بازبدە بۆ ناوەڕۆکی سەرەکی

ترامب وداعش وإيران... "تكتيك السوق في الجيوبوليتيك"

ترامب
AvaToday caption
سحب القوات تغيير تكتيكي في الأساس، وليس تغييراً في المهمة. إنه ببساطة مرحلة جديدة في معركة قديمة". لكن إعلان النصر على داعش ليس نهاية داعش أيضاً. فما خسره التنظيم الإرهابي هو الأرض
posted onFebruary 10, 2019
noبۆچوون

رفيق خوري

أميركا بلد الجدل بامتياز. وليس الجدل الدائر حول الرئيس دونالد ترامب وسياساته وتقلباته ومزاجه سوى فصل في مسلسل طويل. خلال حرب فيتنام، التي قيل إن أميركا خسرتها في الداخل، دار جدل واسع بين مدرستين داخل السلطة وخارجها: واحدة تطالب بإرسال مزيد من الجنود على أساس المعادلة القائلة "ما لا يتحقق بالقوة يتحقق بمزيد من القوة". وأخرى تفضل الانسحاب من حرب على بعد آلاف الأميال، عاد وزير الدفاع روبرت ماكنمارا إلى الاعتراف بأن النصر فيها مستحيل. وكانت الحيلة للخروج من الجدل هي التركيز على وصفة السيناتور جورج أيكن التي خلاصتها "أعلن النصر وانسحب".

هذه الوصفة، هي التي استخدمها الرئيس ترامب لسحب القوات الأميركية من شرق الفرات في سوريا. إذ أعلن أن النصر على داعش سيكتمل بنسبة مئة إلى مئة خلال أسبوع. وهذه الوصفة التي حاول وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو "تجميلها" في اجتماع واشنطن على مستوى وزراء الخارجية من 79 دولة ضمن التحالف الدولي بقيادة أميركا لمحاربة تنظيم داعش والإرهاب. كان منطق بومبيو أن "سحب القوات الأميركية ليس نهاية معركة أميركا، وسنواصل خوضها إلى جانبكم. سحب القوات تغيير تكتيكي في الأساس، وليس تغييراً في المهمة. إنه ببساطة مرحلة جديدة في معركة قديمة". لكن إعلان النصر على داعش ليس نهاية داعش أيضاً. فما خسره التنظيم الإرهابي هو الأرض التي أقام عليها "دولة الخلافة" الداعشية في أجزاء من العراق وسوريا. وما لجأ إليه هو الانتشار في بلدان عدة والتركيز على حرب العصابات والعمليات الإرهابية، إذ لا يزال لديه 18 ألف مقاتل في العراق وسوريا وفق تقرير للأمم المتحدة، ولا يزال "يشكل تهديداً دائماً بعد الانسحاب" باعتراف البنتاغون. فضلاً عن أن "داعش يستخدم الدين لأهداف سياسية"، كما يقول الخبير علي صوفان في كتابه "تشريح الإرهاب: من موت بن لادن إلى صعود الدولة الإسلامية". وجاذبيته، في رأي المؤلف، "ليست لأنه يقاتل القوات الأميركية مثل القاعدة، بل لأنه أنشأ الدولة الإسلامية حيث لا قانون سوى شرع الله"، وفق دعايته.

والمعنى البسيط لذلك أن داعش، يبقى قادراً على جذب الشباب وتجنيدهم في كل بلدان العالم لا في الشرق الأوسط فحسب، ثم في أفريقيا وأفغانستان حيث يقوم حالياً بعمليات إرهابية. لا بل إن داعش يشكل خطراً على البلدان العربية والإسلامية أكثر من خطره على الغرب الأميركي والأوروبي، والحرب عليه تتطلب ما يتجاوز الجبهات العسكرية والأمنية إلى الجبهات الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية والفقهية. وهذه جبهات لا تزال في حاجة إلى تطوير الجهود وتعميقها. ولا شيء يعرقل النجاح المهم على هذه الجبهات أكثر من تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المنطقة، وتنامي التطرّف والعجز عن مواجهة التأويل المخطئ للفقه بالتفسير الصحيح، وأكثر ما يساعد على التطرف والتعصب هو أن تكون القوى الأجنبية رأس الحربة في الحرب على داعش.

في مقال عن الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش وغزو العراق وإستراتيجية الصدمة والرعب، قال أستاذ التاريخ في جامعة يال جون لويس غاديس إن "الخطأ هو استخدام تكتيك السوق في الجيوبوليتيك، على عكس بسمارك الذي أتقن فنّ هذا النظام مع معرفة أين ستقع القطع في النظام الجديد". وهذا ما ينطبق على سياسة ترامب التي أساسها تكتيك السوق. فهو يضرب من دون أن يعرف الخطوة التالية. ولا أجوبة واقعية في اجتماع واشنطن عن سؤال بسيط: من يملأ الفراغ الأميركي؟ ماذا بعد خسارة "دولة الخلافة" الداعشية للأرض؟ من ينظم حصص النفوذ بين روسيا وإيران وتركيا وأميركا والأكراد ودمشق في شرق الفرات وغربه ومعظم المناطق في سوريا؟ وكيف تدار المعارك ضد الإرهاب، الذي يجد دائماً من لديه مصلحة في تمويله وتسليحه؟

الانطباع الذي تتركه إدارة ترامب، هو أن المعركة ضد داعش مستمرة كجزء من حرب أكبر للتغيير الجيوسياسي في المنطقة. والمحور البارز في هذه الحرب هو سعي أميركا إلى ضرب النفوذ الإيراني وعمل طهران على تمديد نفوذها إلى ما هو أبعد من بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. لكن الحديث عن حرب عسكرية بين أميركا وإيران هو حديث افتراضي. فلا مصلحة لأي من الطرفين في الوصول إليها، وإن كان الحرص على العداء في مصلحة الطرفين: طهران تبرّر حتى مشاكلها الداخلية بالسياسات الأميركية ضدها. وواشنطن توظف عداء إيران في سياستها الشرق أوسطية. فلا عاصفة دولية كبيرة من النوع الذي يكثر الكلام عنه. ولا شيء سوى عواصف إقليمية محدودة.