رفتن به محتوای اصلی

عن إيران.. ما بعد المشهد الأفغاني

الحدود الأفغانية الإيرانية
AvaToday caption
يتساءل الملالي في إيران اليوم: "ما الذي يدفعنا لتقديم تنازلات ونحن في مواجهة مستقبل إدارة أمريكية مختلف عليها داخليا، وقد تتغير بين لحظة وضحاها، ناهيك عن المخاوف الكبيرة المرتبطة بموعد نوفمر 2022؟
posted onAugust 22, 2021
noدیدگاه

إميل أمين

هل يمكن أن يحمل المشهد الأفغاني تأثيرا ما على السلوك الإيراني في الداخل والخارج، وبنوع خاص نتساءل أتلقي تطورات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بظلالها على مباحثات فيينا ومآلاتها؟

لتقديم جواب موضوعي، لابد من الوقوف على آخر المستجدات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، والذي هو قلب محادثات فيينا.

في الأيام الأخيرة جاءت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتؤكد على أن إيران قد أحرزت تقدما في تخصيب اليورانيوم، ذلك أنها استخدمت 257 غراما من اليورانيوم 235 المخصب حتى 20% في شكل رابع فلوريد اليورانيوم من أجل إنتاج 200 غرام من اليورانيوم المخصب حتى 20%.

تاليا أشارت الوكالة عينها إلى أن طهران زادت من قدرتها الإنتاجية بشكل كبير من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وكلا الخطوتين رئيسيتان في تطوير سلاح نووي، وليس لدى إيران حاجة مدنية ذات مصداقية تبرر الوصول إلى هذا المستوى من التخصيب، عطفا على أن هذه الخطوة تعد الثالثة في خطة من 4 مراحل تعمل عليها إيران في هذا الإطار.

ما الذي يعنيه السعي الإيراني الدؤوب والمستمر لتخصيب اليورانيوم إلى مثل تلك النسب، والتي تكشف بجلاء شديد عن رغبة واضحة في حيازة السلاح النووي، وتفضح الادعاءات الخاصة بحاجة البلاد إلى طاقة كهربائية لمشروعاتها الصناعية؟

باختصار غير مخل يعني ذلك أن طهران في طريق التمكين لحيازة تكنولوجيا ومعرفة كافيتين لإنتاج قنبلتها الذرية، وأن كل يوم تتأخر فيه واشنطن وبقية الدول الغربية المشاركة في مفاوضات فيينا، يعني أن الإيرانيين يقتربون حثيثا من هدفهم الواضح للعيان.

على الجانب الآخر ترى طهران أن واشنطن تعيش واحدة من أكثر لحظاتها ضعفا وانشقاقا من جراء قرار الانسحاب من أفغانستان، وتراهن على الارتباك الحادث في إدارة الرئيس الديمقراطي، وتبتهج من القلب لهجمات الجمهوريين على مقام الرئاسة، وقد بلغ الأمر حد قيام السيناتور، ريك سكوت، من ولاية فلوريدا باستدعاء ملامح ومعالم التعديل الخامس والعشرين من الدستور الأمريكي والخاص بعزل الرئيس.

عبر تويتر كتب سكوت يقول: "بعد الأحداث الكارثية في أفغانستان يجب أن نواجه سؤالا خطيرا.. هل بايدن قادر على القيام بمهامه أم حان الوقت لممارسة أحكام التعديل الخامس والعشرين؟

يتساءل الملالي في إيران اليوم: "ما الذي يدفعنا لتقديم تنازلات ونحن في مواجهة مستقبل إدارة أمريكية مختلف عليها داخليا، وقد تتغير بين لحظة وضحاها، ناهيك عن المخاوف الكبيرة المرتبطة بموعد نوفمر 2022؟

الموعد المتقدم ولاشك هو الخاص بانتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وهنا لا نذيع سرا إن قلنا إن حظوظ الديمقراطيين إذا جرت تلك الانتخابات اليوم، ستكون أقل من مثيلتها عند الجمهوريين، فقد تراجعت نسبة الرضى عن أداء الرئيس بـ 7% خلال خمسة أيام من تاريخ سقوط كابول، ومع تطورات المشهد الأفغاني في قادم الأيام، ربما يرى المرء تراجعا رئاسيا وحزبيا ديمقراطيا أكثر فأكثر.

في هذه الأجواء أضحت الصيحة الإيرانية الآنية هي من يضمن أن تقدم طهران تنازلات ويأتي في الغد رئيس جمهوري آخر على شاكلة ترامب؟

تتبدى الشكوك الإيرانية في الإدارة البايدنية من خلال التصريحات الأخيرة لمرشد الثورة خامنئي، تلك التي أشار فيها إلى أن واشنطن تتعامل بشكل خبيث وبلا مروءة، وهي لا تترفع أبدا عن نقض تعهداتها والتزاماتها كما فعلت حين خرجت من الاتفاق النووي.

وفي الداخل الأمريكي هناك من يتساءل بدوره ما الذي يستدعي إيران لأن تتراجع، وهي ترى العصا الأمريكية الغليظة التي ارتفعت على أفغانستان، تتهاوى على نحو مذل، فقد كتب بعضهم يقول إننا تلقينا هزيمة ساحقة وأصبنا بفشل ذريع، فقد عادت أفغانستان إلى ذات الأيادي مرة ثانية.

ينظر الإيرانيون إلى تطورات المشهد الأفغاني بوصفها انتكاسة أمريكية في شرق آسيا، ويقدرون الانسحاب المتهور من ذلك البلد الذي يعتبر تاريخيا مقبرة للإمبراطوريات، كهزيمة جوهرية لمشروع القرن الأمريكي، وقد كانت واشنطن تعد نفسها لأن تكون سيدة القرن الحادي والعشرين من غير منافس قائم أو قادم.

هل لهذه الأسباب وغيرها مما لا يطفو على السطح، جاءت تصريحات المبعوث الأمريكي المكلف بالملف الإيراني، روبرت مالي، لمجلة بوليتيكو الأمريكية، والتي ألمح فيها إلى توجهات إيران المستقبلية، وعدم ثقته بناء عليها في إمكانية إعادة إحياء الاتفاق النووي؟

هذه المرة لا يتابع الأمريكيون فقط ردات الفعل الإيرانية على المشهد السياسي الأمريكي، وقد قال الكثيرون من الأوربيين إن ونستون تشرشل قد أخطا، إذ إن أمريكا لم تفعل الصواب في نهاية المطاف في أفغانستان، وهو من أقسم بأغلظ الإيمان من قبل، بأن الأمريكيين عادة يفعلون الصواب في نهاية الأمر.

أولى إشارات الغطرسة النابعة من قلب طهران مع حكومة رئيسي، ومشاهد أفغانستان، تتجلى في اختيار وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، والذي عرف عنه طويلا أنه رجل الحرس الثوري في وزارة الخارجية منذ وقت طويل.

عبد اللهيان وبحسب الكثير من المراقبين لن يتورع عن أن يطرح مطالب جديدة من المفاوضيين الغربيين في فيينا، هذا إن قدر للمفاوضات أن تستكمل، بينما يجزم نفر آخرون من الثقات أنه سيفعل كل ما في وسعه لإحباط اتفاق نووي جديد في فيينا.

الإيرانيون يتحدثون في الساعات الأخيرة عن صفقات من الأرض مقابل المياه في العراق، وفيما الاضطراب يعم المشهد الأمريكي في الداخل، تتحضر الميليشيات التابعة لطهران في سوريا والعراق، لتكرار السيناريو الأفغاني، وتمضي طهران في صفقة جديدة مع الروس لتزويد الحرس الثوري بقمر اصطناعي عسكري يزيد من قدرات طهران العسكرية في الشرق الأوسط، والخليج العربي، وربما لجهة ما هو أبعد.

الخلاصة.. ما جرى في أفغانستان حكما سيجد صداه عما قليل في توجهات إيران، والليالي سوف تأتي الأمريكيين بما كانوا عنه غافلين.