رفتن به محتوای اصلی

كيف ستستفيد إيران من الانسحاب الأمريكي من سوريا

ميليشيات عراقية
AvaToday caption
أنَّ العمل مع جماعاتٍ غير نظامية سمح لطهران أن تردع أعداءها، وتُنمِّي عمقها الاستراتيجي، وتُعوِّض قصورها العسكري بممارسة نفوذها خارج حدودها
posted onJanuary 12, 2019
noدیدگاه

 

في أواخر عام 2018، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واحدًا من أكثر قرارات سياسته الخارجية إثارةً للجدل، حين أمر بسحب الجنود الأمريكيين المتبقين في سوريا.

وأعقب ذلك القرار تصريحاتٌ أصدرها مستشار الرئيس للأمن القومي جون بولتون خلال عطلة نهاية الأسبوع المنقضي، عَكَس بها الأمر الرئاسي المُثير للجدل مرةً أخرى. إذ أعلن بولتون أنَّ القوات الأمريكية ستظل داخل سوريا حتى هزيمة داعش وتقديم الأتراك لضماناتٍ بعدم مهاجمة الأكراد، لكنَّه لم يتطرَّق لتواجد أو توسُّع الميليشيات الشيعية التي تُدرِّبها وتُسلِّحها إيران.

لكن ترى مجلة «فورين أفيرز» في تقريرٍ لها أنَّ إيران ستكون هي المستفيد الأكبر من قرارات الإدارة الأمريكية المُتضاربة تُجاه سوريا. إذ يوفر الانسحاب الأمريكي للإيرانيين فراغًا عملياتيًا يسمح لهم بتوسيع شبكتهم المتنامية من المقاتلين الشيعة الأجانب، والذي يُمكن حشدهم ونشرهم في مختلف مناطق الشرق الأوسط. مما يبعث برسالةٍ إلى طهران، فحواها أنَّ واشنطن لن تكون عقبةً في طريق المُخططات الإيرانية بعد اليوم.

 

الثورة الإيرانية 1979

 

تمدُّد النفوذ الإيراني في المناطق الرمادية

يشير التقرير إلى أنَّ القادة الدينيين الإيرانيين في الأيام الأولى للجمهورية الإسلامية كانوا يتحدثون كثيرًا عن تصدير ثورتهم إلى خارج الحدود الوطنية. ورغم أنَّ نشر المُثُلِ الثورية لم يعُد ضمن أهداف إيران الرئيسية، أمضت الجمهورية الإسلامية عقودًا في تكوين علاقاتٍ بجماعاتٍ شيعيةٍ في الدُول التي تعتبرها مهمةً بالنسبة لأمنها.

تربط تلك العلاقات بين طهران وجماعاتٍ في دولٍ مثل أفغانستان والعراق ولبنان وباكستان وسوريا واليمن، وغيرها من الدول. وجنت إيران من خلالها ثمار شن حروب الوكالة واستغلال المقاتلين التابعين لأطرافٍ ثالثة، ومن بينهم الإرهابيين والميليشيات.

وتوضح المجلة أنَّ العمل مع جماعاتٍ غير نظامية سمح لطهران أن تردع أعداءها، وتُنمِّي عمقها الاستراتيجي، وتُعوِّض قصورها العسكري بممارسة نفوذها خارج حدودها. والأهم من ذلك، هو أنَّ تلك الجماعات تزيد من نفوذ إيران في ما يُعرف باسم «المناطق الرمادية» في دولٍ مثل العراق وسوريا، وتُوفِّر لها أيضًا إمكانية إنكار صلتها بالعمليات العسكرية، وتقليل تكاليف التدخل المباشر.

تبدو فائدة تلك الجماعات لإيران جليةً في الحرب السورية. فحين اندلعت الحرب عام 2011، كانت إيران عازمةً على التدخل لدعم حليفها بشار الأسد، لكن بحسب المجلة، حالت الانقسامات في دمشق وطهران دون وجود قواتٍ إيرانية مباشرةً في سوريا. إذ عارض كثيرٌ من الإيرانيين فكرة المساعدة في استمرار حكم دكتاتورٍ تسبَّبت أعماله الوحشية الجماعية واستخدامه للأسلحة الكيماوية في إثارة مخاوف أخلاقية وتشويه سمعة البلاد. ومن ناحيته، كان الأسد يرغب في أن يبدو للجميع أنَّ جيشه النظامي هو من يدافع عن البلاد، وبهذا يتجنب ظهور سلطته المركزية الضعيفة في مظهر من يتعرض للإنقاذ على يد الأجانب.

ولهذا، عوضًا عن التدخُّل المباشر، جهَّزت طهران قواتٍ شيعيةٍ غير إيرانيةٍ للقتال نيابةً عن نظام الأسد. ولتحقيق ذلك، جنَّدت أعدادًا ضخمةً من المواطنين الشيعة في لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان.

كانت إيران ترعى بالفعل قواتٍ في لبنان والعراق منذ أمدٍ بعيد، لكنَّ تجنيد الشيعة من جنوب آسيا كان أمرًا جديدًا كليًا وفقًا لتقرير «فورين أفيرز». انخرطت تلك الجماعات الفرعية الأجنبية المُقاتلة تحت لواء شبكةٍ أوسع نطاقًا، وكان لكلٍ منها اسمٌ مختلف: مثل لواء الفاطميون الذي يتألَّف من الأفغان، وكتيبة الزينبيون من الباكستانيين. وحتى تاريخه، قام النظام الإيراني بتدريب وتسليح ونشر بضعة آلافٍ من تلك القوات في سوريا، ووصل به الأمر إلى تجنيد مقاتلين من الأطفال.

وترى «فورين أفيرز» أنَّ انسحاب الولايات المتحدة من سوريا يُضفي بعدًا جديدًا على المسألة، رغم أنَّ وجود شبكةٍ إيرانيةٍ من المقاتلين الشيعة الأجانب لا يحظى باهتمامٍ إعلاميٍ كبيرٍ في حد ذاته. إذ أنَّ غياب التزام الولايات المتحدة بمجابهة إيران داخل سوريا سيُؤدِّي إلى ازدهار تلك الشبكة ونُموِّها، مُستَغِلَّةً فراغ السلطة الناتج في توسيع نفوذ طهران بالمنطقة، وهو الهدف الإيراني الذي ظل بعيد المنال بنشر الجنود الأمريكيين في العراق منذ عام 2003 وحتى عام 2011.

ويُرجِّح التقرير أن يتسبَّب تخفيض التواجد العسكري الأمريكي في زيادة العمليات الإسرائيلية داخل سوريا، نظرًا لأنَّها لم يَعُد بمقدورها الاعتماد على القوة العسكرية الأمريكية في ردع التوسُّع الإيراني. وبالتالي، ربما يُغري ذلك إيران باستخدام المقاتلين الذين تدربهم وتدعمهم كقوةٍ ضاربةٍ خارجية.

 

ميليشيات إيرانية في سوريا

 

الشبكة الإيرانية خارج سوريا

تنفي المجلة في تقريرها اعتماد إيران على الدين وحده لتجنيد المقاتلين في سوريا. إذ تُشير التقارير إلى أنَّها وعدت المقاتلين وعائلاتهم بمنحهم إقامةً وراتبًا شهريًا وتأمينًا صحيًا وتعليمًا في إيران. والآن، مع تراجع وتيرة الحرب السورية، ستسعى إيران إلى تكرار نجاحها هناك في مناطق أخرى حول العالم. ويُمكنِّها أن تُقلِّل التكاليف التي تتكبَّدها باستخدام القوات التي جنَّدتها ودربَّتها وسلَّحتها بالفعل، والتي صُقِلَت خبراتها داخل ساحة المعركة في سوريا.

لا تتوافر بياناتٌ دقيقةٌ مُحدَّدةٌ عن حجم الأموال التي تُنفقها طهران على دعم الميليشيات. لكنَّ «فورين أفيرز» ترى أنَّه في الوقت الذي تُضطر خلاله إيران إلى «شَدِّ الحزام» من أجل مواجهة العقوبات الاقتصادية، أثبتت رعايتها للمقاتلين الشيعة الأجانب فاعليتها بوصفها أوفر الوسائل تكلفةً لتحقيق أجندتها الإقليمية، حتى وفقًا لأعلى التقديرات لتكاليف دعم هؤلاء المقاتلين. واستشهدت المجلة في هذا الأمر بتصريحات الباحث الإيراني أفشون أوستوفار، التي قال فيها إنَّ إيران «تُنفِق على الدفاع مبالغَ أقل بكثير من أقرب منافسيها في المنطقة، بما في ذلك دعمها لعملائها في سوريا والعراق ولبنان واليمن».

ومع الانسحاب الأمريكي من سوريا، وغياب أي سياسةٍ أمريكية متماسكة للاستجابة لتغيرات الموقف داخل سوريا، يُرجِّح التقرير أنَّ إيران ستُواصِل دعم الميليشيات الشيعية وإعادة توجيهها في مختلف أرجاء المنطقة. وتشير إلى أنَّه قد أُعيد بالفعل أرسال بعض أفراد ميليشيا الفاطميون إلى أفغانستان، حيثُ تدعم إيران حركة طالبان بالتعاون مع روسيا، لإعاقة تمدُّد تنظيم داعش في البلاد. ويُظهر ذلك الالتزام للأفغان أنَّ إيران جاهزةٌ للعمل كقوةٍ داعمة للاستقرار، في الوقت الذي تفكر فيه الولايات المتحدة في سحب نصف قواتها.

وتخلص المجلة إلى أنَّه بينما يهدف قرار الرئيس ترامب في المقام الأول لتخليص الولايات المتحدة من مستنقع الشرق الأوسط، وتزويد واشنطن بالمرونة اللازمة لتركيز مواردها على صراعاتها مع القوى العظمى (الصين وروسيا تحديدًا، وربما إيران)، فإنَّ الإدارة الأمريكية بقرارها هذا ربما تُلوِّح عن غير قصدٍ بأنَّها غير مستعدةٍ للمنافسة في المناطق الجيوسياسية ذات الأهمية.

وتضيف أنَّ مثل تلك الرسالة ستُشجِّع بعض الدول النافذة على توسِّيع نفوذها أكثر، ومن بينها إيران. وتُرجِّح أيضًا أنَّ طهران ستملأ ذلك الفراغ في النفوذ بمواصلة بناء شبكتها من المقاتلين الشيعة الأجانب. وفي حال رأى قادة إيران تلك الاستراتيجية مجديةً، ربما تتحول تلك الشبكة من مُجرِّد تهديدٍ إقليميٍ إلى تهديدٍ دولي، مما سيخلق المزيد من المشكلات للولايات المتحدة وحلفائها على المدى البعيد.