علي الصراف
ارتكاب الجريمة لمرة واحدة لا يكفي في إيران.
منذ أزمة رهائن السفارة الأمريكية في طهران عام 1979، تتخذ إيران من احتجاز الرهائن وسيلة، ليس لإملاء الشروط فحسب، ولكن لارتكاب الجريمة مرتين أيضًا.
حتى أصبح الأمر منهجًا سياسيًّا ثابتا، لا ينقصه شيء إلا التنصيص عليه في الدستور.
وللأمر تاريخ أصبح واحدًا من أبشع الموروثات في إيران. ففي الرابع من نوفمبر من ذلك العام هاجم أسلاف ما سوف يُعرف لاحقا بـ"الباسداران والباسيج"/الحرس الثوري، مبنى السفارة الأمريكية، واحتجزوا 52 من موظفي السفارة لمدة 444 يومًا.
تلك الجريمة علّمت السلطات الإيرانية ووكلاءها في المنطقة أسلوبًا يفيد بأنهم يستطيعون أن يجنوا مكاسب إذا ما اتخذوا رهائن لأغراض الابتزاز. وهو الأسلوب الذي تبنّته فيما بعد منظمات إرهابية عدة، نشطت في سوريا خاصة، للحصول على أموال. والأسلوب إنما يقول: لا يكفي أن تكون إرهابيا يقوم بأعمال القتل والترويع، بل يجب أن تكون خاطف رهائن أيضًا.
جوهر الفكرة يقول: بما أن الدول الأخرى تحترم حقوق مواطنيها ويُلزمها الواجب أن تلتزم بمعايير رعايتهم وحفظ أمنهم وحرياتهم، فإن اختطاف مواطن من مواطنيها يضعها أمام تحدٍّ أخلاقي وسياسي وإنساني يُلزمها إنقاذه.
الفكرة نفسها إنما تقول في إيران: لا يكفي أننا ننتهك حقوق مواطنينا ولا نؤدي حيالهم واجب الرعاية والأمن، بل يجب أن نبتز الآخرين ممن يلتزمون تلك المعايير.
مدرسة الإرهاب، التي علّمت تنظيماتها الداخلية والخارجية هذا الأسلوب، إنما أرادت أن تفرض أساليبها على الآخرين، وأن تجعلهم يخضعون لها. وهذا وجه آخر للإرهاب. يشبه الواقع القائل: نرتكب جريمة، ولكي ننجو من عواقبها نرتكب جريمة أخرى.
هذا ما حصل، بالضبط، وعلى وجه التمام والكمال، مع اعتقال مواطن بلجيكي يعمل في مجال الإغاثة الإنسانية بتهمة التجسس، لأجل مقايضته بمجرم أرسلته إيران، تحت غطاء دبلوماسي، هو أسد الله أسدي، لتنفيذ جريمة تفجير مؤتمر للمعارضة الإيرانية في إحدى ضواحي باريس عام 2018.
ولولا أن نجحت السلطات الأمنية البلجيكية في وقف منفذي الجريمة قبل ارتكابها لكان الأمر قد أسفر عن مجزرة تطال المئات من الضحايا.
السجال القانوني ما يزال قائمًا في محكمة الاستئناف البلجيكية حول ما إذا كان القبول بصفقة المقايضة هذه مشروعًا. ولكن، بصرف النظر عمّا قد يُتخذ بشأنها، فإن السجال يدور بين أمرين هما: هل يجوز الخضوع لأساليب الإرهاب؟ أم هل تُعطى الأولوية لحقوق ذلك المواطن البريء؟ والأسئلة التالية كثيرة طبعًا. ومنها الذي تواجهه السويد الآن، ويقول: إذا خضعنا مرة، فما الذي يمنع الإرهاب من أن يُخضعنا من جديد؟
بعد أقل من أسبوعين على الحكم، الذي أصدره القضاء السويدي على متهم بالمشاركة في عمليات إعدام جماعية ضد معارضين إيرانيين نفذت عام 1988، قامت إيران باعتقال مواطن سويدي بتهمة التجسس.
حميد نوري، الذي حكم عليه القضاء السويدي بالسجن مدى الحياة، شارك في تنفيذ جرائم طالت عشرات الآلاف من الموطنين الإيرانيين، ممن أعدموا بتهم زائفة أو بالشبهات حول انتمائهم للمعارضة. والمتهم لم يكن مجرد جندي يتولى تنفيذ الأوامر. بل كان نائب المدعي العام المساعد في سجن كوهاردشت، وهو منصب يخوله اتخاذ وتنفيذ قرارات الإعدام. لا سيما وأن الفتوى التي أصدرها "الخميني" في ذلك الوقت لم تضع قائمة بأسماء من يتوجب إعدامهم، ولكنها تركت الأمر للادعاء العام بأن يعدم كل من يعتقد أن تهمة الانتساب للمعارضة تنطبق عليه. ولهذا السبب، بلغ عدد الضحايا أكثر من 30 ألف إنسان.
في المقابل، ماذا فعل المواطن السويدي لكي يُتهم بالتجسس؟ وما الأدلة التي قدمت ضده؟ هل أخذ صورة "سيلفي" مثلا في حديقة اتضح أنها سر من أسرار الدولة العظمى؟ وما حاجة السويد إلى التجسس في إيران أصلا؟
الجواب لا يهم. المهم أنه رهينة لأجل المقايضة. فالجريمة في إيران لا يكفي أن تُرتكب مرة واحدة، بل مرتين. الأولى عندما يُقتل عشرات الآلاف من الأبرياء، والثانية عندما يُختطف مواطن أجنبي لأغراض الابتزاز لتغطيتها وتغطية واحد من مرتكبيها.
مرة أخرى، سوف تكون السويد مُجبرة على أن تواجه ما تواجه بلجيكا. ومرة أخرى سوف يكون على دولة ثالثة ورابعة وخامسة أن تختبر نفسها أمام السؤال العتيد نفسه: إذا خضعنا مرة، فما الذي يمنع الإرهاب من أن يُخضعنا من جديد؟
هناك جواب واحد معقول للخروج من هذه المحنة: اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، ليس من أجل التنديد، وإنما من أجل فرض عقوبات، واتخاذ إجراءات عملية لحماية الرعايا الأجانب، الذين تتخذهم إيران كرهائن.
الخضوع للإرهاب يشجعه على المزيد. لا توجد حقيقة أكثر وضوحًا من هذه. ولو أن حلقة التكرار الشريرة تم كسرها، لحماية رعايا آخرين وآخرين، فإن مدرسة الإرهاب سوف تتلقن الدرس القائل: إن ارتكاب الجريمة مرتين يستوجب العقاب مرتين. وليس الخضوع.