رفتن به محتوای اصلی

لن تمروا.. كيف تخطط أمريكا لضرب العملة الإيرانية المشفرة؟

حكومة طهران لاتستطيع وقف نزييف إنهيار قيمة عملتهِ
AvaToday caption
تشكل "البيتكوين" فرصة ذهبية للحكومات، في مواجهة العقوبات الدولية
posted onDecember 26, 2018
noدیدگاه

أحمد فوزي سالم

يلاحق نواب الكونغرس الأمريكي الزمن، وعلى رأسهم النائب الجمهوري مايك غالاغر، لحظر العملة الرقمية المشفرة الإيرانية التي تحاول التغلب على الحصار الترامبي للبلاد، ومحاولاته الرامية إلى تجميدها وعزلها عن العالم، ووفقًا لبنود مشروع قانون "غالاغر" المسجل قبل أسبوع، هناك مواجهة من نوع آخر سيشهدها العالم في القريب العاجل، تحت عنوان حظر الأنشطة المالية غير القانونية لإيران، بزعم مواجهة غسل الأموال ومنع كل نشاط إيراني تراه الولايات المتحدة لا يخدم إلا مصالح الإرهاب.

ويعتبر النواب الجمهوريون، القانون المزعوم ضد إيران، أحد أهم مهامهم الرئيسية خلال الفترة القادمة، لقطع الطريق على العملة الفارسية الجديدة، سواء عن طريق التعاملات المالية أم التمويل، وبموجب القانون سيلاحق كل شخص أو مؤسسة، تساعد إيران في ترويج عملتها، على أن يتم إدراج المخالف فورًا بقائمة العقوبات الاقتصادية الأمريكية.

ما وراء العملة المشفرة

تدخل إيران عالم العملات المشفرة المعروفة بالبيتكوين، رغم المخاوف الكبرى التي تطلقها مؤخرًا، الكثير من الحكومات والمصارف الدولية، بسبب نقص المعدلات الآمنة الضامنة لاستقرار هذه العملات.

يمكن القول إن أكثر نموذج واضح في استخدام العملات المشفرة فنزويلا التي أصدرت عملة أسمتها بترو، للالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الولايات المتحدة، ورغبة في إنعاش اقتصادها المتردي ووقف التضخم المتزايد وتحسين قيمة العملة الرسمية في البلاد، وهي خطوة تقابلها الخزانة الأمريكية بعنف شديد، وتحذر كراكاس من أي محاولة جديدة في هذا الإطار، قد يفهم منها انتهاك العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ العام الماضي بواسطة الولايات المتحدة.

وحتى الآن، لا يوجد ما يؤكد رسميًا خوض إيران هذا الطريق، لا سيما بعد إدلاء مصرفها المركزي بتصريحات، يرفض فيها تداول العملة المزعومة، بما يكذب المعلومات المتبادلة في وسائل الإعلام العالمية، وبعض أجهزة الاستخبارات عن السعي لاستخدام العملة المشفرة، مما دفع نواب الكونغرس للإسراع في سن قانون يزلزل قلوب المتعاملين معها، تزامنًا مع قرب تطبيق العقوبات الأمريكية كاملة على طهران، بما ستسبب في انهيار شبه كامل للعملة الرسمية.

وتستند الضجة الإعلامية الدولية التي تؤكد اقتحام إيران عالم العملات المشفرة، إلى تصريح أبو طالب نجفي مدير شركة الخدمات المعلوماتية في إيران، المعين من المصرف المركزي لتطوير العملة الرقمية المشفرة، الذي أكد فيه أن العملة الوطنية الرقمية الإيرانية في المرحلة التجريبية.

بجانب تصريح نجفي، تستند تقارير الميديا الغربية على ما يتدم تداوله في بعض الصحف الإيرانية وخاصة صحيفة "PressT" التي كشفت عن تخطيط الإدارة الإيرانية للشؤون العلمية والتكنولوجية التابعة لمكتب الرئاسة، لإنشاء عملة رقمية مشفرة محلية بإيران، كما أنتجت وكالة الأنباء الإيرانية ISNA، مجموعة تقارير صحفية تؤكد أن عددًا كبيرًا من شركات التكنولوجيا الإيرانية المحلية، لديها مهارات كافية لتطوير عملة رقمية مشفرة.

ما يؤكد لدى الغرب مصداقية هذه التقارير، ضبط الولايات المتحدة، شخصين يحملان الجنسية الإيرانية، وهما يستخدامان البيتكوين في تعاملات غير مشروعة، بلغت 7 آلاف صفقة، وفرت لهما ملايين الدولارات الأمريكية، بما جعل هناك شبه يقين في اعتبارهما أول من يستخدم لصالح إيران العملة المشفرة بالولايات المتحدة، التي سارعت على الفور بنشر عناوين العملات الرقمية المضبوطة وكشفت هوية أصحابها واتهمتهما بمساعدة قراصنة إلكترونيين على تحويل الأموال للريال الإيراني عبر الإيقاع بأكثر من 200 ضحية أمريكية.

أزمة حقيقة بسوق العملة في إيران

تعيش أسواق العملات في إيران أزمة حقيقية، مع قرب فرض العقوبات الأمريكية ودخولها حيز التنفيذ، بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، ويهدف بالأساس إلى الحد من عرقلة صادرات إيران النفطية وفرض قيود على تعاملاتها المالية، ما أعاد الاضطراب من جديد إلى أسواق النفط، جراء تداعيات قرار ترامب، الذي يعتبره حسن روحاني الرئيس الإيراني، مخالفًا للقوانين الدولية، بجانب الضغط المضاعف المحتمل والمتوقع بشدة، إذا ما استخدمت إيران رسميًا العملة المشفرة تحديًا للولايات المتحدة. 

الصورة كما تحياها إيران، نقلها سياح أجانب غادروا البلاد خلال الأسابيع الماضية، لوسائل إعلام بلدانهم، وتحدثوا باستفاضة عن صعوبات شديدة واجهوها خلال محاولاتهم تبديل اليورو بالعملة المحلية "الريال" لتغطية مصاريف عطلتهم في إيران.

ولا تقبل المصارف الإيرانية حاليًّا، تبديل اليورو أو الدولار، وفقًا لسياسات صارمة مفروضة من المصرف المركزي، لإعادة الروح للريال الإيراني مقابل الدولار ووقف تدهوره، بعد أن فقد نحو ثلث قيمته خلال ستة أشهر، كما يحظر المركزي على جميع مكاتب الصرف، شراء أو بيع أي عملات صعبة، تاركًا للبنوك فقط هذه المهمة، إلا أن العديد من التقارير المعنية بأسواق المال العالمية، رصدت رفض المصارف أيضًا تبديل العملة المحلية بالعملات الأجنبية.

وتحاول السياسة المصرفية المعقدة تلك، مواجهة العقوبات المالية الأمريكية ضد طهران، وإجبار كل من له علاقة مع البلاد، سواء كانت اقتصادية أو سياحية على جلب ما يكفيه من الخارج، وهي سياسة خطرة، وقد تنتهي بإيران إلى مزيد من العزلة الدولية، كانت قد استطاعت التغلب عليها بشكل كبير، إثر تطبيق الاتفاق الدولي بشأن ملفها النووي، بما جذب إليها الآلاف من السياح الغربيين.

وقصد إيران بعد إنجاز الاتفاق النووي، سياح من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وبريطانيا، بجانب مئات الآلاف من السياح العراقيين، وبشكل خاص الحجاج الشيعة، إلا أن ضربة ترامب، تسببت في أزمة خانقة، ويبدو أنها ستطول ولن يكون لها حل في القريب العاجل، وستزيد بشكل مفجع إذا أعيد انتخاب ترامب لفترة رئاسية جديدة.

البيتكوين.. فرصة من لا فرصة له

تشكل "البيتكوين" فرصة ذهبية للحكومات، في مواجهة العقوبات الدولية، في ظل نقص حاد بالتشريعات الدولية المناهضة لهذا النوع من المعاملات المالية، وهو ما زج بالكونغرس في قلب المعركة، لسن تشريعات جديدة، تعاقب أي حكومة تتعامل بالعملات الرقمية المُشفرة، مما يجبر إيران على التعامل سرًا، ومع صعوبة رصدها، إلا أنه سيصبح نشاطًا محرمًا، وأي إثبات له سيضع الأطراف العاملة به تحت رحمة العقوبات الدولية.

ويعود اختراع البتكوين إلى جهة مجهولة الهوية، تعرف باسم "ساتوشي ناكاموتو" وأعُلن للعالم عام 2009، وهو نظام دفع يمكن مقارنته بالعملات الأخرى، مثل الدولار واليورو، مع فوارق عدة، أهمهما تداوله بشكل كامل عبر الإنترنت فقط، كما أنه يعمل دون مستودع مركزي، وتتم المعاملات بين المستخدمين مباشرة دون وسيط، من خلال استخدام التشفير.

في فبراير 2015، اعتمد أكثر من 100 ألف تاجر حول العالم، نظام البيتكوين كعملة للدفع، وبحسب تقديرات بحثية لجامعة كامبريدج الإنجليزية عام 2017، تداول من 2.9 إلى 5.8 مليون مستخدم، محفاظ لعملات رقمية بنظام البيتكوين.

التوترات الدولية جعلت العملة تسقط من حسابات العالم، وما يؤكد ذلك، تراجعها المستمر بعد أن كانت وصلت لمستويات خرافية أواخر ديسمبر من العام الماضي، ووصل سعر العملة إلى ما يقرب من 20.000 دولار، قبل أن تهبط بعد شهر واحد فقط، بسبب تلويح الولايات المتحدة باستهدافها، ردًا على استخدام فنزويلا لها، ومؤشرات سقوطها في القبضة الإيرانية، لتنهار بسرعة غير متوقعة، وصلت بسعرها إلى 14.112 دولار، واستمرت الانخفاضات المتوالية حتى وصلت قيمتها إلى 6.265 دولار نهاية الشهر الماضي.

كما فقدت العملة أكثر من 50% من قيمتها، بداية عام 2018، و60% من قيمتها بنهاية العام، قياسًا بأعلى مستوى عرفته في ديسمبر 2017، ولن تعود لما كانت عليه إلا إذا شهدت معجزة بزيادة استخدامها الفعلي من جانب الشركات والأفراد، وهو أمر مستبعد في ظل اضطرار أغلبية زبائنها، إلى بيع عملاتهم بالفعل، منذ بدء انخفاض العملة، بسبب العقوبات الأمريكية، وفشل العاملين بسوق العملة المتوقع في جذب مزيد من العملاء خلال الأشهر المقبلة.

كاتب ومدون مصري