رفتن به محتوای اصلی

حشد برأسين.. هل بدأت صراعات ما بعد داعش في العراق؟

ميليشيات الحشد الشعبي
AvaToday caption
القرار لم يأتِ من فراغ إنما هو حصيلة لصراع محتدم بين قوات الحشد الشعبي المتحالفة أو الموالية لإيران، وقوات الحشد الشعبي التي تنتمي لمرجعية النجف، فالفصائل المسلحة الرئيسية والتي تشكلت قبل ظهور الحشد
posted onDecember 8, 2020
noدیدگاه

مسلم عباس

عقدت تشكيلات الحشد الشعبي التابعة للعتبات المقدسة في العراق، أول مؤتمر لها (1-3 كانون الأول/ديسمبر 2020) حمل شعاراً له دلالات واضحة لا تحتاج إلى تفسير "حشد العتبات حاضنة الفتوى وبناة الدولة"، في إشارة إلى فتوى المرجعية الدينية في النجف التي أطلقتها عام 2014 بعد اجتياح داعش للمحافظات الغربية من العراق وتشكل على أساسها الحشد الشعبي.

المؤتمر يريد تأكيد شيء كان مخفياً منذ عدة سنوات، حشد مكون من لوائين وفرقتين عسكريين (لواء جند المرجعية، ولواء علي الاكبر، وفرقة العباس القتالية وفرقة الامام علي القتالية)، هو الممثل الرسمي للفتوى التي اطلقتها المرجعية من كربلاء عام 2014 لإعلان النفير العام ضد داعش، رغم ان هناك الوية وفصائل مسلحة اكبر واقوى من حشد العتبات هذا، لكنها متحالفة مع ايران، وخطابها متوافق مع الخطاب الايراني، اكثر مما عليه الامر بحشد العتبات الذي يسوق نفسه على انه حشد يمثل الفتوى الدينية ويأتمر بأوامر حكومية.

اللواء علي الحمداني مسؤول عمليات الفرات الاوسط وقائد لواء علي الاكبر التابع للعتبة الحسينية أكد المؤكد بقوله أن "المؤتمر معني بهذه الالوية البطلة التي التزمت بتوصيات المرجع الأعلى (المرجع السيستاني) صاحب الفتوى المباركة في الدفاع عن العراق والمقدسات، والتي التزمت بها طوال خمس سنوات".

وبشأن اعتبار المؤتمر إعلاناً رسمياً للانشقاق عن الحشد الشعبي قال الحمداني كلاماً واضحاً "نحن الحشد ونحن أبناء الفتوى ونحن أبناء المرجعية وهذه الالوية انبثقت من رحم العتبات المقدسة وعرفت في الساحة بالتزامها وبقتالها وعملها ولا تقبل هذه الكلمات الفارغة، فالحشد حشد المرجعية ونحن ابناء الحشد ونحن ابناء الفتوى".

هل تنطبق قاعدة اثبات الشيء لا ينفي ما عداه على مؤتمر حشد العتبات وحديث الحمداني؟ التصريحات والسجالات الإعلامية الظاهرية والمخفية تؤكد أن إثبات تمثيل حشد العتبات للفتوى ينفي أي حشد آخر ويسحب البساط من تحته، وهذا المؤتمر فيه رسالة واضحة ولا تحتاج إلى تفسير بل تذكير فقط.

ففي شهر أبريل/نيسان من العام الجاري لم تعد قوات الحشد الشعبي المُشَكّلة من العتبات تابعة لهيأة الحشد الشعبي، بل ارتبطت مباشرة برئاسة الوزراء، استناداً إلى الأمر المرقم (م.ر.و/س/د6/946) في 19/4/2020 الصادر من القائد العام للقوات المسلحة والمتضمن انتقال فرقتَيْ -الإمام علي والعباس القتاليتين - ولوائَيْ - علي الأكبر وأنصار المرجعية، ذات الارقام الإدارية (2، 11، 26، 44) من هيئة الحشد الشعبي وارتباطها رسميا برئاسة الوزراء وخارج اطار هيأة الحشد الشعبي.

إجراءات الانتقال في ذلك الوقت جرت برعاية رئيس الجمهورية برهم صالح، والقائد العام للقوات المسلحة في حينها عادل عبدالمهدي، وبعض القيادات الأمنية والرسمية، فضلًا عن وكيلَيْ المرجعيّة الدينيّة الشيخ عبدالمهدي الكربلائي والسيد احمد الصافي بحسب بيان عن قيادة قوات الحشد التابعة للعتبات والتي تعهدت ببناء مؤسسة أمنية وخدمية تنهض بأعباء الأمانة التاريخية والمسؤولية الوطنية والعهدة الشرعية تجاه البلد لتقديم أنموذج صالح للخدمة والدفاع، شاكرةً كلّ الجهات الدينية والحكومية والمنظمات المختلفة الداعمة لهذا المشروع.

اليوم جاء وقت تنفيذ الوعد "بتشكيل مؤسسة أمنية وخدمية تنهض بأعباء الأمانة التاريخية والمسؤولية الوطنية والعهدة الشرعية تجاه البلد"، مؤتمر حشد العتبات خطوة متقدمة في التنفيذ والانتقال من مرحلة السجال بين النفي والتأكيد إلى الواقع الفعلي: حشد شعبي برأسين، واحد للعتبات وآخر تابع لهيئة الحشد الشعبي الرسمية التي تسيطر عليها فصائل متحالفة مع إيران.

أسباب كامنة

القرار لم يأتِ من فراغ إنما هو حصيلة لصراع محتدم بين قوات الحشد الشعبي المتحالفة أو الموالية لإيران، وقوات الحشد الشعبي التي تنتمي لمرجعية النجف، فالفصائل المسلحة الرئيسية والتي تشكلت قبل ظهور الحشد، يمكن أن نطلق عليها الفصائل التقليدية لكونها الأقدم، أو الفصائل الولائية لكونها تؤمن بولاية الفقيه المعتمدة كنظام للحكم في إيران، وهي منظمة بدر وعصائب اهل الحق وكتائب حزب الله والفصائل الأخرى المتحالفة معها تعتبر نفسها صاحبة الحق بقيادة الحشد الشعبي وتعتقد أنه من الظلم دفعهم إلى الخطوط الخلفية بينما يسمح للقوات التي تشكلت بعد "فتوى الجهاد الكفائي" لكونها لا تملك الخبرة الكافية لقيادة قوة استراتيجية مثل الحشد الشعبي.

الفصائل التقليدية الولائية ترى ضرورة رفع الكثير من حواجز التواصل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية بين العراق وإيران، لاسباب عدة من بينها المشتركات الثقافية بين البلدين، فضلاً عن المساعدة التي قامت بها طهران خلال فترة الحرب ضد داعش، بينما ترى الفصائل التابعة لمرجعية النجف أن العراق بلد متعدد القوميات والطوائف وأنه يجب أن يتمتع باستقلال تام عن أي دولة خارجية، وما تدعو إليه الفصائل الولاية يمثل تجاوزاً على حقوق القوميات والطوائف الأخرى، فضلاً عن كونه يجعل العراق رهيناً للدول الخارجية.

الفصائل التقليدية الولائية ترى أن الجيوش الرسمية غالباً ما تكون إما ضعيفة أو أنها تُسْتَخْدَمُ ضد الشعب في حال بلوغها مستوى من القوة العسكرية، وتستشهد بما قام به حزب البعث من توظيفه للجيش لقمع الشعب العراقي، وشن الحروب ضد الدول المجاورة ما كلف العراق الكثير من الخسائر الاقتصادية والبشرية، بينما ترى الفصائل التابعة لمرجعية النجف أن الوضع الذي ولد فيه حزب البعث لا يمكن أن يعود، وأن الحصن المنيع للنظام الديمقراطي يتمثل بجيش قوي يتجاوز كل الحسابات الطائفية والمناطقية وعدم ارتهانه للخارج، وذلك يعزز النظام المؤسساتي للدولة العراقية.

الفصائل التقليدية الولائية ترى أن بقاء الحشد الشعبي تحت قيادتها يحصن الحشد ويحصنها من أي تغيرات سياسية قد تتغير على أثرها الحكومة مثلما حدث أبان حقبة البعث، بينما ترى الفصائل المرجعية أنها تتبع فتوى المرجعية التي ركزت على "فتوى الجهاد الكفائي" باشتراطها أن يكون التطوع ضمن القوات المسلحة الرسمية، وهي تعرف جيداً أن الفصائل المسلحة لا تلتزم بالكثير من القرارات الرسمية بدليل أنها تهدد القوات الاميركية خارج إطار الدولة، كما أنها تشارك في عمليات عسكرية خارج الحدود العراقية، ولها امتدادات عسكرية في دول الجوار.

"الفصائل التقليدية الولائية" ترى أن حجج "الفصائل المرجعية" تسقط مباشرة عند التفكير بقوات من مكونات أخرى لا تخضع مباشرة للقوات المسلحة العراقية، مثل قوات البيشمركة الكردية التي تبدو وكأنها قوات تابعة لدولة أخرى، إذ أن لها عمليات خارجية في سوريا ولها أنظمة تسليحية شبه مستقلة عن الدولة العراقية، بينما ترى الفصائل المرجعية أن تقوية الجيش العراقي هو السبيل الوحيد للقضاء على الانتماءات العسكرية خارج إطار المؤسسة الرسمية.

ليس هذا فقط، فهناك العديد من الأسباب الكامنة غير المعلنة لها علاقة بالصراعات على تقلد المناصب وأخرى لها علاقة بالصراع بين القوى التي تؤمن بولاية الفقية كنظام وحيد لقيادة العراق ما يعني أن الحشد الشعبي يجب أن يكون نسخة ثانية للحرس الثوري الإيراني، وبين القوى الأخرى التي ترى ضرورة اللجوء إلى بناء دولة حديثة بعيداً عن الانتماءات الثانوية، والخطوة الأولى لبناء الدولة تبدأ بالقضاء على أي فكرة لبناء الجيوش الموازية التي قد تستحوذ على قرار السلطة السياسية.

القرار الصادر في شهر ابريل/نيسان الماضي بانفصال حشد العتبات عن هيئة الحشد الشعبي، ثم انعقاد مؤتمرها الأول يوم الثلاثاء 1 كانون الأول الجاري يهدد قوة الحشد الشعبي، ويضعف من فرص تحويله الى قوة بديلة للقوات المسلحة العراقية او حتى موازية لها، كما كان مخططاً له من بعض فصائله التقليدية، لأنه فقد جزءاً كبيراً من الدعم الديني الذي تأسس على اساسه، فضلاً عن الدعم الاجتماعي والسياسي.

الحشد الشعبي اليوم، حشد برأسين، قيادة للحشد التقليدي الولائي، وأخرى للحشد المرجعي النجفي، هذه التحولات تنبئ بظهور صراعات قوية بين القوى التي حاربت داعش طوال السنوات الماضي، ويعلن بداية المخاوف الكامنة في ظل تزايد أعداد القوى العسكري وتعدد قياداتها ما جعل من الصعب التمييز بين ما هو رسمي تابع للدولة وما هو ميليشيا مسلحة خارجة على القانون، فالكل يدعي الالتزام بقرارات الحكومية، وغالبية القرارات تلك لا تجد طريقها للتطبيق.