أسدلت المحكمة الكبرى الجنائية في البحرين اليوم الخميس الستار على أكبر قضية غسيل أموال تورطت فيها بنوك إيرانية وبنك محلي، فيما تسلط القضية الضوء على المخطط الإيراني الذي مكن كيانات إيرانية بما فيها تلك المتورطة في تمويل الإرهاب أو تلك الخاضعة لعقوبات أميركية، من تنفيذ معاملات دولية عن طريق التلاعب والخداع بما يجنبها التدقيق التنظيمي.
وبذلك يكون القضاء البحريني قد وجه ضربة موجعة لكيانات مالية إيرانية متورطة في غسيل الأموال عبر بنك 'المستقبل' المحلي في المملكة من خلال تحويلات ومعاملات مشبوهة مخالفة للقوانين والأنظمة المصرفية وتندرج ضمن المحاولات الإيرانية للالتفاف على العقوبات الأميركية.
وأصدرت المحكمة الكبرى الجنائية أحكاما حضورية بسجن 3 مسؤولين في بنك محلي، وبغرامات مالية على مصارف إيرانية، بينها المصرف المركزي في 7 قضايا تتعلق بـ"غسل أموال".
ونقلت وكالة أنباء البحرين عن المستشار نايف يوسف محمود المحامي العام رئيس نيابة الجرائم المالية وغسل الأموال قوله إن "المحكمة الكبرى الجنائية قد أصدرت اليوم (الخميس)، أحكاما حضورية اعتبارية بالإدانة في سبع قضايا خاصة بغسل الأموال والمتهم فيها البنك المركزي الإيراني بالاشتراك مع عدد من البنوك الإيرانية وبنك المستقبل وثلاثة من مسؤوليه".
وأضاف أن المحكمة قضت في كل قضية بإدانة المتهمين جميعا بمعاقبة مسؤولي بنك 'المستقبل' بالسجن لمدة خمس سنوات وتغريم كل منهم مبلغ مليون دينار (2.66 مليون دولار) وكذلك تغريم البنك المركزي الإيراني وغيره من البنوك المتورطة بمبلغ مليون دينار لكل منهم.
كما تشمل الأحكام مصادرة مبالغ التحويلات المالية موضوع الجريمة، حيث بلغ إجمالي الغرامات المحكوم بها تسعة وأربعون مليون دينار (130.20 مليون دولار) فضلا عن مصادرة مبالغ التحويلات بمقدار مائة وثلاثة وسبعين مليون دولار.
وأضاف رئيس نيابة الجرائم المالية وغسل الأموال أن المتهمين هم "البنك المركزي الإيراني بالاشتراك مع عدد من البنوك الإيرانية (لم يسمها) وبنك المستقبل المحلي".
وشملت جميع الأحكام الصادرة في القضايا المتعلقة ببنك المستقبل، غرامات بقيمة 330 مليون دينار (نحو 878 مليون دولار) بحق كافة المتهمين، مع مصادرة مبالغ التحويلات حوالي 323 مليون دولار، بالإضافة إلى عقوبات سالبة للحرية، وفق محمود.
وذكرت الوكالة أن تلك البنوك متهمة بـ"تمرير المعاملات المالية المشبوهة لصالح جميع الكيانات الإيرانية وعلى رأسها البنك المركزي الإيراني عبر مخالفة القوانين واللوائح".
وأوضحت أن "بنك المستقبل قام باستلام طلبات إجراء تحويلات مالية مشبوهة لصالح البنك المركزي الإيراني وبنوك إيرانية أخرى دون الإبلاغ عنها أو التحقق من مشروعيتها".
وأوضح المستشار نايف يوسف محمود أن التحقيقات مستمرة في شأن بقية الوقائع، وتتضمن قيام البنك المركزي الإيراني والبنوك الإيرانية الأخرى باستغلال بنك المستقبل في تنفيذ المعاملات الدولية، بالمخالفة لقانون حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والقوانين والأنظمة المصرفية.
وتفرض إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، عقوبات قاسية على إيران، لدفعها إلى إعادة التفاوض بشأن برنامجها النووي، فيما تتمسك طهران بالاتفاق متعدد الأطراف الموقع عام 2015.
وكانت النيابة العامة بالبحرين قد أعلنت في فبراير/شباط الماضي، أن تحقيقات أجرتها خلصت إلى أن البنك المركزي الإيراني خطط لغسل مليارات الدولارات عبر بنك المستقبل الذي تم تأسيسه في المملكة والتحكم فيه من جانب بنكين هما الوطني الإيراني (ملي) وبنك صادرات إيران.
وكانت المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة قد قضت في ابريل/نيسان الماضي غيابيا في قضية غسيل أموال لصالح بنوك إيرانية بتغريم المتهمين السبعة بغرامة تصل إلى ثلاثة ملايين ونصف مليون دينار.
وجاء الحكم حينها بالسجن 5 سنوات بحق 3 متهمين في 5 قضايا منفصلة ليكون مجموع الأحكام 25 سنة والغرامة 100 ألف لكل متهم في كل قضية، ليصل مجموع الغرامة 3.5 ملايين دينار.
وأمرت المحكمة حينها بمصادرة الأموال من البنوك المتهمة بصفتها الاعتبارية ومن المتهمين وتصل المبالغ المصادرة من جميع البنوك إلى 80 ألف دولار تقريبا، بحسب ما أعلنت السلطات البحرينية حينها.
وأحيلت مجمل القضايا وقتها إلى المحكمة الكبرى الجنائية التي فصلت اليوم الخميس في أكبر مخطط إيراني لعملية غسيل أموال.
وكانت إيران قد انتقدت في أبريل/نيسان تلك الأحكام معلنة رفضها للإجراءات القانونية التي اتخذتها مملكة البحرين بحق بنك المستقبل وإدارته والبنوك الإيرانية المستثمرة فيه.
وذهب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي إلى وصف الإجراءات البحرينية بأنها مفبركة وكيدية، مضيفا أن الأحكام بحق المدعى عليهم في تلك القضايا تفتقد لأي قيمة قانونية، معتبرا أن القضية برمتها مسيسة.
كما حذّر الحكومة البحرينية قائلا إن عليها أن تتحمل مسؤولية تبعات تلك الأحكام القضائية، مضيفا أن إيران لن تتسامح في الدفاع عن مصالح وحقوق رعاياها.
وبحسب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية فإن بنك المستقبل تأسس في العام 2004 باقتراح وترخيص من حكومة البحرين وبحصص متساوية للبنك الوطني الإيراني (ملي) وبنك صادرات والبنك الأهلي البحريني.
وتابع في التصريحات التي أدلى بها قبل أشهر من بت المحكمة الكبرى الجنائية في القضايا محل الذكر، أن بنك البحرين المركزي كان له منذ البداية دور الإشراف والرقابة على نشاطات بنك المستقبل من خلال اللجان الرقابية ومن خلال ممثليه في الهيئة الإدارية للبنك.
وكانت النيابة العامة البحرينية قد ذكرت أنه في عام 2018 تم التحقيق في عمليات بنك المستقبل من قبل مصرف البحرين المركزي الذي استنتج بعد التدقيق وعدة عمليات تحري شاملة أن بنك المستقبل ومساهميه المسيطرين قد تورطوا في انتهاكات ممنهجة وواسعة للقوانين المصرفية في البحرين.
وأجرى مصرف البحرين المركزي تحقيقات موسعة مع موظفي بنك المستقبل كما أجرى مراجعات شملت عشرات الآلاف من وثائق البنك المحلي بالتعاون مع وحدة التحقيقات المالية بوزارة الداخلية وخبراء دوليين مستقلين ومحللين جنائيين.
وخلصت التحقيقات إلى أن بنك المستقبل الذي يعمل تحت إشراف البنك الوطني الإيراني (ملي) وبنك صادرات إيران، قد نفذ آلاف المعاملات المالية الدولية مع توفير غطاءات للكيانات الإيرانية فيها.
وأشارت إلى وجود مخالفات بالجملة من ضمنها عمليات إخفاء شملت إزالة متعمدة للمعلومات الأساسية عند تحويل الأموال عبر نظام 'سويفت'، مشيرة إلى أن شكلا آخر من أشكال الإخفاء ينطوي على استخدام خدمة الرسائل السرية كبديل لنظام 'سويفت' الذي أخفى عمدا المعاملات من المنظمين البحرينيين بما أتاح لبنك المستقبل إخفاء ما مجموعه ملياري دولار من المعاملات إضافة إلى تنفيذ آلاف المعاملات لكن بتجريدها من البيانات.
وهذا المخطط الإيراني هو جزء يسير من مخططات أوسع للتحايل على العقوبات الأميركية، حيث أنشأت إيران شبكات وقنوات مالية سرية لتجنب الإجراءات العقابية ولإيجاد شرايين مالية بديلة حتى تحافظ على تدفق الأموال إلى خزينتها وحتى تعوض الخسائر التي لحقت باقتصادها والتي كان من ضمنها شحا في السيولة وفي النقد الأجنبي.
ومن ضمن العمليات التي ركزت عليها طهران بعيدا عن أنظر الرقابة تلك المتعلقة ببيع وشراء العملة على الحدود مع أفغانستان أكثر الدول التي تتدفق عليها أموال بالعملة الصعبة، موظفة تجار عملة من الأفغان والإيرانيين.
وتحاكي هذه العمليات في مضمونها أيضا تلك المتعلقة بتهريب النفط بطرق ملتوية بما يوفر لها قسطا من السيولة والعملة الصعبة المفقودة.
وتخيم التوترات على العلاقات بين إيران والبحرين إذ توجه المنامة، اتهامات إلى طهران بالتدخل في شؤون المملكة وبتدريب وتسليح وتمويل عناصر من شيعة المملكة على تنفيذ اعتداءات إرهابية لضرب استقرار المملكة.
لكن قضية الحال تذهب في جزء منها إلى أبعد من مخطط تخريبي لتحيل إلى التحركات الإيرانية المشبوهة في المنطقة لناحية محاولة اختراق الأنظمة المالية للبحرين.