مصطفى فحص
لم تكن سنة 2019 بمستوى طموحات النظام الإيراني، فقد دخلت الثورة الإسلامية عامها الأربعين تحت وطأتي الضغوط الداخلية والخارجية، التي تنذر بتداعيات سياسية وإقتصادية وإجتماعية لن تنجو إيران دولة وشعبا من ارتداداتها.
وقد زاد الزلزال الأخير في منطقة بوشهر الطين بله، فبالرغم من وقوع إيران على خط الزلازل المدمرة إلا أن حدة القلق ارتفعت نتيجة للمنطقة الجغرافية التي حدث فيها، حيث أفاد مركز المسح الجيولوجي الأميركي أن الزلزال الذي بلغت قوّته 5,1 درجة ضرب منطقة تقع 44 كلم جنوب شرقي مدينة برازجان، وعلى عمق 38 كلم، تبعد 45 كلم شرق منشأة بوشهر النووية التي تبنيها روسيا، ما أعاد إلى ذاكرة أغلب سكان الخليج كارثة إنفجار مفاعل "تشيرنوبيل" السوفياتي الذي حدث في جمهورية أوكرانيا سنة 1986، وأدى إلى وفاة أكثر من 8 آلاف مواطن أوكراني وتعرض ما يزيد عن 2.6 مليون آخرين من التلوث الإشعاعي ما تسبب بأمراض مستعصية وتشوهات خلقية يعانون منها إلى اليوم، كما بلغت مساحة الأراضي المتضررة من الإشعاع 1.4 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في جمهوريتي أوكرانيا وروسيا البيضاء.
يأتي هذا القلق العام والمبرر نتيجة إعتماد إيران بشكل أساسي على تقنية روسية غير متطورة في بناء وتجهيز منشآتها النووية، وخصوصا مفاعل بوشهر الذي يبعد عشرات الأمتار عن مياه الخليج، الذي تعتمد أغلب الدول العربية المطلة عليه في تأمين إحتياجاتها من مياه الشفة والري من خلال تكرير مياهه، وهذا ما يرفع حدة مخاوفها من تعرض هذا المفاعل إلى عطل داخلي أو إلى زلزال مدمر يؤدي إلى كارثة إنسانية وبيئية تتسبب بتلويث مياهه والقضاء على الثروة السمكية.
كما أن دولة مثل الكويت تقع على زاوية ساحل الخليج هي الأكثر عرضة للخطر في حال وقوع أي خلل في عمل مفاعل "بوشهر"، فمن الممكن أن تتعرض لما قد يوصف بإبادة جماعية ، نتيجة حركة الريح التي سوف تحمل معها غبارا نوويا إذا ما وقعت الكارثة، فالمسافة بينه وبين دولة الكويت هي قرابة 282 كيلومتراً، بينما المسافة بينه وبين العاصمة الإيرانية طهران قرابة 765 كيلومتراً، وهي محصنة نتيجة بعد المسافة بينها وبين بوشهر إضافة إلى التضاريس وحركة الريح والمناخ التي تحمي طهران من الوقوع في مدى أي كارثة.
عمليا كشفت مجموعة من الكوراث الطبيعية حدثت في الأعوام الأخيرة هشاشة البنية التحتية الإيرانية وتراجع الخدمات العامة نتيجة الإهمال والفساد والعقوبات، يضاف إليهم إستمرار النظام تبذير ثروات إيران على مشاريعة الخارجية وإهمال الداخل، واعتماده على قرار إستخدام القوة المميته بوجه الحركات المطلبية التي تطالب بتوزيع عادل للثروة وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، كان آخرها فشل أجهزة الدولة مواجهة أسوأ فيضانات شهدتها إيران منذ سنوات، فما بين نهاية شهر آذار وبداية شهر نيسان شهدت إيران على عدة أسابيع أمطارا غزيرة تسببت بفيضانات وسيول جارفة كشفت حجم ضعف الدولة في التعامل مع الكوارث الطبيعية، فقد اجتاحت السيول محافظتي كلستان ومازندران شمال شرق البلاد، ومحافظات فارس (شيراز) وولرستان خوزستان جنوب وغرب البلاد، ففي خوزستان اضطرت الدولة إلى إخلاء 9 مدن وأكثر من 100 قرية خشية أن تتسبب السيول في كارثة إنسانية.
كما خلفت السيول خسائر زراعية بملايين الدولارات زادت من الأعباء التي تتكبدها الحكومة نتيجة ضعف البنية الصناعية والزراعية وعدم قدرتها على تعويض المتضررين جرّاء الكارثة بسبب قلة إمكانياتها وعدم توفر السيولة المادية نتيجة للعقوبات الدولية.
ففي الوقت الذي ينشغل نظام طهران بتطوير قدراته الصاروخية وترسانته العسكرية، حذر المركز الألماني للأبحاث الجيولوجية من تعرض طهران إلى مشاكل خطيرة في البنية التحتية نتيجة انخفاض مستوى المياه الجوفية، فقد كشف موقع "Science Alert". أن ذلك سيتسبب بانخفاض في التربة ببعض مناطق العاصمة بمقدار 25 سم سنويا ما قد يؤدي إلى أضرار كبيرة في نظام الصرف الصحي تحت الأرض وتصدع في الجدران والأساسات، دون تدخل حكومي حتى الآن لتدارك الأزمة.
يفضل النظام الإيراني وضع رأسه في الرمل لعله يتجنب مواجهة المحتجين، ويفضل رمي مشاكله المتراكمة منذ سنوات على مؤامرة خارجية تقودها واشنطن من أجل إخضاعه، أما الحقيقة التي باتت على لسان أغلب الإيرانيين الذين كسروا حاجز الخوف وهتفوا علانية ضد النظام ورموزه ومشاريعه، بأن المؤامرة والعقوبات هي جزء من المشكلة وليس كلها، بل إن النظام الذي لم يستفيد من البحبوحه الإقتصادية التي سادت في عهد الرئيس الأميركي أوباما وفي مرحلة الانفتاح في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي قد تم إضاعتها على أهداف امبراطورية دمرت إيران من الداخل وعزلتها في الخارج، وسط تمسك أصحاب القرار بشعارات فارغه، تدعوا إلى الصبر الإستراتيجي والإقتصاد المقاوم الذي لا يطعم الإيرانيين ولا يغنيهم.