يبدو أن شهري التوافق بين رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي ونائبه الأول حاكم الزاملي انتهيا بصراع واضح على صلاحيات رئاسة البرلمان انتقل من أروقة داخلية إلى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومثّل هذا التطور المفاجئ صورة عن المشاكل التي تواجه التحالف الثلاثي المكون من الكتلة الصدرية التي يمثلها الزاملي، وتحالف السيادة الذي يمثله الحلبوسي حيث يمثلان أضلاعه الرئيسة بالاشتراك مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني لتشكيل الحكومة العراقية، بعيداً عن الإطار التنسيقي الشيعي الموالي لإيران.
وكانت بداية الصراع واضحة من تصدر الزاملي المشهد البرلماني على حساب نشاطات الحلبوسي كرئيس البرلمان، الأمر الذي لاحظه المتابعون من خلال تصدر المشهد الإعلامي للأول ومناقشته مع العديد من الدوائر الحكومية لمشاكلها واستضافة عدد آخر في لجان البرلمان العراقي وإطلاق توجيهات وتوصيات للجان البرلمانية والدوائر الحكومية بشكل آثار الانتباه.
ويبدو أن رئيس مجلس النواب العراقي كان مستعداً لمواجهة النفوذ المتصاعد للزاملي عبر إصداره تعميماً يتضمن تفاصيل واضحة عن عدم دستورية استخدام مصطلح "هيئة الرئاسة" من قبل نائبه والذي يستخدمه الأخير كأساس لتوسيع صلاحياته وجعلها مشابهة للرئيس.
وتضمن التعميم عدم دستورية استخدام مصطلح "هيئة الرئاسة"، مؤكداً وجوب عدم التعامل به مطلقاً، استناداً للمادتين (54) و(55) من الدستور وبحسب قرارات المحكمة الاتحادية بالعدد (87/ اتحادية/ 2010) والعدد (605/ اتحادية/ 2022).
وتشير المادة 54 من الدستور إلى أن رئيس الجمهورية يدعو مجلس النواب للانعقاد بمرسوم جمهوري خلال 15 يوماً من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة، وتعقد الجلسة برئاسة أكبر الأعضاء سناً لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه.
ووفق تفسير المحكمة الاتحادية في 12 ديسمبر (كانون الأول) من عام 2010، البرلمان العراقي لا يشكل في إحكامه كافة هيئة تدعى (هيئة الرئاسة في المجلس)، وإنما أورد في مواده وجود رئيس لمجلس النواب ونائب أول ونائب ثاني لرئيس المجلس، وطلبت من البرلمان وضع أحكام في النظام الداخلي تنظم مهام كل من النائب الأول لرئيس مجلس النواب والنائب الثاني له.
إلا أن نائب رئيس البرلمان حاكم الزاملي رد على تعميم رئيس البرلمان من خلال كتاب صدر من مكتبه موجه إلى أعضاء مجلس النواب أكد خلاله أن "التشريعات النافذة معمول بها، ما لم تُلغ أو تعدل، وفقاً لأحكام هذا الدستور، ولذلك فإن هذين النصين وغيرهما من النصوص التشريعية الأخرى التي تتعلق بهيئة رئاسة مجلس النواب تُعد سارية المفعول، ولا سند للقول بخلاف ذلك".
واعتبر الزاملي في كتابه أن نصوص المادتين 8 ثانياً، و9 من النظام الداخلي المتعلقة بهيئة رئاسة مجلس النواب تنسجم مع أحكام الدستور، ولا تتعارض معها ولا مع الصلاحيات الحصرية لرئيس مجلس النواب التي حددها الدستور.
وأكد الزاملي أن المحكمة الاتحادية أطلقت تعبير "هيئة رئاسة مجلس النواب" المنتخبة في قرارها الولائي المؤرخ في 13 يناير (كانون الثاني) 2022 مما يشير إلى دستورية هذا التعبير.
بدوره دخل النائب الثاني لرئيس مجلس النواب شاخوان عبد الله على خط الأزمة، كاشفاً عن أن المجلس سيقوم باتخاذ الإجراءات القانونية ومحاسبة من سرب ونشر الكتب والمخاطبات الداخلية للمجلس.
وأضاف عبد الله أن هذه المخاطبات تتعلق بالمشاكل حول بعض المصطلحات والمفردات القانونية في تحديد المهام والصلاحيات، مبيناً أن مجلس النواب سيعالج هذه الجزئية وفق مواد الدستور والنظام الداخلي وقانون مجلس النواب لسنة 2018.
وحذر النائب البارز عن تحالف السيادة مشعان الجبوري من أن يؤثر الخلاف ما بين الحلبوسي والزاملي على التحالف الثلاثي المعروف باسم "إنقاذ وطن".
وقال النائب مشعان الجبوري في تغريدة له عبر "تويتر"، إن "تنازع الزاملي مع الرئيس الحلبوسي وإصراره على أنه جزء من هيئة الرئاسة، وليس نائباً للرئيس يهدد تحالف إنقاذ وطن بالتصدع".
وأعلن كل من الكتلة الصدرية والحزب الديمقراطي الكوردستاني وتحالف السيادة في 23 مارس (آذار) 2022 عن تشكيل تحالف "إنقاذ وطن" كتلة كبرى في مجلس النواب ورشح ريبر أحمد لمنصب رئيس الجمهورية وجعفر الصدر كمرشح لمنصب رئيس الوزراء.
وقال المتخصص القانوني علي التميمي، إن تفسير المحكمة الاتحادية يتضمن عدم وجود هيئة رئاسة، وإنما رئاسة البرلمان، فيما أكد أن جميع الصلاحيات محصورة برئيس البرلمان.
وأضاف "لا يوجد أي شيء اسمه هيئة الرئاسة، وإنما يوجد رئيس البرلمان، ولذلك تسمى رئاسة البرلمان وتنحصر أغلب الصلاحيات بيد الرئيس"، مشيراً إلى أن قرار المحكمة الاتحادية يعتبر أن اختصاصات نواب الرئيس وغيرها التي وردت في النظام الداخلي للمجلس ملغية.
وتابع التميمي أنه نتيجة التعميمات التي أصدرها محمد الحلبوسي يعتبر تبليغاً لهم، والموظف الذي يتجاوز ويقوم بغير ذلك من حق البرلمان أن يعاقبه ويتخذ الإجراءات القانونية بحقه.
من جانبه قال الباحث في الشأن السياسي والأكاديمي عصام الفيلي، إنه "من الضروري أن يكون هناك فريق من المستشارين القانونيين والإداريين للتثقيف بشأن صلاحيات الرئيس والنائبين". وأضاف أن "هناك افتقار إلى تراكمية معرفية في طبيعة المهام في جميع مفاصل الدولة التشريعية أو التنفيذية سواء كانت من الناحية الإدارية أوالقانونية، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك فريق مستشارين قانوني وإداري بعد تولي مهام الرئيس ونوابه المسؤولية ويستعرض لهم طبيعة مهامهم وصلاحيتهم والتسميات" .
وأضاف، أن "الطرفين ينتميان إلى تحالف واحد استراتيجي، ولا أعتقد أن تكون هناك مشكلة مستقبلية، وهذه الأمور ممكن بحثها بالحوار والتواصل بعيداً عن منصات التواصل الاجتماعي".
وحمّل الفيلي، "الفريق الاستشاري للبرلمان العراقي مسؤولية هذه الأزمة لكونه يتحمل المسؤولية القانونية سواء بالمشورة والرد وحتى تحرير المخاطبات القانونية".
ومن المستبعد أن تتحول القضية إلى أزمة تنعكس على التحالف الثلاثي لكون زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يمتاز بقدرته على احتواء الأزمات بعيداً عن خلق تشجنات حتى مع خصومه وأبرزها اتصاله بزعيم دولة القانون نوري المالكي، بحسب الفيلي الذي أشار إلى أن من نتحدث عنه هو مرتكزات التحالف، وهو محمد الحلبوسي الذي حث الصدر أتباعه للتصويت له.
واختير زعيم تحالف "تقدم" محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان لولاية ثانية في جلسته الأولى في يناير (كانون الثاني) الماضي بغالبية 200 صوت من أصل النواب الحاضرين 228، هم من نواب الكتلة الصدرية وتحالفي العزم وتقدم والحزب الديمقراطي الكوردستاني وعدد من المستقلين.
ولفت إلى أن الصدر مشغول بتشكيل السلطة التنفيذية، ولذلك يجب أن تكون السلطة التشريعية قوية مبنية على الوئام بين أعضائها.
استبعد الباحث في الشأن السياسي علي بيدر أن تؤدي الأزمة إلى انهيار التحالف، فيما أشار إلى أن الحلبوسي أراد أن يعلم كل نائب بصلاحياته.
وأضاف بيدر، أن "الخلاف بين الحلبوسي والزاملي يتعلق بالصلاحيات، وهذا يحدث بين مؤسسات الدولة، ومن الممكن أن يلجأ الطرفان إلى القضاء لمعالجة الموضوع".
ولفت إلى وجود أطراف داخل تحالف السيادة أثارت الموضوع وحاولت تضخيمه. وأشار إلى أن الحلبوسي قد امتعض من الطريقة التي استدعى بها الزاملي المسؤولين بصفة هيئة الرئاسة مما جعله يبحث عن وسيلة لمعرفة نوابه بصلاحياتهم، مستبعداً أن تؤثر هذه القضية على تحالف "إنقاذ وطن"، مرجحاً أن يوجه الصدر بالالتزام بالقوانين.