رفتن به محتوای اصلی

تداعيات هجمات سبتمبر على سياسة إيران تجاه العراق

ميليشيات شيعية
AvaToday caption
أدركت إيران أن أفضل طريقة لضمان تصعيد الشيعة العراقيين في عراق ما بعد الغزو الأميركي، تكون من خلال دعم العملية السياسية من خلال الانتخابات وتم تشكيل الجمعية الوطنية التي يهيمن عليها الشيعة
posted onSeptember 17, 2021
noدیدگاه

هدى رؤوف

استعرضنا في المقالة السابقة بداية تأثيرات هجمات سبتمبر (أيلول) 2001 على سياسة إيران الخارجية، وكيف استفادت منها في أفغانستان وذلك في إطار ذكرى مرور 20 عاماً على الهجمات التي غيرت تداعياتها ملامح الشرق الأوسط، وقد شهدت الفترة التي تلت الهجمات تداخل مساحات المصالح بين إيران والولايات المتحدة، على الرغم من كون سياسة واشنطن أدت إلى وجودها بالقرب من حدود الإيرانية بشكل مباشر في أفغانستان والعراق، وهو ما اعتبرته طهران تحدياً، وهنا نتناول تأثيرات هجمات سبتمبر التي أعقبها الغزو الأميركي للعراق الخصم الإقليمي التاريخي لإيران وإسقاط نظام صدام حسين.

ففي أعقاب حرب العراق انتقل توازن القوى بين الدول العربية وإيران لمصلحة الأخير، وتحركت طهران داخل الإقليم بقدر من التأثير، لم يقابله تقديم تنازلات للقوة الدولية بشأن برنامجها النووي، فضلاً عن تمددها في مساحات كثيرة داخل الإقليم، فقد مثل المشهد الإقليمي في أعقاب سقوط العراق تحدياً لدول المنطقة، وأتاح سقوط المنافسين السنة في محيطها، مثل انهيار نظام "طالبان" في أفغانستان والنظام البعثي بقيادة صدام حسين في العراق، فرصة غير مسبوقة لإيران لتوسيع نفوذها في محيطها المباشر، ومن ثم دعمت طهران بنشاط، ودأب حلفاؤها في النزاعات الرئيسة في المنطقة (العراق وسوريا واليمن)، الأمر الذي وضعها على طرفي نقيض مع معظم جيرانها.

وفى إطار سعيها لتحقيق استراتيجيتها الإقليمية، بسطت إيران نفوذها من خلال التدخل في الصراعات الداخلية لدول المنطقة، وقد شكلت دول الصراعات في الشرق الأوسط بيئة مناسبة لممارسة تأثير إيراني، ففي العراق استخدمت طهران استراتيجية متعددة الأبعاد قامت على مسارات عدة، منها استخدام الأداة السياسية عبر إيجاد قوى مؤيدة لها وتنسق معها، أحياناً من صناعتها أو دعم كيانات قائمة بالفعل، واتبعت مساراً لخلق نظام سياسي حليف.

وعملت إيران على تعزيز نفوذها السياسي في العراق من خلال آليتين، الأولى تتعلق بالتحكم في العملية السياسية، والأخرى تتعلق بدعم الميليشيات والجماعات الشيعية، وفي ضوء ذلك اعتمدت طهران على الأحزاب التي اتخذتها منفى لها في زمن صدام حسين وعادت إلى العراق بعد الإطاحة به، مما جعل علاقاتها بإيران تنظيمية وفكرية وعاطفية.

ومثلت تلك الأحزاب النواة الرئيسة للدور الإيراني، سواء في ما يتعلق بالعملية السياسية أو تشكيل الميليشيات والجماعات الشيعية المسلحة، ومن هذه الكيانات المجلس الأعلى للثورة العراقي وحزب الدعوة.

أدركت إيران أن أفضل طريقة لضمان تصعيد الشيعة العراقيين في عراق ما بعد الغزو الأميركي، تكون من خلال دعم العملية السياسية من خلال الانتخابات وتم تشكيل الجمعية الوطنية التي يهيمن عليها الشيعة.

وعبر دعم هذا الخيار وجدت طهران نفسها في مسار واحد مع الولايات المتحدة حول كيفية دعم العملية السياسية في العراق، وشكلت إحدى مساحات الوفاق بينهما، لكن إيران لم تكن تريد استتباب الأوضاع للولايات المتحدة، لذا انتهجت سياسة "الفوضى المدارة أو المحكومة" في العراق وسعت لإفشال المشروع الأميركي في العراق كنموذج يمكن تكراره،  فدعمت إحداث قلاقل من وقت لآخر، كما دعمت "جيش المهدي" بقيادة مقتدى الصدر في مقاومته القوات الأميركية. وعملت على تعجيل الانسحاب الأميركي لخلق فرص لها داخل العراق من خلال ظهور حكومة قوية قومية شرعية يقودها الشيعة.

كما عملت إيران على دعم حلفائها من الشيعة من خلال النظام البرلماني، فشجعتهم على الترشح ضمن قوائم محددة في انتخابات 2005، معتمدة على المتغير الديمغرافي الذي سيرجح النتيجة لمصلحة الأغلبية الشيعية. في الوقت نفسه، حاولت الاستفادة من تأثيرها في العراق ونفوذها على السياسيين العراقيين حينها.

وفي عام 2007، نجحت إيران في الحصول على بعض المكاسب من العراق. أرادت العمل باتفاق الجزائر التي وقعت عام 1975 بين شاه إيران والرئيس العراقي، إلا أن الفصائل الوطنية العراقية رفضت تجديد العمل بها، كما أكد الرئيس العراقي جلال طالباني إلغاء الاتفاق، وقد أثار هذا تصريحات عدائية من قبل المسؤولين الإيرانيين، أوحت بأن إيران تشترط إعادة ترسيم الحدود وتسليم "مجاهدي خلق"، كشرط لحسن الجوار بين البلدين ووقف تسليح الميليشيات وتدريبها، وهو ما أدى إلى تراجع الرئيس العراقي عن موقفه.

لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل ينعكس الحضور الإيراني في العراق في تنامي دور الحرس الثوري في العملية السياسية، فقد لعب قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني دوراً بارزاً في تلك الفترة له علاقة بالوساطة بين الفصائل المتنافسة، كما اشترك في كل مناقشات الحكومة العراقية، ولإحكام تأثيرها في العملية السياسية، حرصت إيران على تعزيز العلاقة مع الطوائف المختلفة داخل الدولة، فقدمت دعمها السياسي ووثقت علاقتها بكل التيارات والطوائف، وحرصت على الحفاظ على العلاقات مع الأكراد.

من جهة أخرى، سعت إيران إلى تشكيل قوى مذهبية موالية سياسياً لها، مستنسخة نموذج "حزب الله" اللبناني، فساعدت في تأسيس منظمة "بدر"، وبسطت المنظمة نفوذها في العراق حتى إنه تم تعيين أحد أعضائها وزيراً للداخلية، كما أسست "عصائب أهل الحق" ثم "كتائب حزب الله"، وجميعها تنضوي تحت لواء "الحشد الشعبي"، الذي تسعى الحكومة العراقية الآن إلى تحجيم نفوذه وسلاحه.

إجمالاً قدمت هجمات سبتمبر وما تلاها من سياسة أميركية استهدفت أهم خصمين إقليميين، فرصة لإيران لاستغلال الفراغ الأمني في البلدين وتوسيع نفوذها فيهما، وتأسيس نظام سياسي صديق على غرار الوضع في العراق منذ عام 2003. وهو ما تحاول بغداد الآن التخلص منه بإيجاد دوائر علاقات إقليمية ودولية بعيدة من طهران، كما أعاد الانسحاب الأميركي من أفغانستان "طالبان" إلى الحكم مرة أخرى، وهو ما يطرح تساؤلات عن كيفية إدارة طهران لعلاقتها بالخصم القديم، "طالبان" من جهة، ومحاولات العراق لعب دور إقليمي أكثر نشاطاً بعيداً من التأثيرات الإيرانية من جهة أخرى.