محمود عباس
إنها تبيعهم الأسلحة، كما تبيع أمريكا وروسيا وتركيا دول العالم أسلحة، وليس كما تروج على أنها تقدمها من دون مقابل، وإن تم في بعض الحالات، فتسجل كديون آجلة، كما فعلت مع نظام بشار الأسد والحوثيين في اليمن، أو في مقابل خدمات لوجستية كارثية، كما حصل لقطاع غزة ودعمها لحماس والجهاد الإسلامي (بعدما وضعت اليد على جزء من أموال المساعدات التي قدمتها لهم دول الخليج) وغايتها من تقديم وبيع الأسلحة أبعد بكثير من ضرب إسرائيل أو إجبارها على الخضوع لحل الدولتين، وهي الدولة التي تدرك ما سيكون عليه رد فعل الشعب اليهودي (الذي لا يعاني تبعات الهولوكوست والقتل الجماعي) من أيّ جريمة جماعية تقدم عليها حركة حماس والجهاد الإسلامي بحق يهود المستوطنات.
لو كانت إيران الشيعية، ومثلها تركيا السنية، تؤمنان بالنهج الإسلامي السلمي، وتريدان الخير للشعب الفلسطيني ولأبناء قطاع غزة، الذين يعانون ويلات الكثافة السكانية قبل الحصار، والتي تم تضخيمها طوال العقود الماضية لتكريس الحقد بين الشعبين اليهودي والفلسطيني، لما زجتا بالفلسطينيين في أتون المخطط الإجرامي الفاشل والذي تسبب بالكارثة الجارية بحق أبناء غزة، ولكانتا نشرتا ثقافة التآلف وتقبل العيش المشترك، وتوسيع التعامل الديمقراطي بين الدولتين، وتقييم ما تقدمه إسرائيل من الخدمات لشعب قطاع غزة، كتأمين العمل والكهرباء والماء والخدمات الأخرى.
في الواقع، وعلى مدار السنوات الماضية، استولى أئمة ولاية الفقيه على معظم المساعدات التي أرسلت إلى قطاع غزة من دول الخليج والعالم الإسلامي، فصرف بعضها على بناء الأنفاق، فما مان يرسل الجزء الأعم إلى إيران في مقابل الصواريخ التي أطلقتها في عملية السابع من تشرين الأول / أكتوبر.
إن الترويج للدعم المادي الإيراني لحماس والميليشيات الأخرى، نفاق يراد به خداع القوى الإقليمية، وقد تقبلته أمريكا ودول التحالف الأوروبي، وكذلك الدول العربية والإسلامية، والجميع يدرك عدم صحته، وما هي الغاية منه، ويتم التكتم عليه لأسباب أمنية وسياسية ودبلوماسية.
فولاية الفقيه، وبحكم تكوينها كمرجعية مذهبية، ونهبها لتابعيها، أفراداً ومنظمات، تقوم بتمويل المنظمات الإرهابية، مثل حزب الله والنجباء والزينبيين والفاطميين والحوثيين وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني وغيرهم ممن جمعتهم تحت خيمة المقاومة الإسلامية، من نفس المصادر التي تستمد حكومة إيران منها العملة الصعبة للحفاظ على دخلها الوطني من الانهيار.
وجل المنظمات الشيعية، بعد تنظيمها، يصبح من مهماتها دعم إيران اقتصادياً بالتوازي مع الدعم العسكري-السياسي، وهي تؤمن لإيران العملة الصعبة مقابل الأسلحة التي تقدم إليها.
بعضها، تمكنت بدءاً من سنوات الحصار الأمريكي وحتى الآن، من تأمين نسبة عالية من العملة الصعبة، ولولاها لظلت سوية الدخل الوطني السنوي الإيراني في تراجع مستمر، وكانت تبلغ في عام 2012 قرابة 997 مليار دولار، لتتراجع إلى قرابة 239 مليار عام 2020. وبمساعدة هذه المنظمات، عادت لترتفع وتصل في هذا العام إلى حدود 366 مليار دولار، بالرغم من أنَّ أمريكا زادت من حصارها الاقتصادي.
وأبرز جهتين ساهمتا في تمويل أئمة ولاية الفقيه وتوفير النفقات الهائلة التي صرفت على ميليشياتهم وعلى الحرب السورية واليمنية والحفاظ على سلطة بشار الأسد هما:
1 - الحشد الشعبي والمنظمات الشيعية العراقية الأخرى، والتي تنهب الأموال من النفط العراقي المباع نسبة منه في الأسواق السوداء، وهي أموال الخزانة العراقية، وجلها بالعملة الصعبة التي لا تدرج ضمن التجارة الخارجية العراقية الرسمية، وتقدم لأئمة ولاية الفقيه، تحت حجج دعم الحوزات والحسينيات، ونشر الوعي الشيعي، وبها يتم تمويل معظم الميليشيات والمنظمات الشيعية الإيرانية، والعملية لا تزال مستمرة.
2 - الأموال التي يحصل عليها حزب الله اللبناني من تجارة المخدرات، والمضاف إليها في السنوات الأخيرة تجارة حبوب الكبتاغون التي تنتجها المصانع الكيميائية السابقة التابعة للنظام السوري، ومافيا حزب الله ذات العلاقات المتينة مع كارتيلات أمريكا اللاتينية، خاصة الكولومبية والبوليفية، وإلى حد ما المكسيكية.
3- من النفط الإيراني ذاته، المباع سراً عن طريق ميناء الفاو في الأسواق السوداء، وذلك على خلفية الحصار الأمريكي، والتي تحدد نسبة المباع منه في الأسواق العالمية، والأغلبية على دراية بذلك، ويتم السكوت عليه لأسباب سياسية أمنية.
لقد دفع شعب قطاع غزة، مثله مثل الشعب السوري واليمني وجنوب العراق، ثمن هذه السياسة الفاجرة، والخداع والنفاق المذهبي، وتحت خيمة المقاومة الإسلامية، وجلها تخدم أئمة ولاية الفقيه بنزعتهم الفارسية، مثلها مثل النزعة التركية – الطورانية العنصرية والمختفية تحت عباءة قيادة العالم الإسلامي السني، وحيث صرخات أردوغان كصرخات آية الله العظمى (الخامنئي) المدوية دون فعل دفاعاً عن شعب غزة، ليفاقموا في الدمار، لأن غايتهم ليس خلق السلام في المنطقة بل تدمير الدول العربية وإسرائيل معاً، بشعوبها من اليهود والفلسطينيين والكورد، لتسهل لهم مهمة الهيمنة على المنطقة، وإعادة أمجاد الإمبراطوريتين الصفوية والعثمانية.
وفي الواقع العملي، إسرائيل وشعبها اليهودي ليست عدواً للشعب الفلسطيني والعربي بقدر ما الفرس والترك إعداء لهما، بل إنهما يخططان لتدمير الطرفين معاً، وبأيدي بعضهم البعض، ويشعلان نار الفتنة كلما اقتربا من المصالحة، وهو ما تم بعد مسيرة التطبيع التي كانت تجري وكان من المتوقع أن يتصاعد العمل لقبول حل الدولتين، قبل بدء الحرب الجارية. وللأسف، فالكراهية التي تم غرسها طوال العقود الماضية أعمت بصيرة الطرفين، أي حكومتي حماس ونتينياهو، وسهلت لإيران - أئمة ولاية الفقيه وكذلك لتركيا - أردوغان، مهمة السيطرة على المنطقة عن طريق ميليشياتهما وسياستهما الخبيثة.