فاروق يوسف
بدلا من أن يقع في طهران وقع الحدث في بغداد. ذلك جزء من الحرب بالوكالة التي تهدد إيران بقيامها في حال تعرضت لضربة أميركية مفاجئة.
كان واضحا أن إيران لا ترغب في استفزاز الولايات المتحدة من خلال تنظيم مظاهرات شعبية احتجاجا على مؤتمر المنامة، فأمرت مواليها في العراق بمحاصرة السفارة البحرينية واقتحامها.
فعلت ذلك لكي تضرب عصفورين بحجر واحد.
أولا لكي تقطع الامل في أن يعود العراق إلى محيطه العربي وثانيا لكي تبرهن أن أتباعها في العراق لن يتوانوا عن القيام بفعل استفزازي من شأنه أن يشير إلى الانحياز ضد الولايات المتحدة في صراعها مع إيران.
لقد اتخذ المحتجون الغاضبون من فرية الدفاع عن حقوق الفلسطينيين حجة للقيام بخرق الأعراف الدبلوماسية وهم يعرفون أنهم يستندون إلى تاريخ أسود من العلاقة مع الفلسطينيين.
كانت الميليشيات التابعة لإيران قد هاجمت بعد احتلال العراق المناطق السكنية التي يقيم فيها الفلسطينيون العزل وقتلت الكثير منهم وكانت مسؤولة بشكل مباشر عن عمليات تهجيرهم بعد أن صاروا في مرمى نيرانهم ولم تنجدهم يومها إيران ولم تعتذر منهم الأحزاب الشيعية الحاكمة التي وقفت ضدهم باعتبارهم من مخلفات النظام السابق.
كذبة الدفاع عن حقوق الفلسطينيين لا يمكن أن تنطلي على أحد.
ما جرى في بغداد هو تكرار للسيناريو الذي حدث في طهران يوم أقدم الرعاع على حرق السفارة السعودية ولم تكلف الحكومة الإيرانية نفسها مشقة مساءلة المجرمين.
في حالة الحكومة العراقية فإنها تتكئ على عصا عجزها وهي تُعفي نفسها من مسؤولية حماية السفارات. وهو مؤشر خطير يمكن أن يدفع الكثير من الدول إلى إعادة النظر في مسألة تمثيلها الدبلوماسي في بغداد.
تحاصر إيران عن طريق غوغائها الحكومة العراقية عن طريق إظهارها حكومة ضعيفة لا تقوى على حماية سفارات الدول الأجنبية.
أما الاعتذارات الحكومية العراقية من البحرين فإنها لا تعني شيئا في مقابل إمكانية أن تتكرر الجريمة في حق أية سفارة أخرى.
كما أن تواري الحكومة العراقية وراء ضعفها هو شيء مهين، ليس لها وحدها بل وأيضا للشعب العراقي الذي لا تستطيع حمايته من الميليشيات التي تفعل كل ما تمليه إيران عليها.
ليس حدثا هينا بالنسبة للدول الخليجية أن تُهاجم الغوغاء سفارة واحدة من دولها. فهي وإن نددت بما جرى فإن ردود أفعالها ستكون رهينة بما ستفعله الحكومة العراقية لإصلاح الموقف. فالاعتذار لا يكفي.
هناك شيء ما مدبر. شيء يخرج عن نطاق الاحتجاج على مؤتمر المنامة الذي هو عبارة عن ورشة عمل أميركية ليست ملزمة لأحد.
الحكم ببراءة الحكومة العراقية مما جرى فيه الكثير من التبسيط، إلا إذا افترضنا أن تلك الحكومة لا تملك أي نوع من السيطرة على أجهزتها الأمنية. حينها لن يكون العراق بلدا آمنا بالنسبة للجميع. فالميليشيات هي التي تحكمه بإشراف مباشر من الأجهزة الأمنية.
حينها أيضا يكون الحديث مع الحكومة العراقية من خلال سفرائها هنا وهناك نوعا من العبث الذي لا معنى له.
أتذكر مشهدا ينتمي إلى عالم اللامعقول غير أنه كان مشهدا واقعيا.
في ثمانينات القرن العشرين فيما كانت الحرب بين العراق وإيران مشتعلة ظل العلم الإيراني مرفوعا على مبني السفارة الإيرانية ببغداد، من غير أن يسمح لأحد باقتحامها أو احراقها.
يومها كانت هناك دولة قوية في العراق تعترف بالأعراف الدبلوماسية.
اليوم اختفت تلك الدولة.
لم يكن المتظاهرون الذين اقتحموا سفارة البحرين في حاجة الى رفع اعلام إيران أو صور خامنئي ليكشفوا عن هويتهم. فلسطينهم لم تكن إلا ذريعة للاستعراض الذي حاولت من خلاله إيران إيصال رسالة الى الولايات المتحدة. مفاد تلك الرسالة يمكن تلخيصه بأن التضحية بالعراق هو أمر ممكن من أجل سلامة إيران.
تلك مسألة خطيرة ينبغي أن ينظر إليها العراقيون بتحد مصيري.