منذ بدايات قبض الخميني وفريقه الآيديولوجي على الثورة الإيرانية، عمل في كل دولة بها وجود شيعي ولو كان قليلاً على تأسيس ميليشيا تابعة له؛ هذه الميليشيا تأخذ في البداية طابعاً علمياً دينياً صرفاً، تم تتحول إلى تقديم الخدمات للمجتمع المحيط، لتتسلل في الخفاء نحو امتلاك بعض السلاح الخفيف في ظل اضطراباتٍ أمنيةٍ ما في البلد المستهدف، ثم تلج باب السياسة بفعل قوة السلاح، ثم في النهاية تتحكم في الحياة السياسية تمريراً وتعطيلاً حسبما يريد منها النظام الإيراني، ثم الانتقال فيما بعد إلى مرحلة نهائية وأخيرة تكون فيها الدولة المستهدفة صورة طبق الأصل من الدولة الإيرانية ونظامها الديني والسياسي والاجتماعي، مستتبعة بالكامل لأوامر الولي الفقيه.
على أن هذه المراحل لا تسير على النسق نفسه في كل الدول، فلكل دولة ظروفها الخاصة، وبالتالي يتحرك الأتباع للدولة الإيرانية حسب ظروف الدولة التي يعيشون، ففي لبنان ظهر «حزب الله» وفق «نظرية الصدمة» و«استراتيجية الرعب»، فقد دعمت إيران تأسيس «حزب الله» بداية الثمانينات من القرن الماضي، الذي اتهم بالتورط فور تأسيسه في خطف 96 أجنبياً في لبنان عام 1982، من بينهم 25 أميركياً، فيما عرفت بـ«أزمة الرهائن». كما اتهم بتفجير السفارة الأمريكية ببيروت في أبريل (نيسان) عام 1983، ما تسبب بمقتل 63 شخصاً.
وفي العام ذاته، اتهم بشن هجمات منسقة على السفارتين الأميركية والفرنسية لدى الكويت إلى جانب مصفاة للنفط وحي سكني، ما أسفر عن مقتل 5 أشخاص.
كما اتهم بارتباطه بشكل مباشر بتفجير الخبر عام 1996 في المملكة العربية السعودية عبر تأسيس ودعم ما يعرف بـ«حزب الله - الحجاز» الذي فجر أبراجاً سكنية، ما أسفر عن مقتل 120 شخصاً؛ من بينهم 19 أميركياً.
وفي عام 1988، اتهم «حزب الله» باختطاف طائرة مدنية متجهة إلى الكويت، للمطالبة بإطلاق سراح متهمين في تفجيرات البنية التحتية بالكويت.
وإلى جانب ذلك، شارك «حزب الله» في تدريب ميليشيات في دول أخرى، كما اضطلع بدور كبير في الحرب السورية عبر نشر مسلحيه لصالح قوات النظام السوري، وقدم دعماً مباشراً لميليشيات الحوثي الإيرانية في اليمن.
كما أسس فرعاً له في العراق، ويعمل على تدريب الميليشيات الموالية لإيران هناك، غير أن اللافت جداً ذهاب الحزب بعيداً إلى داخل أفريقيا لتأسيس «حزب الله النيجيري». ويفسر محللون أن ذلك حدث للقضم من الوجود السني الكثيف في القارة الأفريقية، خصوصاً في نيجيريا ذات الكثافة السكانية العليا بين الدول الإسلامية، ولمحاولة إيجاد موطئ قدم في القارة السمراء، خصوصاً أن العلاقات العربية مع مسلمي القارة السمراء علاقات تاريخية وفي تقدم مستمر، ووصل النفوذ القوي لـ«حزب الله النيجيري» حتى محاولة اغتيال رئيس الأركان النيجيري.
كما أن «حزب الله»، الذي يتبع بالكلية المرشد الإيراني؛ حسب اعتراف أمينه العام نفسه حسن نصر الله، أصبح موازياً للقوة العسكرية الرسمية في الدولة اللبنانية، حتى أصبح الحديث عن سلاح «حزب الله» من المحرمات في الدولة اللبنانية، وهو ما أوصله إلى التحكم في مفاصل الحياة السياسية، والقدرة على تعطيل تشكيل الحكومات اللبنانية لشهور طويلة، وربما تعطيل تسمية رئيس للجمهورية لسنوات، في محاولات لاستعراض القوة والبعث برسائل مفادها أنه دون إرادة إيران فستتجمد الحياة في لبنان، وهذا من جملة الرسائل الاستعراضية التي كان آخرها زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى لبنان بحجة التهنئة بتشكيل الحكومة وعرض تزويد الجيش اللبناني بالسلاح.
هذه الرسائل أيضاً يحاول النظام الإيراني إيصالها في العراق، واللافت التشابه بين الحالتين، حيث تمت تسمية رئيس للحكومة على غير رغبة طهران، فعملت على عرقلة تشكيل الحكومة العراقية، تماماً كما حدث في الحالة اللبنانية.