رفتن به محتوای اصلی

تسديد ديون العراق لإيران سقوط الدينار

احتجاجات عراقية
AvaToday caption
وافقت الولايات المتحدة فقط على التنازل عن العقوبات إذا وضع العراق الأموال في البنك التجاري للعراق، مع إدراكها أن إيران ستستخدمها لاحقًا لدفع ثمن الغذاء والدواء
posted onMarch 9, 2023
noدیدگاه

نشر موقع «ميدل إيست آي» مقالًا لمراسلته سؤدد الصالحي، تقول إنَّ الوضع المالي للعراق ازداد سوءًا، وساهمت الحكومة في انخفاض قيمة العملة عن طريق دفع الديون إلى إيران بالدينار العراقي.

وأوضحت سؤدد أنَّ العملة العراقية تعاني منذ شهور أمام الدولار، منذ فرض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قيودًا جديدة على كيفية تداول البنك المركزي العراقي للدولار مقابل مبيعات النفط.

وتذكر سؤدد أنَّ أزمة السيولة اللاحقة كانت دليلًا على فشل الحكومة في دفع رواتب ملايين الموظفين العموميين، وكذلك المعاشات والمدفوعات للمستفيدين الآخرين من برامج الرعاية الاجتماعية. ويعد العراق أحد أكبر مستوردي البضائع الإيرانية على مدار العقدين الماضيين، وخاصة مواد الغاز، والكهرباء، والغذاء، والبناء.

ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 14 مليار دولار. ولكن بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران منذ عام 2018، كافح العراق للدفع لإيران مقابل مشترياته بين عامي 2019-2021.

ولجأت إيران أحيانًا إلى خفض إمدادات الكهرباء، والغاز في منتصف الصيف، عندما ترتفع درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية؛ للضغط على العراق لدفع هذه الديون. وتكشف سؤدد أن بغداد تخلفت عن سداد دين بنحو 1.6 مليار دولار مقابل شراء الغاز، والطاقة الإيرانية فقط بين 2019-2021. وتشير المصادر إلى أن معظم هذه الديون أو كلها قد سوِّيت، مع آخر دفعة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022.

وتسهب سؤدد بأنَّه بدلًا من الدولارات التي حصلت عليها إيران قبل العقوبات، استخدمت بغداد الدينار العراقي، وفقًا  لمسؤولين أخبروا موقع «ميدل إيست آي»، وقالوا إن نظام الدفع الجديد وُضِع لتجنب الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي كانت ستتبع حتمًا تخفيضًا في إمدادات الطاقة في العراق.

ومع ذلك، كانت إيران قادرة على تحويل الدينار إلى دولارات (وهي أكثر فائدة بكثير) باستخدام مزاد العملة الذي يقيمه البنك المركزي للعراق يوميًّا لتحويل الدولارات التي يتلقاها من مبيعات النفط.

ولكن منذ نوفمبر (تشرين الثاني) فرض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي يحتفظ بأموال العراق من مبيعات النفط ويسلمها إلى بغداد بالطلب، قيودًا تهدف إلى منع إيران من الوصول إلى هذه الدولارات، ومكافحة غسل الأموال. ومثلما كشف «ميدل إيست آي» سابقًا، ساعد ذلك الدول والمجرمين الذين فُرضت عليهم عقوبات على إيجاد طرق جديدة للحصول على دولارات، مثل السوق السوداء وتهريب الدولار عبر كردستان.

ومع تجنب إيران وآخرين الآن تغيير الدينارات من خلال المزاد، لم يتمكن العراق من تبديل دولاراته بالعملة المحلية لتلبية احتياجاته. وتؤكد سؤدد أن كل هذا يزيد الضغط على الدينار العراقي. ففي يناير (كانون الثاني)، انخفض سعر العملة المحلية في السوق السوداء إلى 1700 دينار لكل دولار، بعد أن كان السعر هو 1480 دينار لكل دولار في أكتوبر.

وصف المتداولون التقلبات بأنها «مرعبة»، قائلين إن هناك منافسة ضخمة على الدولار مع المضاربين المستعدين لدفع أي سعر. وفي الوقت نفسه، تستمر أسعار السلع الاستهلاكية في الارتفاع.

اتخذت الحكومة العراقية تدابير مختلفة للسيطرة على سعر الصرف، ومن ذلك تقليل المعدل الرسمي إلى 1300 دينار لكل دولار، وعلى الرغم من أن سعر السوق السوداء قد انخفض إلى نحو 1500 دينار لكل دولار، فإنه لا يزال متقلبًا للغاية.

وتضيف سؤدد إن تأثير تسليم إيران كميات كبيرة من الدينار، الذي لا يمكن تداوله الآن مقابل الدولارات، لا يزال أثره محسوسًا. وقال أحد كبار مسؤولي العراقيين لـ«ميدل إيست آي»: «إن دفع الديون الإيرانية بالدينار العراقي لم يكن خطوة محسوبة. والأزمة المالية التي نعاني منها حاليًّا ناتجة من هذه الخطوة الغبية».

وتساءل المسؤول: «لقد حصلت إيران على مبالغ ضخمة من العملة العراقية وتحتاج بشدة إلى الدولار الأمريكي، فماذا اعتقد صانعو القرار أن إيران ستفعل بهذه العملة؟ تستثمرهم في السوق العراقية؟ اقتصر تفكيرهم على تحقيق نجاحات سريعة وخيالية لإثبات قدرتهم على التعامل مع مشكلات العراق المستعصية، لقد أخرجونا من البئر ورمونا في البحر».

وتضيف سؤدد أنَّه على الرغم من امتلاك العراق أحد أكبر احتياطيات النفط في العالم، يوجد نقص شديد في الطاقة منذ تسعينيات القرن الماضي بسبب الصراعات، والعقوبات، وسوء الإدارة، وفشل البنية التحتية.

في الصيف الأخير، فجر نقص الطاقة ومياه الشرب وغيرها من الخدمات الأساسية، احتجاجات، خاصة في الجنوب. ومن أجل تلبية العرض، كان على العراق استيراد الطاقة والغاز، معظمها من الجارة إيران. ومن الناحية الرسمية، ينفق العراق نحو 900 مليون دولار شهريًّا على البضائع الإيرانية، وفقًا للمسؤولين الإيرانيين. نصفها لشراء الكهرباء والغاز.

ولأنها على دراية بالأوضاع الصعبة، أعفت واشنطن العراق من عقوباتها على إيران، لكن مشكلات سداد ثمن المشتريات نشأت من اليوم الأول. ووافقت الولايات المتحدة فقط على التنازل عن العقوبات إذا وضع العراق الأموال في البنك التجاري للعراق، مع إدراكها أن إيران ستستخدمها لاحقًا لدفع ثمن الغذاء والدواء.

وصرح مسؤول عراقي: «ومع ذلك، لم يكن هذا كافيًا بالنسبة لإيران، حيث تخضع حركة الحساب للسيطرة الأمريكية». لكن إيران طالبت بطريقة أخرى لتلقي أموالها، وهددت بقطع واردات الطاقة وسيلةً للضغط على بغداد لإعطائها ما تريد.

وتقول سؤدد إنَّه في أكتوبر 2019، أصبح نقص الطاقة أزمة وجودية للسلطات العراقية، عندما اجتاحت المظاهرات الضخمة العديد من المقاطعات الوسطى والجنوبية، وكذلك بغداد. وقمعت حكومة عادل عبد المهدي وبعض الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، الاحتجاجات بوحشية، التي حظيت بدعم كبير من مؤيدي مقتدى الصدر.

أدى حمام الدم الذي تلا ذلك إلى انهيار حكومة عبد المهدي وإجراء الانتخابات المبكرة. وقد سعى رئيس الوزراء التالي، رئيس الأستخبارات السابق مصطفى الكاظمي، وداعمه الصدر، إلى إيجاد حلول سريعة للمشكلات التي يعاني منها العراق، ومن بين ذلك الدين الإيراني.

ولاحقًا في أبريل (نيسان) 2022، عندما دخل العراق في فراغ سياسي في أعقاب الانتخابات غير الحاسمة في أكتوبر الماضي، اقترح الصدريون قانونًا للطوارئ للعمل بوصفه موازنة صغيرة. كانت الديون إلى إيران المتراكمة منذ عام 2019 واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا لحكومة الكاظمي في ذلك الوقت.

وقال أحد مستشاري الكاظمي السابقين لـ«ميدل إيست آي»: «لقد تعين على الصدر إيجاد مخرج لحليفه». في الوقت نفسه، أراد الصدر تقديم «لفتة من النوايا الحسنة إلى الإيرانيين لإثبات أن مشروعه لا يستهدفهم أو يهدد مصالحهم» وفقًا للمستشار.

خصص القانون 4 تريليونات دينار عراقي (نحو 3 مليارات دولار) لسداد الديون الأجنبية لوزارة الكهرباء، وديون شراء الغاز والطاقة. وفي شهر يونيو (حزيران)، وافق البرلمان على القانون وبدأت الحكومة العراقية في دفع ما تدين به مباشرة للإيرانيين بالدينار، وقال المسؤولون إن آخر دفعة كانت في أكتوبر.

ولم يُكشف عن المبالغ الدقيقة التي دفعتها حكومة الكاظمي إلى إيران بالدينار، لكنها لم تكن المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك. وتكشف سؤدد أنَّه في فبراير (شباط) 2019 أبرم البنك المركزي للعراق اتفاقية مع البنك المركزي الإيراني، تسمح لعملاء كلا البنكين بفتح حسابات في البلد الآخر وإجراء معاملاتهم المصرفية بالدينار واليورو.

أكد البنك المركزي العراقي في ذلك الوقت بأن القرار جاء «لإزالة العقبات التي تحول دون دفع ديون العراق المتعلقة بتصدير الغاز والكهرباء». وأخبر أحد السياسيين العراقيين المقربين من طهران «ميدل إيست آي» أنه يعتقد أن واشنطن تنبأت بالضغط على عملة العراق عندما سمحت لبغداد بسداد أموال إيران بالدينار.

وتختتم سؤدد مقالها بتصريح المسؤول: «الإيرانيون أذكياء للغاية، وهم يستثمرون في جميع التفاصيل التي تخدم أهدافهم. كان الأمر جليًّا من البداية. قالوا إذا لم تتمكن من الدفع بالدولار، ادفعوا بالدينار واتركوا الباقي علينا. ليست مشكلتهم إذا كان منافسهم متكبرًا ويعامل الآخرين على أنهم عاجزون، وسيتبعون مصلحتهم الخاصة».