أثار ذكر تحالف الفتح الذي يضم الميليشيات الشيعية برئاسة منظمة بدر، مرشحه لرئاسة الحكومة المقبلة، التنافس المبكر على رئاسة الوزراء بين القوى والأحزاب الشيعية قبل إجراء الانتخابات البرلمانية في العاشر من أكتوبر المقبل.
وأكد النائب عن تحالف الفتح نعيم العبودي أن هادي العامري على رأس مرشحيه لرئاسة الحكومة المقبلة المخصصة للشيعة وفق المحاصصة الطائفية التي شرّعت بعد احتلال العراق عام 2003.
ويرأس العامري منظمة بدر التي تأسست في إيران إبان الحرب العراقية – الإيرانية وقاتلت مع القوات الإيرانية ضد الجيش العراقي.
ويقود رئيس منظمة بدر تحالف الفتح الذي يجمع غالبية الميليشيات الشيعية التي تشكل الحشد الشعبي، وخصوصا الولائية منها للمرشد الإيراني علي خامنئي.
وقال العبودي "إذا حصلنا على المقاعد التي تؤهلنا بالتحالف مع الكتل السياسية، سوف نشارك وسنطرح مرشحنا بصورة واضحة وجلية، فمن يؤيد فأهلا ومرحبا، ومن يعارض يذهب إلى المعارضة".
وبدا تصريح النائب من الفتح محاولة جس نبض للقوى الشيعية الأخرى وهي تدخل بورصة مرشحي رئاسة الحكومة المقبلة، في وقت يتفاقم فيه الجدل داخل الشارع العراقي على أهمية الانتخابات في تشكيل حكومة وطنية وهي تعيد نفس القوى والوجوه السياسية المتهمة بالفساد والفشل.
ولا يخفي رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي طموحه إلى تولي رئاسة الحكومة المقبلة.
وانضم العبادي إلى تحالف جديد مع تيار الحكمة برئاسة رجل الدين الشيعي عمار الحكيم.
وشكل تيار الحكمة مع رئيس ائتلاف “النصر” الذي يرأسه العبادي تحالفا انتخابيا حمل اسم “تحالف قوى الدولة الوطني” مع أنه يقتصر على تنظيمات وشخصية شيعية تحديدا.
ويدخل رجل الدين مقتدى الصدر بقوة في الانتخابات بتشكيل انتخابي تحت اسم “الكتلة الصدرية” يجمع فيه مرشحي التيار الصدري الطامح إلى الفوز بأكبر مقاعد لتشكيل الحكومة الجديدة.
ومع أن التيار الصدري لم يعلن عن مرشحه، إلا أن كل التكهنات تشير إلى تقاربه مع رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي لتشكيل الحكومة.
وقد لا تسمح نتائج الانتخابات التي يأمل الصدر في أن يكون عرّابها للكاظمي في أن يكون نجم المرحلة المقبلة في ظل إمكانية أن يقوم جمهور التيار الصدري في التصويت للميليشيات تحسبا من أن تفوز شخصيات علمانية وهو ما يمكن أن يُشاع لأسباب طائفية.
ويبقى رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي زعيم تحالف دولة القانون ورئيس حزب الدعوة الإسلامي الذي لا يخفي طموحه إلى العودة إلى المنصب الذي ترأّسه على مدار دورتين انتخابيتين، يسمّيها العراقيون بدورات الفساد الكبرى في أهدار المال الحكومي.
ومع أن المالكي قد صرح بأنه لم يطلب من أحد ترشيحه لرئاسة الحكومة، لكنه عبّر في الوقت نفسه عن عدم ممانعته في العودة إلى رئاسة الوزراء إذا اتفقت عليه القوى الشيعية.
ويدفع المالكي ائتلاف دولة القانون للدخول بقوة إلى الانتخابات عبر وعود مغرية للناخبين ينفق عليها بسخاء منذ انطلاق الحملة الانتخابية.
ولكن قرار المنع الشعبي والسياسي المفروض على المالكي والذي لا يزال ساريا سيؤدي بالضرورة إلى اخراج تياره من السباق، ذلك لأن رئيس ائتلاف دولة القانون بالرغم من حماسته المظهرية للحشد الشعبي لا يميل شخصيا إلى أن يستولي زعيم ميليشياوي مثل هادي العامري على الدولة. لا لشيء إلا لأنه يخشى أن تُفتح ملفات فساد عهده ضمن مخطط تحسم الميليشيات فيه معركة الإصلاح لصالحها.
وتكشف الأسماء الأولية المعلنة لرئاسة الحكومة المقبلة صورة تدوير نفس الوجوه التي فقدت رصيدها لدى العراقيين، وكانت سببا لانتفاضة تشرين التي اندلعت في المدن العراقية رافضة العملية السياسية، ومطالبة بإصلاح جذري تحاسب فيه الأحزاب والقوى السياسية الفاسدة.
ويجمع المراقبون على أن العملية السياسية ستبقى تدور في نفس المربع الأول من الفساد والفشل إذا أعيد تدوير نفس الأسماء الموجودة منذ ثمانية عشر عاما.
وتتساءل غالبية المراقبين في العراق عمّا إذا ستكون الحكومة المقبلة “حكومة ميليشيات”، ويرون أن هذا السؤال الذي لا يقلق المعارضين وحدهم، بل وأيضا أفرادا من الطبقة السياسية التقليدية ممَن لا يملكون صلات قوية بالميليشيات.
وكان زعماء ميليشيات قد تسللوا إلى مجلس النواب في دورته الحالية بوصفهم رجال سياسية، ويطمحون اليوم إلى إدارة المرحلة المقبلة التي ينبغي أن تكون برعاية الحرس الثوري الإيراني.
وقال باسم الشيخ الناطق باسم قوى المعارضة العراقية إن التغيرات الطفيفة المعلنة لا تغير من تحالفات القوى السياسية التقليدية من أجل ضمان حصصها من غنيمة السلطة، بغض النظر عن سيناريو إجراء الانتخابات وقناعة الناخب بما سيسفر عنها.
واعتبر الشيخ في تصريح لـ”العرب” أن تسويق تلك القوى لمرشحيها في رئاسة الحكومة في وقت مبكر يعتبر إشارة تلويح لإسالة لعاب رغبة الطامحين أن يكونوا جزءا من مغانم الحكومة المقبلة، ولكسب حلفاء محتملين وتحييد التحالفات المنافسة.
واستبعد أن يكون ذلك بمنأى عن الطموح غير المعلن للكاظمي في خطف ولاية ثانية تشير التسريبات أنه رتب لها مسبقا مع التيار الصدري والتي فتح بموجبها خزائن الوظائف العليا أمامهم وطريقة التناغم الواضحة في تنفيذ توجيهات زعيم التيار مقتدى الصدر وأوامره.
وعبّر الشيخ عن توقعه أن تواجه القوى التقليدية بتحالفاتها الجديدة المتغير الجديد المتمثل في المعارضة الداخلية والتي ستحل محل القوى التي كانت تحتكر تحريك الشارع الرافض للنتائج.
بيد أن المحلل السياسي العراقي علي الربيعي يرى أن رئاسة الوزراء في العراق لا تتعلق بنتائج الانتخابات وحدها بقدر ما تتعلق بالتسويات الإيرانية – الأميركية على القبول برئيس الوزراء الجديد.
وعبّر الربيعي في تصريح لـ”العرب” عن اعتقاده أن أي رئيس وزراء مر أو سيكون مستقبلا لا يمكن أن يجلس في موقعه من دون أن تتم “فلترته” في مكتب مرجعية النجف برئاسة السيد علي السيستاني.
وأكد على أن التحالفات المعلنة لهذه القوى الطائفية تقوم على سوق سوداء موازية للسياسة، بغياب لافت لأيّ تطور في الفكر السياسي ولأيّ مشاريع أو برنامج تنفيذي لإدارة عملية اقتصادية متوقفة منذ عقود.
ومن المقرر أن يشارك في الانتخابات 110 حزب سياسي و22 تحالفا انتخابيا، وقامت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بدعوة 76 سفارة ومنظمة أجنبية لمراقبة العملية الانتخابية.
وعلى الجانب الآخر تتنافس القوى السنية العراقية بشراسة على الانتخابات للحصول على رئاسة البرلمان وفق المحاصصة الطائفية التي منحت رئاسة الوزراء إلى الشيعة.
ويمثل تحالف عزم العراق (عزم)، بزعامة السياسي ورجل الأعمال خميس الخنجر أكبر التحالفات السنية في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى والموصل وبغداد.
ويضم التحالف الذي يشارك في الانتخابات للمرة الأولى كل من المشروع العربي برئاسة الخنجر المقرب من القوى الشيعية، وحزب الوفاء برئاسة وزير الكهرباء الأسبق قاسم الفهداوي، وحزب الحل برئاسة جمال الكربولي، والكتلة العراقية الحرة برئاسة وزير البيئة السابق والنائب الحالي قتيبة الجبوري، وحزب المسار المدني برئاسة النائب مثنى السامرائي.
كما يجمع تحالف “عزم” التجمع المدني للإصلاح بزعامة رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري، وحزب التصدي برئاسة وزير الدفاع السابق والنائب الحالي خالد العبيدي.
أما التحالف الثاني الذي ينافسه في المناطق الغربية هو تحالف تقدم الوطني (تقدم) بزعامة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وهو تحالف يشارك لأول مرة تحت هذا الاسم. ويضم التحالف كلا من حزب التقدم بزعامة الحلبوسي، والخيار العربي برئاسة النائب السباق عبدالكريم عبطان.