انطلقت في إيران الخميس حملة الدعاية للانتخابات البرلمانية التي ستُجرى في الـ21 من فبراير الجاري، وتستمر حملات الدعاية أسبوعا.
وفي ظل ترقّب داخلي وخارجي لما يمكن أن يفرزه هذا الاستحقاق من نتائج، التي ستكون لها حتما تداعياتها على العديد من الملفات على غرار الأمن في الشرق الأوسط وكذلك الاتفاق النووي وغيره، يتواصل الجدل بشأن استبعاد عدد من المرشحين الإصلاحيين من السباق الانتخابي.
ويرى مراقبون أنّ الولي الفقيه أدرك سريعا خطر تآكل قدسية النظام هناك، حيث جسّد الغضب الشعبي المتنامي ذلك، فسارع بالدفع نحو إقصاء مرشحين إصلاحيين بارزين لتفادي أي مفاجآت خلال هذا الاستحقاق.
وتأتي هذه المحطة السياسية الهامة في وقت بلغ فيه التوتر بين إيران والولايات المتحدة ذروته بعد تعمّد طهران مواصلة استفزاز واشنطن من خلال خفض التزاماتها حيال الاتفاق النووي، وكذلك تهديدها لأمن جيرانها الخليجيين والتدخل في شؤونهم.
ومن أجل قطع الطريق أمام هؤلاء الإصلاحيين رفض مجلس صيانة الدستور المكلّف باعتماد المرشحين لخوض الانتخابات حوالي 6850 مرشحا من المعتدلين لصالح المتشددين وذلك من بين 14 ألفا تقدّموا بطلبات لخوض الانتخابات. كما تمّ منع حوالي ثلث النواب من ترشيح أنفسهم مرة أخرى.
وقال التلفزيون الإيراني “بدأ الخميس المرشحون البالغ عددهم 7150 مرشحا لخوض الانتخابات النيابية حملات الدعاية”.
وتأتي انطلاقة حملات الدعاية في وقت كان قد انتقد فيه الرئيس حسن روحاني شطب المرشحين الإصلاحيين.
ووجّه روحاني سهام نقده لمجلس صيانة الدستور، ولكن هذه الانتقادات لاقت تنديدا من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الذي رفض التشكيك في “نزاهة المجلس”. وطالب خامنئي الناخبين بالإقبال على التصويت.
وتأتي مطالبة خامنئي في وقت أظهر فيه تقرير صادر عن وكالة استطلاعات الطلاب الإيرانية في أوائل يناير أن ما يصل إلى 49 في المئة من السكان الذين شملهم استطلاع في العاصمة، لن يشاركوا في التصويت.
وقال 26.5 في المئة من المستطلعين إنهم لن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع إلا إذا وافق مجلس صيانة الدستور على قبول ملفات مرشحيهم المفضلين.
وعبّر 55.1 في المئة عن وجهات نظر ساخرة من الانتخابات متوقّعين عدم نزاهتها، وأظهرت هذه الاستطلاعات حدّة أزمة النظام والسلطات الخاضعة لسيطرته.
وقال روحاني في اجتماع حكومي في 15 يناير، إن “الناس يفضلون التعددية السياسية في الانتخابات. ولا يمكننا ببساطة أن نعلن عن الموافقة على 1700 مرشح وتجاهل السؤال حول عدد المجموعات السياسية التي يمثّلها هؤلاء”، معلّقا “هذا ليس ما تعنيه الانتخابات”.
وشبّه روحاني الأمر بما يحدث في متجر يدعي فيه المالك التنوّع من خلال “تقديم 2000 منتج على رفوفه، لكن جميعها من نفس السلعة”.
ويملك مجلس صيانة الدستور صلاحيات واسعة لإبعاد من يراهم “أعداء الثورة الإسلامية” أو لأسباب أخرى يُحجم عادة عن الإفصاح عنها.
وقالت مصادر إن المجلس استند إلى أسباب مختلفة في رفض طلبات الترشيح مثل “الفساد والبُعد عن الإيمان”.
ويضم المجلس المؤلف من 12 عضوا، ستة من كبار رجال الدين يعيّنهم المرشد الأعلى. أما الأعضاء الستة الآخرون فهم محامون يرشحهم رئيس القضاة ويتم تعيينهم بعد الحصول على موافقة البرلمان.
ويسيطر على البرلمان حاليا المتشددون الموالون للولي الفقيه وللحرس الثوري بـ90 نائبا.
ويبلغ عدد من يحق لهم من الإيرانيين الإدلاء بأصواتهم حوالي 58 مليونا من بين السكان البالغ عددهم 83 مليون نسمة.
ونجم عن قرارات المجلس صيانة الدستور أن سحب عدد من الإصلاحيين ترشحهم لهذا السباق الانتخابي ما رأى فيه مراقبون أنها عوامل تزيد من حظوظ المتشددين في إحكام قبضتهم على السلطات في طهران.
ويضمّ التيار الإصلاحي مجموعة من الأحزاب والقوى والتجمعات السياسية التي تقول إنها تسعى إلى الإصلاح من داخل منظومة الحكم، وتتبنّى التوجه نحو التجديد والتحديث الديني المرتكز على الممارسة الديمقراطية.
ويرى مراقبون أن فرص النظام الإيراني تضاءلت في هذا السباق الانتخابي لتضليل الرأي العام والسماح بمشاركة أوسع للإصلاحيين حيث باتت نفوذه مهددة بالفعل نظرا إلى فقدان شعبيته.
وأيّد خامنئي صاحب القول الفصل في نظام الحكم الديني في إيران قرارات مجلس صيانة الدستور، وقال إن البرلمان المقبل ليس به مكان للخائفين من رفع أصواتهم ضد الأعداء الخارجيين، في إشارة للإصلاحيين وفي رسالة لأتباعه مفادها أن خسارة هذه الانتخابات يعني بداية النهاية للنظام الإيراني الحالي.
ويرجع مراقبون أسباب هذه التجاذبات السياسية الحادة التي طرأت خلال هذا الاستحقاق إلى الأزمة الخانقة التي تعيشها إيران.
ويعاني النظام الإيراني من عزلة وأزمة داخلية لم يشهدها منذ قيام الثورة الإسلامية في 1979 دفعت به إلى هذا الحدّ من التشدّد.
وكانت التوترات مع الولايات المتحدة اشتدت منذ 2018 عندما انسحب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي المُبرم عام 2015 مع القوى الكبرى، وأعاد فرض العقوبات المكبّلة للاقتصاد الإيراني.
وازدادت الأزمة سوءا عندما قامت واشنطن بقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني في هجوم بطائرة أميركية مُسيّرة في بغداد في الثالث من يناير الماضي، وهو ما أدّى إلى ردّ إيراني بهجوم استهدف مواقع أميركية في العراق في الثامن من الشهر نفسه.
وبات من الواضح أن إقصاء الشخصيات المعتدلة سيفتح الباب بمصراعيه أمام هيمنة المتشددين الموالين لخامنئي على البرلمان.
وقال ساسة مؤيدون للإصلاح في يناير إنهم ليس لهم مرشحون للمنافسة على 230 مقعدا من بين مقاعد البرلمان البالغ عددها 290 مقعدا، وأضافوا أن مطالب الإيرانيين بانتخابات “حرة ونزيهة” لم تُلبّ بسبب شطب عدد كبير من المرشحين.
وفي حين أنّ أنصار المؤسسة الحاكمة سيصوّتون لصالح المرشحين المتشددين سيواجه المعتدلون صعوبة في حشد أنصارهم الذين أصابتهم خيبة الأمل لإخفاق روحاني في التخفيف من حدّة القيود الاجتماعية والسياسية عليهم.
وكانت الأحزاب البارزة المؤيدة للحركة الإصلاحية عرضة للحل والحظر منذ الانتخابات الرئاسية في 2009 والتي أُعيد فيها انتخاب الرئيس المتشدّد محمود أحمدي نجاد. وزعم منافسوه أن الانتخابات تعرّضت للتزوير.
وفي طهران، التي يمثّلها 30 مقعدا في البرلمان، يأتي على رأس المرشحين المتشددين محمد باقر قاليباف رئيس بلدية العاصمة السابق الذي كان في وقت من الأوقات قائدا للحرس الثوري.