رفتن به محتوای اصلی

أذرع طهران تغلغل في جنوب سوريا

جرحى ضمن صفوف ميليشيات تابعة لإيران
AvaToday caption
تواتر أنباء عن الأبعاد المختلفة للتغلغل الإيراني في الجنوب السوري عبر تشكيلات عسكرية تابعة لطهران أو لـ"حزب الله" اللبناني
posted onNovember 17, 2018
noدیدگاه

لم تنتظر إيران، ومعها "حزب الله" اللبناني، طويلاً للعودة إلى الجنوب السوري، بعد ما أشيع عن تفاهمات روسية – إسرائيلية – أردنية ألزمت إيران ومليشياتها بالخروج من المنطقة خلال سيطرة النظام السوري على منطقة الجنوب في تموز/ يوليو الماضي. بل إنّ إيران، كما يرى البعض، لم تخرج أصلاً من تلك المناطق، إنّما أخفت وجود مليشياتها لبعض الوقت، قبل أن تعاود النشاط علناً في الفترات الأخيرة.

وتشير المعطيات إلى أنّ الحضور الإيراني في الجنوب بات يتخذ اليوم أشكالاً متعددة، ولا يقتصر على الوجود العسكري، إذ يشمل تغلغلاً اقتصادياً من خلال عمليات شراء واسعة للأراضي والممتلكات والمشاركة في الإشراف على معبر نصيب الحدودي مع الأردن، إلى جانب التغلغل السياسي من خلال دفع طهران بعض الموالين لها للتمثّل في مجالس الحكم المحلية، فضلاً عن حركة التشيّع النشطة في مناطق عدة من الجنوب السوري.

وفي السياق، أشارت مصادر عدة إلى أنّ المليشيات الإيرانية و"حزب الله" موجودة اليوم إمّا في قواعد عسكرية تتبع لقوات النظام السوري، أو من خلال تشكيلات خاصة بها معروفة أو مستحدثة، وتنتشر في عموم الجنوب، خصوصاً قرب المناطق الحدودية مع الأردن وفلسطين المحتلة.

وقد كانت الزيارة التي قام بها وفد إيراني رسمي إلى مدينة درعا في 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي برئاسة أبو فضل الطبطبائي، ممثل المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، بمثابة التعبير العلني الأبرز عن اهتمام إيران الخاص بهذه المنطقة.

وهو ما عبّر عنه طبطبائي خلال حضوره فعاليات رسمية وشعبية وعسكرية هناك، بقوله إنّ خامنئي شخصياً "مهتم بأهالي درعا"، حيث ستعمل إيران خلال الأشهر المقبلة على "مشاريع البنية التحتية وإعادة الإعمار وتعزيز المجتمع المحلي"، بحسب قوله، واعداً بمزيد من الزيارات للوفود الإيرانية إلى الجنوب.

وتأتي هذه الزيارة مع تواتر أنباء عن الأبعاد المختلفة للتغلغل الإيراني في الجنوب السوري عبر تشكيلات عسكرية تابعة لطهران أو لـ"حزب الله" اللبناني، ودفع رواتب مالية لإغراء شباب التسويات مع النظام بالانضمام إليها. وتشير هذه الأنباء إلى ظهور مجموعات تتبع للحزب في المنطقة الشرقية، خلال الأسابيع الأخيرة، تقوم بتقديم إغراءات لعناصر المعارضة، منها البقاء في المحافظة، ورواتب أعلى مما يتقاضونه في "الفرقة الرابعة" التابعة للنظام أو "الفيلق الخامس" الذي تشرف عليه روسيا.

وحسب تحقيق نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، مطلع الشهر الجاري، فقد عملت إيران عبر أذرعها الموجودة في سورية، على شراء ولاء فصائل مسلحة منتشرة في الجنوب السوري، ضمن استراتيجية جديدة لتعويض سحبها لمليشياتها هناك، مشيرةً إلى تمكّن "حزب الله" حتى الآن من "استمالة ألفي مقاتل من الفصائل التي كانت مدعومة سابقاً من الولايات المتحدة".

وقالت الصحيفة إنّ "حزب الله" وإيران يفهمان "أنّ اللعبة الفائزة هي لعبة الأرض: تحتاج إلى دمج نفسك في المجتمعات، تحتاج إلى بناء وجود وتكون جزءًا من الاقتصاد والبنية التحتية المحلية، وهذا الوجود، إضافة إلى لبنان، سيكون نقطة ارتكاز الصراع المقبل".

من جهته، قال "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إنّ الإيرانيين و"حزب الله" عادوا "إلى التوغّل في الجنوب السوري على شكل خلايا تتبع لهم، وتفرض نفوذهم الإداري والاستخباراتي في المنطقة ومناطق محاذية للحدود مع الجولان السوري المحتل، ومع الأردن، عبر موظفين يتبعون للحزب ولإيران، مقابل رواتب مالية مغرية".

وحسب تقرير "وول ستريت جورنال"، فإنّ الانضمام إلى "حزب الله" يوفّر ضمانة ضدّ الاعتقال من قبل النظام السوري، إضافة إلى إغراء المرتب الشهري الذي يبلغ 250 دولاراً، وهو أكثر مما يعطيه جيش النظام، وكذلك يزيد عن الراتب الذي كان يتقاضاه هؤلاء العناصر من فصائلهم السابقة في المعارضة.

إلى ذلك، نشر ناشطون قبل أيام تسجيلاً مصوراً يظهر المئات من العناصر المسلحين بزيٍ موحّد، في تخريج دورة لمقاتلين تابعين لمليشيا "حزب الله" اللبناني في منطقة اللجاة، شمال شرق محافظة درعا. ويظهر في التسجيل ضابط في قوات النظام برتبة عميد، يتحدّث خلال تخريج الدورة عن "الجهود المبذولة" من قبل "حزب الله" في تدريب العناصر المنضمة حديثاً، لافتاً إلى أنّ هؤلاء العناصر سيكونون الأداة التي سيعتمد عليها نظام الأسد لاستعادة كامل الأراضي السورية. وفي السياق، قالت مصادر محلية إنّه تمّ تخريج هذه الدورة، بتاريخ 16 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وضمّت حوالي 60 عنصراً. وتعدّ منطقة اللجاة بأرضها الوعرة، مناسبة لإقامة قواعد عسكرية فيها.

وتأكيداً على استمرار وجود إيران ومليشياتها في المنطقة، فقد ظهر قائد مليشيا "أبو الفضل العباس" العراقية في درعا، برفقة ضابط روسي في مدرسة تتخذها المليشيا مقراً عسكرياً لها في منطقة داعل غربي درعا، فيما نعت مواقع إيرانية الضابط في الحرس الثوري الإيراني، محمد إبراهيم رشيدي، الذي قتل في المعارك مع تنظيم "داعش" شرقي السويداء. كذلك أشارت مصادر محلية منتصف الشهر الماضي، إلى مقتل ضابط في صفوف مليشيا "حزب الله" إضافة إلى عدد من مرافقيه في مدينة جاسم شمالي غرب محافظة درعا بهجوم من جانب مسلحين مجهولين.

وبالتوازي مع هذا التمدّد العسكري، تنشط حركة تشيّع في العديد من مناطق الجنوب السوري، وفق مصادر متطابقة. وفي هذا الإطار، قال "المرصد السوري" إنه "جرى فتح مكاتب ومراكز تابعة للإيرانيين وحزب الله اللبناني، ومزارات تعود للطائفة الشيعية في محافظة درعا، وتحديدًا في مناطق صيدا وكحيل والشيخ مسكين ومدينة درعا ومناطق أخرى من ريف المحافظة الجنوبية".

وتفيد تقارير بأنّ المليشيات الإيرانية، ومنها "لواء الإمام الحسن"، و"فرقة الرضوان"، و"لواء أبو الفضل العباس" العراقي، تسعى إلى صناعة أذرع لها في مناطق مختلفة من درعا عبر نشر المذهب الشيعي بين الأوساط المحلية. وقد أنشأت إيران في أواخر الشهر الماضي، أي بعد زيارة مبعوث خامنئي إلى المنطقة، فرعًا لمنظمة دينية شيعية، وهي "الزهراء"، في محافظة درعا.

والواقع أنّ الاهتمام الإيراني بالجنوب السوري يعود إلى فترة الحرب العراقية - الإيرانية ووصول اللاجئين العراقيين إلى درعا، الذين كان لهم دور في نشر المذهب الشيعي بطرق مختلفة. كذلك لعبت المستشارية الثقافية الإيرانية دوراً بارزاً في عملية التشيّع.