سالم الكتبي
هناك الكثير من التوقعات الخاصة بفرص نجاح الإتفاق الموقع في بكين بين المملكة العربية السعودية وإيران بشأن إستئناف العلاقات الدبلوماسية، فالبعض يتوقع نجاح الإتفاق، بينما يرى آخرون أن النظام الإيراني سيمضي في الإتفاق جزئياً وبشكل تكتيكي حتى يمر من عنق الزجاجة الذي يجد نفسه فيه حالياً وبعدها يعود لممارساته ومشروعه التوسعي الإقليمي الذي استثمر فيه أموالاً وجهوداً طائلة.
في تحليل فرص نجاح الإتفاق يمكن القول بأن أكبر ضمانات تنفيذه تتمثل في حاجة طرفي الإتفاق والوسيط الصيني إلى إنجاز بنوده على أرض الواقع، فالمملكة العربية السعودية تحتاج إلى تسوية الأزمة اليمنية والتفرغ للمضي في مخطط التنمية الطموح الذي يتنباه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، وفي المقابل يبدو النظام الإيراني أحوج مايكون إلى إقامة تعاون إقليمي يساعد في الحد من تأثير العقوبات الغربية المفروضة على البلاد، لاسيما أن عوائد الدعم الإيراني لميلشيات الحوثي اليمنية لم تضمن لطهران ما كانت تخطط له لإحكام طوق السيطرة على دول مجلس التعاون من الجنوب، وظل الوضع جامداً وتحول إلى مصدر إستنزاف للموارد الإيرانية، لاسيما العسكرية منها، فضلاً عن كون هذا الدعم يعد أحد أهم المعضلات القائمة مع دول الجوار الخليجية.
ترغب إيران كذلك في تفويت الفرصة على إسرائيل التي تسعى إلى بناء تحالف إقليمي لمواجهة التهديدات النووية الإيرانية، ولهذا ترى إيران أن إستنئاف العلاقات مع دول مجلس التعاون في التوقيت الراهن يخدم مصالح إيران بشكل كبير، لاسيما في ظل تراجع العلاقات بين الولايات المتحدة وعواصم خليجية محورية مثل الرياض. ثمة نقطة أخرى مهمة تتعلق بأن الإتفاق يعزز موقف الطرفين، السعودي والإيراني، في علاقاتهما الدولية، فالرياض تصبح أقوى في قدرتها على إنتزاع المكاسب في علاقتها بالولايات المتحدة، والأمر ذاته ينطبق على إيران التي يخفف الإتفاق الكثير من وطأة الضغوط الغربية عليها، ويتيح لها التحرك إقليمياً لاسيما في ظل توجه مجلس التعاون لبناء تنوع في علاقاتها الدولية على خلفية إنحسار الإلتزام الأمريكي بمسؤولية الشراكة مع حلفائها الخليجيين.
الشواهد تقول أن هناك نوايا معلنة من الجانبين السعودي والإيراني لتحقيق نقلة نوعية في علاقات الجانبين، واللفتة الأهم في هذا الإطار جاءت على لسان وزير المالية السعودي محمد الجدعان، الذي أكد مؤخراً وجود الكثير من الفرص المتاحة للإستثمارات السعودية في إيران، وأن السعودية أيضا بها العديد من الفرص للإيرانيين، وقال إننا " لا نرى عوائق طالما سيتم إحترام بنود أي إتفاق ..الإستثمارات السعودية في إيران يمكن أن تحدث سريعاً جداً بعد الإتفاق. وهذا يعني أن هناك نية لعدم حصر الإتفاق المبرم في الأمور الدبلوماسية والتنسيق الأمني، وأن هناك توجهاً لإقامة تعاون اقتصادي واستثماري وتوسيع نطاق العلاقات بشكل يضفي على علاقات البلدين بُعداً جديداً ربما يسهم في تغيير خارطة العلاقات الإقليمية بالنظر إلى الحجم النسبي للاقتصادين السعودي والإيراني.
الإختبار يمثل أيضاً إختباراً لحدود الدور الإيراني فيما يحدث إقليمياً من فوضى واضطرابات، بمعنى أن جدية النظام الإيراني في تنفيذ بنود الإتفاق الموقع مع السعودية تعني الكثير على صعيد تهدئة التوترات الإقليمية، وتسهم في حل أزمات عديدة بخلاف اليمن، منها سوريا ولبنان.
قناعتي أن تنفيذ الجانب الإيراني للإتفاق مع السعودية ربما يبقى ـ ولو بدرجة قليلة ـ رهن توافق أجنحة النظام الإيراني على حدود أو سقف الإلتزام بالتنفيذ، فمن المعروف أن هناك مساحة تباين تظهر في بعض الملفات بين موقف الحكومة الإيرانية من ناحية وموقف الحرس الثوري الإيراني من ناحية ثانية، فعلى الرغم من أن المشهد الإيراني الحالي ـ حكومة ومؤسسات ومجلس شورى ـ قائم في مجمله على اليمين المتشدد، فإن الحرس الثوري يبقى الأكثر تشدداً وتطرفاً في الطيف السياسي، وهذا التشدد لا يرتبط بالأيديولوجية بقدر ما يرتبط بمصالح قيادات الحرس ومشروعه التوسعي الخارجي الذي يرتبط فيه الإقتصاد بالسياسة والمصالح الخاصة، وهو ما يفسر تبني الحرس لخطط وعمليات تكون في احيان كثيرة خارج الأجندة الرسمية للدولة الإيرانية. صحيح أن توقيع علي شامخاني ممثل المرشد الإيراني الأعلى على خامنئي للاتفاق مع الجانب السعودي في بكين، يعكس مباركة خامنئي ودعمه لهذه الخطوة، ولكن هناك مواقف عدة قام الحرس فيها بعرقلة خطط حظيت بموافقة المرشد وآخرها الإتفاق النووي الموقع مع مجموعة "5+1" في عام 2015، فضلاً عن افتئات الحرس على دور المؤسسات الإيرانية مثل وزارة الخارجية وذلك بشهادة وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف.
بلاشك أن إحدى الضمانات المهمة، برأيي، لتنفيذ الإتفاق السعودي ـ الإيراني هو تأثير الضغوط الداخلية المتفاقمة التي يتعرض لها النظام الإيراني بمختلف أجنحته، حيث يستشعر النظام إرتفاع منسوب الغضب الشعبي جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشة، ولهذا فإن الخوف على مصير النظام برمته قد يكون ضمانة رئيسية للالتزام ببنود الإتفاق من الجانب الإيراني، ولكن هذا الأمر يبقى مشروطاً بقدرة اجنحة النظام الإيراني على بناء توافق بشأن تنفيذ الإتفاق لاسيما في ظل تراجع قبضة المرشد على السلطة بسبب ظروفه الصحية المتدهورة، وكذلك الصراع الخفي على خلافته، وهو أمور لعبت دوراً حيوياً في التعامل مع الإحتجاجات الداخلية، وكذلك في إفشال مفاوضات إحياء الإتفاق النووي بطرح شرط معرقل هو رفع اسم الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية، ومن ثم قد يتسبب غياب التوافق الإيراني الداخلي لاحقاً في عدم الالتزام بجميع بنود الإتفاق مع السعودية.