كشفت مصادر عراقية مطلعة، الثلاثاء، عن أن العديد من قادة الميليشيات الموالية لإيران بينهم زعيم ميليشيا النجباء المدرجة على قوائم الإرهاب الأميركية، وكذلك زعيم ميليشيا عصائب "أهل الحق" فرّوا إلى خارج العراق بعد مرور أيام قليلة على الضربة الأميركية التي أدت إلى مقتل قائد "فيلق القدس" الإيراني، قاسم سليماني، قرب مطار بغداد، وذلك بحجة تقديم التعازي لأسرة سليماني والحضور بمراسم العزاء.
في التفاصيل، أكدت المصادر أن هذا الهروب جاء خوفاً من الاستهداف المباشر بالطائرات الأميركية المسيرة التي تجوب سماء بغداد، والتي تسببت برعب القادة الذين غيروا أرقام هواتفهم، وأغلق بعضهم الآخر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، كما جرى تغيير الحراس الشخصيين لآخرين، كما جرى الحال في حراس زعيم ميليشيا بدر هادي العامري.
وذكرت المصادر أن قادة الفصائل نقلوا عائلاتهم إلى إيران بشكل سري، خصوصاً أولئك الذين تمّ إدراجهم على لائحة العقوبات الأميركية بتهم الإرهاب، مثل قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق، وأبو آلاء الولائي زعيم ميليشيا كتائب سيد الشهداء، وأكرم الكعبي زعيم ميليشيا النجباء الذي ظهر في فيديو جديد يتحدث مع زينب سليماني ابنة قاسم سليماني، متعهداً بالثأر لمقتل والدها.
ووفقاً لبرقية عاجلة صدرت عن مدير مكتب مستشار الأمن الوطني العراقي وزعيم ميليشيا الحشد الشعبي، فالح الفياض، الأحد الماضي، فقد غير زعماء بارزون في هذه الفصائل والميليشيات المرتبطة بإيران مقرات إقامتهم وتنقلاتهم، كما أجرى قسم منهم تعديلات على طواقم مرافقيهم، وصولاً إلى تغيير أرقام هواتفهم وسياراتهم التي كانوا يستقلونها.
وبحسب ضابط في وزارة الداخلية العراقية، قال إن عمليات تأمين واسعة جارية لمخازن ترسانة الحشد الشعبي، خصوصاً تلك التي تتضمن الأسلحة الثقيلة، كالصواريخ والمدفعية والذخيرة، لاسيما في العاصمة بغداد، والتي تضم 14 مكاناً لتخزين الأسلحة، إضافة إلى محافظات الأنبار، ونينوى، وديالى، وصلاح الدين، وكركوك.
كما أوضح أن نقل هذه الترسانة الثقيلة إلى قواعد الجيش العراقي الخالية من النشاط الأميركي أو التابع للتحالف الدولي يجعل الحكومة أكثر سيطرة ودراية بها من الوقت التي كانت فيه بمخازن عشوائية وقرب الأحياء السكنية وسط العاصمة بغداد.
من جانبه، كشف الكاتب والصحافي عمر الجنابي، أنه ومنذ مقتل قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس بدا واضحا تغير استراتيجية قادة الفصائل المسلحة العراقية، خصوصاً فيما يتعلق بالظهور الإعلامي، بعضهم ظهر في التشييع في بغداد فقط، والبعض الآخر ظهر في النجف، ومعظمهم شعروا بالأمان في إيران، حيث يتم إعادة برمجة عملهم واستراتيجيتهم.
فزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي كان يصف بعض الفصائل بـ"الميليشيات الوقحة" اجتمع بقياداتهم، وبدأ معهم صفحة قديمة جديدة، وذلك بعد أسبوع من دعوة الصدر لتلك الفصائل لعقد اجتماع برعاية إيرانية وتنسيق من قبل رئيس منظمة بدر هادي العامري.
ولفت الجنابي إلى أن التطورات الأخيرة ما هي إلا مؤشرات تؤكد رغبة تلك الميليشيا بالالتفاف حول الصدر لتشكيل حكومة تناسب مصالحها، والعمل المسلح ضد القوات الأميركية في العراق، ومساومتها من أجل رفع العقوبات والخطر عن قادة تلك الفصائل.
وبعد التسريبات الأخيرة التي تحدثت عن وشاية أودت بحياة سليماني والمهندس إثر نقل معلومات تحركاتهما لأميركا، أشارت المعلومات إلى نشوب خلافات بشأن زعامة الحشد الشعبي، في ظل غياب التفاهم بين القادة ورئيس الهيئة فالح الفياض، الذي انتشرت بينه وبين المهندس في الآونة الأخيرة مشاكل كثيرة وصلت إلى حد نشر بيانات رسمية وتكذيبها بعد ذلك.
فيما ألمح إلى أن إيران اختارت الصدر لجمع الشتات سياسياً وعسكرياً. إلا أن ذلك خيار غيّر موقف العراق ومستقبله، حيث سينعكس على تشكيل الحكومة وعلى التظاهرات التي يشارك فيها أنصار الصدر بمسميات عديدة.
من جانبه، قال المحلل الاستراتيجي رعد هاشم إن اختفاء قادة الميليشيات وغيابهم مؤخراً عن عموم الواجهات السياسية والإعلامية بعد مقتل سليماني هو جزء من خطة التمويه والمناورة الذي يتبعونه لتفادي احتمال استهدافهم أميركيا.
إلى ذلك، أوضح المحلل الأمني، مؤيد الجحيشي، أنه من المؤكد وبما لا يقبل الشك أنهم هربوا من العراق خوفاً من الاستهداف المباشر والعلني من الأميركيين، خاصة الذين شاركوا في حرق سفارة واشنطن في بغداد.