رفتن به محتوای اصلی

تركيا عبر فتح جبهة كوردستان تدخل في مأزق كبير

أرتفاع قتلى جنود الأتراك في صراعهم مع الكورد
AvaToday caption
، لا تهتم تركيا كثيرًا بمصالح الحلفاء الآخرين (في الناتو)، في الشرق الأوسط تقوم بإثارة دول المنطقة ضدها، وسبب ذلك يعود لكون أنقرة أعطت لنفسها دور القوة الإقليمية المستقلة
posted onJuly 2, 2020
noدیدگاه

بعد سوريا وليبيا فتحت تركيا جبهة ثالثة بشمال العراق. لعبة الكر والفر بين الأتراك وحزب العمال الكوردستاني باتت مشهدا معتادا بالمنطقة، غير أن توقيت وحجم الهجوم دفع مراقبين ألمان للتدقيق في النوايا غير المعلنة لأردوغان.

شريط الفيديو أسفله، نشرته وزارة الدفاع التركية. ويظهر طائرة تركية مُسيرة فوق منطقة جبلية في شمال العراق. في بداية المشهد تتعقب الكاميرا رجلا يجري في منحدر جبل، يُشتبه أنه من حزب العمال الكوردستاني، يبدو أنه فار محاولا الاختباء بين الأشجار. بعد ثوان، أصابه صاروخ، قبل أن ترتفع سحابة من الغبار في السماء.. لينتهي كل شيء.

مشهد تسعى من خلاله الدعاية التركية إلى إعطاء العالم الدليل أن حربها في شمال العراق "نظيفة" و"انتقائية" تستهدف "الإرهابيين" دون سواهم. الفيديو لا يقدم أي دليل عن هوية الرجل المقتول، في حرب فتاكة لا تريد أن تنتهي.

من الناحية العسكرية المحضة، أظهر الشريط تحولا نوعيا في هذه الحرب، حيث باتت الطائرة المسيرة أداة تفوق تركي كاسح، دون أن يعني ذلك أن أردوغان يمكن أن يحسمها دون أفق سياسي لحل الصراع، وبهذا الصدد كتبت إنغا روغ الصحافية والخبيرة الألمانية في الشؤون التركية بصحيفة "نويه تسوريختسايتونغ" الصادرة في زوريخ يوم (21 يونيو/ حزيران 2020) أن "حرب (أردوغان) النظيفة ضد الإرهابيين" وَهمٌ كبير" (..) الخسائر بين المدنيين سترتفع إذا استمرت العمليات العسكرية".

وهو ما أظهرته فعلا عدة أشرطة فيديو منتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أن أنقرة أكدت في بيان أنها "لم ولن تلحق الأذى بالمدنيين".

"طائراتنا تسحق كهوف الإرهابيين"، بهذه التغريدة أعلنت وزارة الدفاع التركية بدأ عملية "مخلب النمر" بشن ضربات جوية (ليلة الأحد 14 إلى الاثنين 15 يونيو/ حزيران 2020) على قواعد المتمردين الكورد في أقليم كوردستان في شمال العراق، في حملة غير مسبوقة من حيث ضراوتها، استهدفت 81 موقعا لحزب العمال الكوردستاني، ما مهد الطريق لشن هجوم بري أوسع، يوم (الجمعة 26 من نفس الشهر) نفذ الجيش التركي بالفعل، إنزالا على قمة جبل خامتير، قضاء زاخو التابع لمحافظة دهوك في الأقليم.

وأقام نقاطا عسكرية ما مكنه من الإشراف على عدد من القرى، ويتزامن هذا الهجوم مع فترة دقيقة، تواجه فيها المنطقة موجة ثانية من جائحة كورونا، بعدما نجحت سلطات إقليم كوردستان في احتواء الموجة الأولى، برفض قيود صارمة على الحياة العامة بإغلاق المساجد وحظر حركة المرور بين المحافظات.

توقيت الهجوم ـ حسابات أردوغان غير المعلنة؟

توقيت وحجم هجوم الجيش التركي، فاجأ المراقبين، خصوصا وأن تركيا منشغلة بالجبهتين السورية والليبية، كما أوضح ذلك توماس أفيرانيوس وموريتس باومشتيغر في صحيفة "زوددويتشه تسايتونغ" (17 يونيو/ حزيران 2020). بررت أنقرة الهجوم رسميا كرد فعل على هجمات شنها أو خطط لها عناصر حزب العمال الكوردستاني. ماريون سيندكلر مراسلة شبكة "أ.إر. دي" الألمانية في إسطنبول كتبت مقالا يوم (20 يونيو/ حزيران 2020) حول خلفيات الهجوم التركي، واعتمدت فيه على تحليلات كريستيان براكيل من مؤسسة "هاينريش بول" الألمانية في إسطنبول، الذي أكد أن هناك اعتبارات أخرى قد تقف وراء خطوة أنقرة.

وأشار إلى مباحثات السلام بين القوى الكوردية المختلفة، ككورد سوريا والمجلس الوطني الكوردي وهو ائتلاف سياسي يضم نحو 15 حزبا، والاتحاد الديمقراطي الكوردي، والتي ترعاها الولايات المتحدة وفرنسا، بمشاركة إقليم كوردستان العراق. وهي مبادرة تنظر لها أنقرة بعين الريبة حسب براكيل. وبهذا المعنى قد تكون رسالة أردوغان أن القضية الكوردية لا يمكن البث فيها بإقصاء تركيا.

وإذا تمكن الكورد فعلا من التوافق بينهم، دون توظيفهم من قبل مصالح خارجية متناقضة، فسيكون ذلك إنجازا حقا، لكن التاريخ ظلمهم أكثر من مرة وخانهم الحلفاء في أكثر من مناسبة. قدرهم أن يكونوا أكبر قومية في العالم دون دولة أو كيان سياسي معترف به عالميا.

فمنطقة "كوردستان الكبرى" موزعة بين شمال شرق العراق وشمال شرق سوريا وجنوب شرق تركيا وإيران، كما توجد أقليات كوردية أخرى في لبنان وأذربيجان وأرمينيا. وبالتالي فإن ما يقع في شمال العراق يمس الشرق الأوسط بكامله ولكن أيضا أوروبا وألمانيا بالتحديد حيث تعيش جالية كوردية ضخمة.

استشهد موقع "موركور.دي" الألماني يوم (26 يونيو/ حزيران 2020) بمسح عام أجراه مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية، مسح أكد مقتل حوالي 5000 شخص في هذا النزاع منذ انتهاء وقف إطلاق النار قبل خمس سنوات، منهم 1200 من قوات الأمن التركية، وحوالي 3000 من عناصر حزب العمال الكوردستاني إضافة إلى 500 من الضحايا المدنيين.

وحسب نفس المركز أدى استخدام أنقرة المتزايد لأسطولها من الطائرات القتالية المسيرة إلى تحول جوهري في المعركة لصالح الجيش التركي، حيث تضاعفت خسائر حزب العمال خمس مرات في نفس الفترة، مقارنة بخسائر الأتراك. كما أن ثلاثة أرباع العمليات العسكرية في شمال العراق باتت عمليات جوية بحتة فوق سماء الإقليم. ولأن حزب العمال الكوردستاني لم يعد قادرا على التحرك بحرية داخل تركيا، فهو بدأ يهاجم انطلاقا من عمق معقله في شمال العراق، فيما الجيش التركي يستعمل تفوقه الجوي لضرب هذا العمق.

الجيش التركي استعمل نفس الطائرات في قصف محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، وكذلك في دعم حكومة الوفاق الليبية ضد ميليشيات الجنرال حفتر. وتُمكن الطائرات الموجهة عن بعد تركيا من التحرك في الأجواء العراقية دون خوف من فقدان جنود.

ويدخل تصنيع هذه الطائرات أيضا في سياق مساعي تركيا لأن تصبح من بين أكبر عشر دول مصدرة للأسلحة في العالم بحلول عام 2023، الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية.

الهجوم التركي في شمال العراق يحدث في نفس المنطقة ذاتها التي يقطنها الإيزيديون الذين تعرضوا لبطش تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف إعلاميا بـ"داعش"، ما دفع الناشطة الحقوقية الإيزيدية دوزان تيكال في عدد من الحوارات مع وسائل الإعلام الألمانية، إلى دعوة برلين لإدانة أنقرة بأشد العبارات.

وناشدت عبر إذاعة "دويتشلاند فونك" الألمانية يوم (20 يونيو/ حزيران 2020) الحكومة الألمانية إلى ممارسة أقصى الضغوط الديبلوماسية على تركيا لوقف هجماتها ضد الكورد.

ويذكر أن تيكال أسست منظمة "هاوار هيلب" المدافعة عن حقوق الإيزيديين ومقرها في برلين، وبهذا الصدد أوضحت الناشطة أن "الإيزيديين يجدون أنفسهم مرة أخرى، ككرة تتلاعب بها المصالح الجيوسياسية بين تركيا وروسيا وإيران".

وتفاوتت تعليقات الصحف الألمانية بين من اكتفى بسرد الخبر، وبين من ندد بالتدخل التركي، رونيا عثمان كتبت في صحيفة "تاغستسايتنوغ" يوم (16 يونيو/ حزيران 2020) "مرة أخرى، تقصف أنقرة المناطق الكوردية خارج تركيا، ولها في ذلك شيك على بياض. فلم يكن هناك من يعارضها لا في بغداد ولا في أوروبا، كما هي العادة دائمًا".

واستطردت عثمان موضحة أن تركيا تتحدث عن حزب العمال الكوردستاني كمرادف عندها لجميع الكورد، العراق دعا رسميا في بيان باهت للرئاسة يوم (الجمعة 26 يونيو/ حزيران 2020) تركيا لوقف الانتهاكات التي تطال سيادته، بل واستدعت السفير التركي في بغداد مرتين في ظرف ثلاثة أيام، لكن ذلك لم يحرك ساكنا في أنقرة، بل وهناك من ذهب لحد الترويج لوجود تنسيق بين أنقرة وبغداد، خصوصا بعد ما روجت له بعض الصحف بشأن زيارة سرية يقال إن رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان قام بها للعراق قبل أيام. لكن هذه الأنباء لم يتم تأكيدها من أي مصدر رسمي.

دوزان تيكال أكدت بغضب أنه "لأمر مروع ومؤلم للغاية أن تشن تركيا ضرباتها الجوية، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي (..) يجب أن ندرك أننا نتحدث عن أقلية دينية لا تزال مصابة بصدمة إبادتها الجماعية".

في تعليق في صحيفة "تاغسشبيغل" الصادرة في برلين يوم (20 يونيو/ حزيران 2020) كتبت سوزانا غوستن "في الواقع، لا تهتم تركيا كثيرًا بمصالح الحلفاء الآخرين (في الناتو)، في الشرق الأوسط تقوم بإثارة دول المنطقة ضدها، وسبب ذلك يعود لكون أنقرة أعطت لنفسها دور القوة الإقليمية المستقلة. حتى الآن، ليس لدى الناتو ولا الاتحاد الأوروبي وصفة للتعامل مع فهم تركيا الجديد لذاتها ودورها".

وخلصت غوست إلى أن على الغرب أن يتخلى عن الفكرة التي ترسخت لديه خلال الحرب الباردة، والتي ترى في تركيا جبهة متقدما للناتو في الشرق الأوسط وعلى الحدود مع روسيا وآسيا الوسطى.

يقدر الخبراء عناصر حزب العمال الكوردستاني بحوالي عشرة آلاف مقاتل، مقابل 300 ألف جندي تركي. وُيصنًف الحزب كتنظيم إرهابي من قبل تركيا والاتحاد الأوروبي (منذ عام 2002) والولايات المتحدة وألمانيا. ولا تصنفه الأمم المتحدة كذلك، كما أن دولا أخرى مثل الصين وروسيا والهند ومصر لا تعتبره أيضا منظمة إرهابية. وسبق للاستخبارات الألمانية الداخلية (هيئة حماية الدستور) أن وصفت حزب العمال الكوردستاني بأنه أكبر "منظمة أجنبية متطرفة في البلاد" حيث يقدر أنصاره في ألمانيا بحوالي 14 ألف شخص.

حزب العمال الكوردستاني يساري التوجه، يواجه الدولة التركية منذ عام 1984، في حرب أودت بحياة ما لا يقل عن أربعين ألف شخص. أنا صوفي شنايدر ذَكًرت في تحليل لـ"شبيغل أونلاين" (25 يونو/ حزيران 2020) بالعمليات الإرهابية المنسوبة للحزب، من بينها انفجار سيارتين في إسطنبول عام 2016 الذي أودى بحياة 46 شخصا في حي بزيكتاس، عمليات تفسر القبول الشعبي في تركيا الذي تلقاه عمليات الجيش في شمال لعراق.

ويدعو عدد من الكورد وشخصيات متعاطفة مع القضية الكوردية إلى إزالة حزب العمال الكوردستاني من قوائم التنظيمات الإرهابية في أوروبا، لكن باشتراط تخليه عن العنف والإرهاب كأداة لتحقيق أهدافه السياسية، باعتبار أن ذلك قد يشجع على فتح باب مفاوضات السلام مع تركيا، ويستدلون في ذلك بتجربة جنوب إفريقيا، وكيف اعترف العالم بـ حزب المؤتمر الإفريقي بعدما كان نيلسون مانديلا يعتبر خلال عقود زعيما إرهابيا.