا المعنى، فإن هذا الفعل صار حدثاً ضرورياً لكي تستمر الأشياء بالاشتغال. صار يشبه توجه التلامذة إلى مدارسهم والموظفين إلى مكاتبهم. هذه الوقائع يجب أن تحصل لكي يكون للنظام هياكله. القصف صار جزءاً من هياكل النظام، ومن قواعد اشتغاله. نحن لا نكتب خبراً عن فتح المدارس أبوابها أمام التلامذة، بل عن إقفالها أبوابها بوجههم. وقريباً سيكون الخبر على النحو التالي: "إسرائيل لم تنفذ غارة على مواقع في سوريا هذا الأسبوع". سيكون لهذا الحدث قدرة على تفسير ما قبله وما بعده، وربما على النظام أن يخاف عندما يستشعر انكفاء إسرائيل عن وفائها بالتزامها حماية الستاتيكو الذي اعترف له بحقه في قتل السوريين.