تراجع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن استقالته بعد يومين من تقديمها بصورة مفاجئة، احتجاجاً على تهميش دوره ومكانته واحتلال موقعه من قبل المؤسسات الموازية كالحرس الثوري والمؤسسات المقربة من المرشد وقيادتها دفة السياسة الخارجية.
وحضر ظريف مراسم استقبال رئيس وزراء أرمينيا، صباح الأربعاء بطهران، إلى جانب الرئيس الإيراني، ووقع مذكرة تفاهم مع وزير الخارجية الأرميني، بحسب التلفزيون الإيراني.
ويقول مراقبون إن كثرة هذه المؤسسات الموازية والتي تخضع لإشراف المرشد علي خامنئي بشكل مباشر أدت إلى تهميش دور وزارة الخارجية بشكل كامل، حيث شعر ظريف بأنه لم يعد له أي دور خاصة بعد فشل الاتفاق النووي في تحقيق النتائج المرجوة للنظام عقب انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب منه وبدء سريان العقوبات والضغوط الهائلة التي تترافق مع الاحتجاجات الشعبية التي باتت توضع مجتمعة مصير النظام بأكمله على المحك.
وأهم المؤسسات الموازية لوزارة الخارجية هو فيلق القدس الجناح الخارجي للحرس الثوري الذي يدير بشكل أساسي ملف التدخلات العسكرية والأمنية والسياسية في دول المنطقة والعالم، حيث أصبح قائده قاسم سليماني مطلق الصلاحيات باتخاذ القرارات في هذه القضايا بمباركة المرشد الإيراني علي خامنئي.
وكان من الملاحظ حضور سليماني في جلستي استقبال بشار الأسد في طهران من قبل المرشد خامنئي والرئيس حسن روحاني بينما تم تغييب ظريف الذي علق على الصور التي انتشرت عن اللقاءين بالقول: بعد هذا لم يعد لي مكانة في العالم كوزير خارجية لإيران.
أما المؤسسة الأخرى التي تلعب دورا موازيا للخارجية الإيرانية فهو "مجلس العلاقات الخارجية" الذي يترأسه كمال خرازي (وزير خارجية إيران السابق) الذي يقود حملة علاقات مع الاتحاد الأوروبي لتفعيل القناة المالية الخاصة للتعامل مع إيران.
كما أن خرازي عقد لقاءات في باريس العام الماضي مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري، لمباحثات حول إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني الذي ألغاه الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وكان المرشد الإيراني أنشأ هذا المجلس عام 2006 كمؤسسة موازية لوزارة الخارجية، حيث يقوم بتعيين جميع أعضائه شخصيا.
أما "المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني" فهو الآخر يلعب دورا كبيرا في تنفيذ السياسة الخارجية التي يعتمدها المرشد الإيراني، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا وشراء الأسلحة منها وتنظيم العلاقة معها في سوريا.
في هذا السياق، أشار النائب الإيراني غلام علي جعفر زاده، تعليقا على أسباب استقالة ظريف، إلى دور هذه المؤسسات الموازية قائلاً إن "عشرات الزيارات والمفاوضات الموازية تسببت في استقالة ظريف".
وأكد جعفر زاده في مقابلة مع موقع "اعتماد أونلاين" الأربعاء، أن "موضوع عدم إبلاغ ظريف بزيارة بشار الأسد إلى طهران كان له دور في استقالته بالتأكيد، لكنه ليس السبب الوحيد بل إن التحركات الموازية بما في ذلك العشرات من الزيارات والمفاوضات دون التنسيق معه هي السبب وراء هذه الاستقالة".
كما أشار جعفر زاده إلى أن زيارة علي شمخاني سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي إلى أفغانستان، وزيارة علي أكبر ولايتي مستشار المرشد إلى ملبورن، خلال الفترة الأخيرة مثالان عن التحركات الموازية.
وأكد هذا النائب المستقل في البرلمان الإيراني أنه بسبب تغييب دور وزارة الخارجية من قبل هذه المؤسسات الموازية، قام ظريف بتقديم استقالته خمس مرات لحد الآن.
وفي نفس السياق، اعتبر علي مطهري، نائب رئيس البرلمان الإيراني، أن السبب الرئيسي في استقالة ظريف يعود إلى "تدخل مؤسسات غير مسؤولة في السياسة الخارجية".
وعلى الرغم من عودة ظريف لمنصبه بعد رفض الرئيس روحاني استقالته ودعوته لمواصلة مهامه إلا أنه لا ضمانات لعدم تدخل المؤسسات الموازية التي تحظى بتأييد المرشد بشكل كامل.
كما تصاعدت خلافات ظريف خلال الآونة الأخيرة مع المتشددين والحرس الثوري حول جدوى البقاء في الاتفاق النووي منذ أن انسحبت منه أميركا، بالإضافة إلى خلافه مع المرشد الإيراني، حيث يصف المتشددون من يدعون للتفاوض مجدداً مع أميركا بأنهم "عملاء وخونة وليسوا رجال دولة".