د. ماجد السامرائي
يردد بعض متعاطي السياسة العراقيين ما يقال بأن هناك خطين في النظام الإيراني أحدهما خط الثورة والآخر خط الدولة، مستبشرين دون علم أو فهم بزيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الأخيرة لبغداد بأنها تقع في إطار النمو المتصاعد لخط الدولة في إيران الذي يجب حسب ما يرون تشجيعه، وكأنهم قادرون على اختراق نظام ولي الفقيه عبر تفعيل هذه الجدلية، وهم يستسهلون بسذاجة مهارة القائمين على الحكم في طهران، وإنهم يحاولون الآن بسبب ظرفهم الشاق اللعب بقصة “إيران الدولة وإيران الثورة” وتسويقها إلى الدوائر الأميركية قبل الدول العربية ومن بينها العراق.
هؤلاء السياسيون العراقيون حينما يطلقون هذه الدعوة إنما يستقطعون نصف الحقيقة القائلة بوجود تيار إصلاحي داخل إيران، ويحاولون التعبير بنصف المجاملة لنظام ولي الفقيه في إيران خوفاً أو قصوراً عن فهم العقلية الحاكمة في طهران، وهذا ما يقع فيه الكثير من المثقفين العرب الذين كانوا من أشد المنادين بشعارات القومية العربية ومن أكثر المناصرين لقومية صدام حسين التي حاربت إيران.
نجدهم اليوم يضعون النظام الإيراني قائداً لمحور الممانعة ضد محور أميركا وإسرائيل، ويدافعون عن خط الثورة للهيمنة على بلدان عربية رئيسية كالعراق وسوريا ولبنان، وهم في ذلك أكثر انسجاما مع حكام طهران، والأحرى بهؤلاء السياسيين المدعين للقومية العربية أن يمتلكوا الحد الأدنى من قيم الدفاع عن عروبة تلك البلدان لكنهم ليسوا أكثر من فاقدي “النعمة الصدامية” التي نشف نبعها برحيل نظامه، وانتقلوا إلى المال الإيراني الرخيص.
ولعل بعض مفسري نظرية انحسار “إيران الثورة” لصالح “إيران الدولة” يتوقعون بأن استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب هي جزء من عملية استدراج إيران لإخراجها من خانة الثورة إلى خانة الدولة في وثيقة الـ12 نقطة التي أعلنها وزير خارجيته مايك بومبيو العام الماضي.
وقد يكون ما تقوم به إدارة ترامب في هذا الجانب صحيحا لكنها تعلم بأن رجال الدين الذي استولوا على السلطة عام 1979 هم أنفسهم الذين احتجزوا الرهائن الأميركان وفجروا قاعدة المارينز في لبنان.
ومن المفترض أن تكون النخب السياسية العراقية غير المؤدلجة بالإسلام السياسي المنحاز لطهران من أكثر الناس دراية ومعرفة بطبيعة نظام ولي الفقيه، لكنهم للأسف يقعون في التفسيرات الاستهلاكية أو قصيرة النظر.
ذلك أن مصدر تسويق خط “نظرية الدولة” ينطلق من داخل مؤسسات ترويجية لما يسمى التيار الإصلاحي ضمن مراكز صراع القوى داخل النظام الإيراني نفسه للمناورة في السياسة الخارجية، فحقيقة ولاية الفقيه هي حزب سياسي إيراني جوهره قومي توسعي على حساب جيران إيران من العرب يتصدرهم العراق المبتلى، وأمين عام هذا الحزب خامئني يعتقد بأنه خليفة الله في الأرض وأن الدولة الإيرانية هي الأداة الكبرى لهذا الحزب لما تمتلكه من عناصر القوة والسلاح والثروة.
من الصعب تمرير مثل هذه البدع على شعوب إيران وأوساطها المثقفة، لكنها نمت بين الأوساط الجاهلة والفقيرة.
لقد قاومت هذه الشعوب التسلط الدكتاتوري والاضطهاد والتمييز العنصري للشاه، وثارت عليه لكن هذه الثورة اختطفت من قبل رجال الدين لتتحول إلى ثورة تمذهبت بالفكر الخميني المغطى بالإسلام الشيعي تحت ما سمي بولاية الفقيه التي أسست الجمهورية الإيرانية الإسلامية معتقدة بأن العالم الإسلامي يجب أن يكون تحت وصايتها، ووفق ذلك فإن الدولة تخدم ثورة ولي الفقيه.
لقد قاومت شعوب إيران النظام وحصلت سلسلة من الانتفاضات أبرزها الثورة “البيضاء” عام 2009 التي قمعت من قبل أدوات السلطة التي تعطل تحقيق الأهداف النهائية لانتفاضة هذا الشعب العريق ليعود له دولة مدنية تتجانس مع جيرانها وتختفي لغة العسكرة والتجييش والمكابرة.
النظام الحالي يستثمر الحالة النفسية الجمعية لشعوب إيران. يقول مفكر إيراني مغترب “إن أكثر ما يدفع الإيراني هو محاصرته بالأعداء من كل جانب على الكرة الأرضية، وهناك رغبة شعبية عارمة بالهروب من ذلك الحصار الذهني الذي فرضته الثورة الإيرانية على الإيرانيين منذ تولت السلطة عام 1979، ما دفعهم إلى رؤية الأعداء حولهم في كل مكان، مقابل نظام مستبد وسلطوي ديني منافق يتحدث عن النقاء والطهارة الثورية لكنه متخم بالفساد”.
لقد سقطت نظرية ولاية الفقيه داخل إيران ومزقتها التظاهرات الشعبية وحالة الفقر والجوع والحرمان، والتشبث بأذيال الدولة الآن لن يلغي هذا التدهور بسبب العقوبات الأميركية التي يحاول النظام استثمارها لتغيير وجهة العداء. كما سقط حزب ولاية الفقيه الإيراني وفشل في العراق لدى شعب العراق الشيعي قبل المكونات الأخرى وبين الكثيرين من بين الأوساط السياسية الشيعية وحتى القيادية منها، ولا بد أن تأتي اللحظة التي يتمزق فيها هذا الكابوس الأسود ويزول من العراق. الدولة والثورة في إيران وجهان لعملة واحدة هي حزب ولي الفقيه.
كاتب عراقي