في خضم أزمة صحة عقلية وثقتها كاميرات العالم بصورة مروعة سنة 2007، وقعت بريتني سبيرز فريسة حقيقة إعلامية واحدة مفادها أنه لا توجد مادة تحقق شعبية للصحافة أسرع من فقدان شابة جميلة زمام الأمور. الآن، بعد خمسة عشر عاماً، إنها [المغنية سبيرز] في قلب دوامة إعلامية مختلفة لكن مألوفة أيضاً بشكل مرعب، بمعنى أنها دوامة ذلك النوع من الاستغلال المتعاطف الذي ينطوي على نفس التدخل الرخيص في الخصوصيات على غرار ما حدث من قبل، لكنه مغلف بطبقة وهمية من تناول الموضوع بحساسية.
وتتيح لنا هذه الأفلام الوثائقية والدراما الوثائقية ضرب عصفورين بحجر واحد. إذ نستطيع شجب ما حدث في الماضي، والاتفاق على مدى فظاعة الأشياء حينها، بينما نحصل في الوقت نفسه على المتعة المستمدة من حزن شخص غريب وصدمته. بعد صدور فيلمين يؤرخان حياتها المهنية وحكم الوصاية الذي تخضع له منذ 2008، كتبت سبيرز على حسابها في موقع "أنستغرام" خلال مايو (أيار) المنصرم، "هذه الأفلام الوثائقية منافقة للغاية. إنها تنتقد وسائل الإعلام ثم تحذو حذوها".
كالمعتاد، لدينا الآن عمل آخر. لاقى فيلم "بريتني في مواجهة سبيرز" (Britney vs Spears) حظاً سيئاً بسبب عرضه على منصة "نتفليكس" بعد أربعة أيام من صدور وثائقي "السيطرة على بريتني سبيرز" Controlling Britney Spears وهو تكملة الفيلم الوثائقي "تطويق بريتني سبيرز" (Framing Britney Spears) الذي قدمته "نيويورك تايمز" وترشح لنيل جائزة "إيمي".
في وقت سابق من العام، وضع الفيلم الأخير القبح الاستثنائي لحكم الوصاية الذي تخضع له سبيرز ويتحكم رغماً عنها في كثير من أعمالها وشؤونها الشخصية، ضمن الأجواء السائدة، بعدما نوقشت القضية بشكل شبه حصري بين مشجعي سبيرز المخلصين وأصحاب نظريات المؤامرة الزائفة على الإنترنت.
في المقابل، زعم الجزء المتمم [السيطرة على بريتني سبيرز] أن جيمي، والد سبيرز الذي تمتع بسيطرة قانونية كاملة على ابنته منذ فرض الوصاية عليها، زعم أنه استأجر فريقاً أمنياً لتسجيل صوتها سراً من دون إذن منها، في أماكن تشمل غرفة نومها ومحادثات خاصة مع أطفالها. وقد ذكر محامي الفنانة، أن هذا الادعاء، إذا ثبتت صحته ، يعني أن والدها "تجاوز حدوداً ملتبسة".
وبغض النظر عن غموض فيلمي "نيويورك تايمز" الوثائقيين اللذين أعادا سرد أسوأ اللحظات الخاصة بالنسبة لسبيرز وفشلا في التدقيق بعدد من الادعاءات القاسية التي أدلى بها بعض معجبيها فيما يتعلق بالوصاية، إلا أنهما على الأقل غيرا اتجاه الأمور قليلاً نحو استقلالية سبيرز. إذ لم يسبق أن عرض فيلم على مستوى عال من نوعية فيلمي "نيويورك تايمز"، محنة سبيرز أمام ملايين المتفرجين، الأمر الذي ساعد في قضيتها القانونية ضد الوصاية، ولكنهما تصديا أيضاً في إلغاء التأثير السيئ لما يعرف بـ"علامة بريتني" التي كانت منتشرة جداً بصورة علنية. إذ لم تكن هناك رغبة لدى أي شركة تسجيلات أو مرفق للحفلات الموسيقية أو شركة إعلانات بربط اسمها بفنانة تعرف عامة الناس أنها وضعت تحت مستويات تحكم خيالية، وربما غير قانونية.
في سياق موازٍ، يقدم فيلم "بريتني في مواجهة سبيرز" شيئاً قليلاً من التعويض، على غرار ذلك الذي يقدمه العالم الحقيقي. إذ تحدثت المخرجة إيرين لي كار إلى شخصيات مشكوك فيها من معارف بريتني من بينهم سام لطفي الذي تحالف معها تجارياً مرة واحدة في السابق والمتهم بتخديرها (لقد نفى هذا الادعاء)، ومصور المشاهير الوحيد الذي أحبته عدنان غالب وقد جرى تقديمه في هذا الشريط لسبب غير مفهوم، على أنه شهيد محكوم عليه بالموت، والطبيب النفسي الذي اعتمدت الوصاية على رأيه كخبير ويظهر في الفيلم كي يخبر المخرجة أنه لا يستطيع قول أي شيء على الإطلاق. ويضاف إلى أولئك الأشخاص، فيليسيا كولوتا، مساعدة سبيرز السابقة اللطيفة والمفضلة لدى الجماهير. تبدو في الشريط أكثر حذراً مما ظهرت عليه في فيلمي "نيويورك تايمز" الوثائقين. ربما شعرت أن المسعى من وراء هذا العمل أقل أهمية منهما.
في شريط "بريتني ضد سبيرز"، تجري كار وزميلتها الصحافية جيني إليسكو من مجلة "رولينغ ستون" قليل من التحقيقات الفعلية. إذ يتمثّل سلاحهما الفتاك في آلاف الصفحات من الوثائق السرية ورسائل البريد الإلكتروني التي قدمها مصدر مجهول. إنهما تلقيان ما تزعمان أنه نظرة ثاقبة على تاريخ سبيرز الطبي، ومفاجآت واضحة حول عودتها إلى دائرة الضوء بعد انهيارها. لكن الفيلم الوثائقي لا يتعمق في التحقق من ذلك فعلياً.
كذلك ترد إشارة إلى إعطاء سبيرز "منشطات" من أجل إتمام جولة موسيقية، وأثناء مشاركتها في لجنة تحكيم برنامج "يو أس أكس فاكتور". وثمة إشارة مماثلة عن زيادة جرعة "الأدوية التي تحب تناولها" إذا أدت ذلك العمل. في المقابل، نوقِشت تلك النقطة بشكل غامض للغاية في شريط "بريتني ضد سبيرز". ومن غير الواضح إذا كان محامو "نتفليكس" قد طلبوا من صانعتي العمل تجنب التفاصيل، أو أن المستندات نفسها تعرضت للتنقيح بشكل كبير فلا تفعل سوى إثارة مزيد من الأسئلة.
بصورة عامة، تتسم وصاية سبيرز والظروف التي أدت إليها، بأنها معقدة جداً. ثمة عدد من العناصر الفاعلة، وشائعات متعددة، وفي كثير من الأحيان صعوبات في التمييز بين الحقائق والخيال. وقد تفاقمت تلك الأمور مع تنامي شريحة مؤيدي سبيرز الذين يتعاملون مع الأمر كله كأنه لغز جريمة حقيقية. وبالتالي، تكتفي الأفلام الوثائقية من صنف "بريتني في مواجهة سبيرز" بمجرد تعزيز أسوأ ما في الأمر. إذ تشير إلى الكشف عن معلومات من دون قول أي شيء في حقيقة الأمر، وتترك المعجبين اليائسين يتلقطون ما تبقى من استنتاجاتهم التي قد تكون غير صحيحة. إنه عمل غير مسؤول وممل ومضيعة لوقت الجميع.
وفي صميم كل ذلك، توجد سبيرز نفسها. بفضل بيان المنتصر الذي ألقته في المحكمة بهذا الصدد في يونيو (حزيران) المنصرم، بتنا نعلم أنها تبذل جهداً خلف الكواليس من أجل حريتها، وأنها مصرة على إخضاع أولئك الذين ظلموها للعدالة. نعلم أنها صمدت طيلة 13 عاماً تحت وطأة نظام دأب على وضع العوائق أمامها عند كل منعطف، بدءاً من المحاكم التي رفضت طلباتها بتوكيل محام لها، إلى سنوات أجبرت فيها على تقديم أعمال فنية لم تكن راغبة فيها. نحن نعلم أنها ليست غبية ولا ضعيفة، وأنها تقاتل. كل ما عدا ذلك، خصوصاً وثائقيات "نتفليكس" السيئة التي لا تضيف إلى الساحة شيئاً جديداً أو قيّماً، ليس سوى مجرد ضوضاء.