شكل إخفاق التحالف الثلاثي الممثل في التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وائتلاف السيادة السني في تأمين النصاب القانوني لعقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في العراق، انتصارا “مؤقتا” للإطار التنسيقي، الممثل للقوى الشيعية الموالية لإيران، وباقي الطيف السياسي الذي يتقاطع معه.
ويفترض تأمين النصاب القانوني مشاركة 220 نائبا من أصل 329، لكن لم يحضر لجلسة السبت سوى 202 نواب، الأمر الذي دفع رئاسة البرلمان إلى تحويلها لجلسة عادية، مع تعيين موعد الأربعاء المقبل كجلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية.
وتقول أوساط سياسية إن المؤشرات الأولية تفيد بأن مصير الجلسة المقبلة ستكون كسابقاتها، حيث لا تزال القوى المقاطعة على موقفها، فيما التيار الصدري والقوى الحليفة لا يبدو أنهما في وارد مراجعة سياستهما، حتى وإن كلف ذلك حل البرلمان والذهاب في انتخابات تشريعية جديدة.
وتحذر الأوساط السياسية من أن العراق هو الخاسر الأكبر من حالة الانسداد السياسي الراهنة، والناتجة عن صراع نفوذ وحصص بين الفرقاء، حيث أن كل طرف يتعاطى مع السلطة وفق منطق الغنيمة.
وتلفت إلى أن الذهاب في انتخابات جديدة سيعني إضفاء المزيد من التعقيدات، في وقت يحتاج فيه العراق لاستقرار سياسي للتركيز على الأولويات الاقتصادية لاسيما في ظل التغيرات الإقليمية والدولية الطارئة والتي تضفي المزيد من التحديات على الشعب العراقي.
ودعا رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الأحد القوى السياسية إلى ضرورة تجاوز خلافاتها وتشكيل الحكومة الجديدة وطي صفحة الأزمة المستمرة منذ إجراء الانتخابات التشريعية في أكتوبر الماضي.
جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال مؤتمر نظمته وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة في العاصمة بغداد، بمناسبة مرور عام على تشريع البرلمان العراقي قانون الناجيات من قبضة تنظيم داعش بهدف تعويضهن وإعادة دمجهن بالمجتمع.
وقال الكاظمي “أدعو كل القوى السياسية إلى العمل وتشكيل حكومة، تعمل بأسرع وقت على خدمة شعبها”. وأضاف “علينا أن نبحث عن حلول منطقية تعكس نضوجا سياسيا من الجميع، وقدرا عاليا من مسؤولية القوى السياسية إزاء واجباتها بوجودها في البرلمان أو خارج البرلمان”.
وشدد على أنه “يمكن أن نحول المشهد إلى فرصة نجاح، وهذه الفرصة لا يمكن أن تترجم بشكل عملي بحكومة تصريف أعمال”، مشيرا إلى أن “هذه الحكومة (تصريف الأعمال) تقف وتتحمل المسؤوليات، لكن ما يحصل ليس منطقيا أو واقعيا”.
وأوضح رئيس الوزراء “على هذه القوى أن تعيد حساباتها لكي نعبر هذه المرحلة.. اليوم هناك أزمة عالمية (في إشارة إلى الحرب بأوكرانيا)، تنعكس على كل بقعة من بقاع العالم”.
وكان الرئيس العراقي برهم صالح حذر في وقت سابق من تبعات الأزمة التي تشهدها بلاده، قائلا إن انعدام التفاهمات الوطنية وعدم انعقاد جلسة البرلمان لاستكمال الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها المُحددة هو أمر مؤسف ومثير للقلق بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على إجراء الانتخابات المبكرة في العراق.
وقال صالح إن “القوى السياسية اليوم أمام اختبار وطني حاسم، وأن الظروف العصيبة التي مرّت بالبلد والظرف الدقيق الراهن يفرضان على الجميع مسؤولية تاريخية وعملا استثنائيا في الخروج من الأزمة الراهنة بروح الوطنية والتكاتف، والشروع في تلبية الاستحقاقات الوطنية بتشكيل حكومة مُقتدرة فاعلة تحمي مصالح البلد وتُعزز سيادته واستقلاله”.
وأوضح الرئيس العراقي “من هذا المنطلق ندعو جميع الأطراف السياسية العراقية إلى حوار جاد وفاعل للخروج من الأزمة الراهنة بلا تهاون أو تأخير، وتغليب مصالح العراق والعراقيين والأخذ في الاعتبار الظروف الإقليمية والمُتغيرات الدولية والتحديات الداخلية الماثلة أمامنا، وخصوصا الأوضاع الاقتصادية الخطيرة التي تستدعي حرصا على تمتين الجبهة الداخلية ورص الصف الوطني في سبيل الخروج من الأزمة”.
ويستبعد مراقبون أن تؤتي هذه الدعوات أكلها في ظل تصلب مواقف التيار الصدري وحلفائه، الذين يصرون على أن يكونوا دينامو العملية السياسية، ومهندسوها من خلال فرض مرشح الحزب الديمقراطي ريبر أحمد لرئاسة الجمهورية، وجعفر الصدر لرئاسة الحكومة.
وجدد الزعيم الشيعي العراقي مساء السبت تمسكه بتشكيل حكومة أغلبية وطنية. وقال الصدر في تغريدة له عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر “لن نعود لخلطة العطار فاليوم ثبتنا وأثبتنا أن لا مكان للمحاصصة فكانت أجمل فسيفساء عراقية لا شرقية ولا غربية”.
ويتخذ الصدر من “حكومة أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية” شعارا لتمرير أجندة لا تبتعد كثيرا عن أجندة المنظومة القائمة باستثناء أنها تنقل العراق من المحاصصة الطائفية إلى المحاصصة الحزبية.
ويشير المراقبون إلى أن المسؤولية لا تقع فقط على التيار الصدري وحليفيه، بل وأيضا على الإطار التنسيقي الذي يسعى للحفاظ على دوره ونفوذه السياسي، رغم التراجع الانتخابي الذي تعرض له، وهو مستعد إلى إطالة أمد الأزمة ما لم تتحقق غاياته.
ويعتقد المراقبون أن استمرار الوضع الراهن في العراق يجعل من البلاد بين خيارين أحلاهما مر، فإما السير في انتخابات جديدة، وإما استمرار حالة المراوحة الحالية، وفي كلا الوضعيتين فإن العراقيين هم من سيتحملون التكلفة الباهظة.
وكان نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون وزعيم الإطار التنسيقي أعلن في وقت سابق عن رفضه لخيار حل البرلمان وإجراء انتخابات نيابية أخرى، قائلا إنه “أمر غير مقبول ولا نسمح به ونقف بقوة ضد هذا الخيار”.