بازبدە بۆ ناوەڕۆکی سەرەکی

طهران تعزز موقعها في السودان لدخول افريقا

 العلاقات الافريقية - الإيرانية
AvaToday caption
ربما تسير العلاقة في مسار التركيز على الخرطوم باعتبارها برج مراقبة للأحداث في الدول الأفريقية التي تربطها بإيران مصالح مباشرة متحققة أو مرتجاة
posted onOctober 16, 2023
noبۆچوون

قد لا تكون المقارنة بين السودان وإيران دقيقة، فهما دولتان ليس ثمة ما يجمع بينهما، إلا أنهما تمثلان نموذجاً واحداً من نماذج البنى السياسية المركبة، ففي حقبة من تاريخهما السياسي كانا يُداران وفق مشروعين دينيين بمذهبين مختلفين ولكنهما التقيا منذ البداية في أهدافهما قبل أن تتفرق بهما السبل.

 في حالة إيران، بدأ المشروع المذهبي الطائفي مع قيام الثورة الإيرانية عام 1979 بتحالف ثلاث قوى هم المثقفون المتحررون الذين تعلموا في الغرب، وتجار "البازار"، وجماعات رجال الدين جناح الشيعة بقيادة الخميني، الذي استطاع حشد الجماهير التقليدية، وحشد لها الميليشيات داخل وخارج إيران. وفي حالة السودان كان المشروع مبنياً على دولة واحدة مكونة من دول عدة يقيمها الإسلام السياسي، تحت خلافة إسلامية واحدة ذات مشروع رسالي بأهداف "كونية"، ويعتقد "الإخوان المسلمون" أنهم مفوضون من الله لقيادة هذا المشروع، وبدأ ذلك مع الانقلاب الذي قاده عمر البشير وعراب النظام حسن الترابي عام 1989، ومن أجل هذه الدولة أنشأ النظام ميليشيا "الدفاع الشعبي" وخاضت إلى جانب الجيش السوداني حرب الجنوب، وتدرب قادتها في إيران. وطوال فترة التسعينيات أقام الحرس الثوري الإيراني والقوات المسلحة السودانية وقوات الدفاع الشعبي السودانية علاقات أسهمت في نمو الشراكة الثنائية.

وبعد عقود على المشروعين، ومرور مياه كثيرة تحت جسر العلاقات بين البلدين تنوعت ما بين التقارب والجفاء، حتى انقطعت عام 2016 على أثر اقتحام سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد. في هذه الأثناء كانت الأزمات الداخلية في السودان أكثر عمقاً وعملت على هز أركان مشروع الإخوان، ولم يستطع النظام التغلب على أخطار التهديدات الثورية، لأن خلافات على السلطة نشبت بين أعضاء التنظيم واستمرت حتى قامت انتفاضة 2018 وأسقطت النظام السابق عام 2019.

وبعد مرور نحو سبعة أعوام، أعلن السودان أخيراً الإثنين الماضي أنه سيستأنف العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وقد اجتمع وزيرا الخارجية السوداني علي الصادق والإيراني حسين أمير عبداللهيان في العاصمة الأذرية باكو على هامش قمة دول عدم الانحياز في يوليو (تموز) الماضي.

خلال الحرب الإيرانية - العراقية، في الثمانينيات من القرن الماضي كان السودان بقيادة جعفر النميري الموالي للغرب يدعم العراق، وبعد سقوط النميري عام 1985، وتسلم رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي السلطة عام 1986 قام بزيارة رسمية إلى طهران وافتُتح أول مركز ثقافي إيراني في الخرطوم عام 1988. ومهد ذلك إلى توثيق العلاقات في ظل نظام البشير الذي زار طهران بعد خمسة أشهر من توليه السلطة. وزار ثلاثة رؤساء إيرانيين متعاقبين الخرطوم وهم "المعتدل" أكبر هاشمي رفسنجاني، و"الإصلاحي" محمد خاتمي، و"المحافظ" محمود أحمدي نجاد. كما تكثفت الزيارات بين الدولتين، ودانت طهران مذكرة الاعتقال التي صدرت من المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس عمر البشير عام 2009، وفي مقابل ذلك أعلن النظام السوداني دعمه المشروع النووي الإيراني.

تطورت العلاقات اقتصادياً ببداية اكتشاف واستثمار النفط في السودان بواسطة الصين وإدخال بعض الدول منها إيران بعقود "كونسورتيوم" في هذه الشراكة، كما تطورت عسكرياً ووقع اتفاق التعاون العسكري والأمني بين البلدين في عام 2008. كما وقعت الدولتان أكثر من 30 اتفاقية في مختلف المجالات بما في ذلك الأعمال التجارية والزراعية والأمن.

أثار تعميق العلاقات السودانية - الإيرانية قلق إسرائيل والغرب، خصوصاً بعد السماح للأسلحة الإيرانية بعبور الأراضي السودانية إلى قطاع غزة عبر شبه جزيرة سيناء في الفترة من عام 2009 إلى 2012. واتهمت إسرائيل بقصف أعضاء من "حماس" بالقرب من مدينة بورتسودان الساحلية، وكذلك قصف ناشطين في نقل شحنات اشتبهت في علاقتها بحركة "حماس"، كما اتهمت الخرطوم برعايتها للحركة.

بدأ السودان ينأى بنفسه عن إيران، ففي عام 2014 أمرت السلطات السودانية بإغلاق جميع المؤسسات الثقافية الإيرانية ومغادرة الدبلوماسيين الإيرانيين، وكانت الخرطوم قد رصدت توسع المراكز الثقافية الإيرانية التي فاق عددها 26 مركزاً إضافة إلى الحسينيات التي انتشرت بكثرة في المدن والأرياف. وعلى رغم إنشاء طهران عدداً من مجمعات التصنيع الحربي في الخرطوم، والتعاون العسكري الذي كانت حصيلته دعم الخرطوم بطائرات هجوم بري صينية الصنع، وتسليم أسلحة صينية بقيمة 300 مليون دولار للجيش السوداني، إلا أن العلاقة لم توفر مكاسب اقتصادية كبيرة للسودان.

من ضمن ما فكرت فيه حكومة الفترة الانتقالية بالسودان منذ تأسيسها من المجلس العسكري بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، والمدني بقيادة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، هو إعادة النظر في علاقات البلاد الخارجية، وترميم الدبلوماسية السودانية بعدما أصابها خلال ثلاثة عقود، من استعداء للدول في مختلف الاتجاهات، مما أفقد الدبلوماسية السودانية المرونة المطلوبة للتعامل مع التشابكات الدولية، والإقليمية. ولكن لما يحيط بالعلاقة مع إيران من حساسية إقليمية، فكان لا بد من أن تحمل مسوغات تتعلق بمراعاة أمن واستقرار دول المنطقة قبل الشروع في استعادتها، لذلك كانت الخطوة التاريخية في مارس (آذار) الماضي باتفاق السعودية وإيران بوساطة الصين على استئناف العلاقات، وما تبعها من فتح سفارات البلدين ممهداً لطريق إعلان الخرطوم.

إضافة إلى ذلك، فإن الحرب السودانية المستمرة منذ 15 أبريل (نيسان) الماضي، حملت إشارات واضحة لذلك، أهمها، الإشارة الأولى إلى الدور المحوري الذي لعبته السعودية في الوساطة وطرح المبادرات بين طرفي النزاع، ورعايتها للهُدَن أثناء الحرب لضمان ممرات آمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى المتضررين، التي أسهمت فيها عن طريق مؤسسة الملك سلمان للإغاثة، وتوفير طرق لخروج المواطنين من المناطق التي يشتد فيها تبادل القصف.

والإشارة الثانية، قيام السعودية بإجلاء مواطني الدول الأخرى من السودان ومنهم المواطنون الإيرانيون من ميناء بورتسودان إلى ميناء جدة، وقد عكس ذلك بادرة طيبة من الرياض. أما الإشارة الثالثة فهي تقديم إيران مساعدات إنسانية للخرطوم عن طريق الهلال الأحمر الإيراني، مما أسهم في تعزيز العلاقات بين البلدين، وتأكيد طهران التزام الحياد، فيما عبر عنه وزير الخارجية الإيراني عن دعمه التسوية السلمية للصراع تحت رعاية الحكومة.

يشير مسار استئناف العلاقات السودانية - الإيرانية من جانب إيران إلى أهداف عدة، أبرزها، أولاً، بينما شهد عهد الرئيس السابق حسن روحاني فتوراً في العلاقات الخارجية، مع كل جهود وزير خارجيته محمد جواد ظريف الدبلوماسية، لكن كبلها النظام بالتركيز على قاعدته السياسية في مرحلة ما بعد الثورة "لا شرقية ولا غربية". ولكن منذ أن تسلم الرئيس إبراهيم رئيسي السلطة عام 2021 اختارت القيادة الإيرانية ترسيخ نهجها في السياسة الخارجية، بالتخلي عن تلك القاعدة، ولكن تبدو حتى الآن الخيارات ضعيفة أمام طهران فزار رئيسي ضمن رحلاته الخارجية وتعزيز العلاقات مع روسيا والصين ودول أميركا اللاتينية، كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا، وثلاث دول أفريقية هي كينيا وأوغندا وزيمبابوي في يوليو الماضي. كما قام وزير خارجيته بزيارات إلى مالي وتنزانيا وجنوب أفريقيا والنيجر. وإذا كانت كل هذه الدول تربطها علاقات جيدة مع إيران، فإن تجسير العلاقات مع السودان يصب في المنظومة الأفريقية كمحاولة لتوسيع العلاقات السياسية.

ثانياً، موقع السودان ضمن منطقة القرن الأفريقي، التي يحيط بها البحر الأحمر من الشمال الشرقي، ونهر النيل غرباً، وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة الجنوب الشرقي. وعلى رغم التعقيدات الأمنية والسياسية في المنطقة إضافة إلى العوامل الاقتصادية والاجتماعية، فإن علاقات القوى الدولية والإقليمية خلال العقدين الماضيين أُسست على مدى تأثير هذه المنطقة.

ثالثاً، برز السودان قبل قطع العلاقات كنقطة جذب للتنقيب عن النفط من قبل الصين وبمشاركة إيران، كما يمكن أن يمثل مدخلاً لطهران إلى حقول نفطية أخرى مُكتشفة حديثاً في إثيوبيا وكينيا وأوغندا وتنزانيا والصومال. ويتوقع أن تطرح إيران خططاً للاستثمار في البنية التحتية في مشروع إعادة الإعمار بعد الحرب السودانية في ما يتعلق بالموانئ والسكك الحديد وخطوط الأنابيب وغيرها.

ورابعاً، ستتيح استعادة العلاقات مع السودان لإيران الفرصة لتحسين استراتيجيات التنويع الاقتصادي لديها، وبحسب مسؤولين إيرانيين فإن صادرات بلادهم إلى القارة الأفريقية زادت بنسبة 100 في المئة خلال العام الماضي، مما يمكنها من تقليص اعتمادها على النفط من خلال الاستثمار في الأسواق الأفريقية، بالترويج لمشاريعهما والاستثمار بعمق في السودان. وإضافة إلى المزيج القوي من المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية من المرجح أن تسعى طهران إلى التنافس على السلطة والنفوذ في القرن الأفريقي مستقبلاً.

هذه الأهداف قد تحتاج إلى سنوات حتى تؤتي أكلها، فإضافة إلى الحرب الدائرة في السودان، وعدم الاستقرار السياسي في إيران، فكلا البلدين يعاني أزمات اقتصادية وعزلة دولية، وعليه ربما تسير العلاقة في مسار التركيز على الخرطوم باعتبارها برج مراقبة للأحداث في الدول الأفريقية التي تربطها بإيران مصالح مباشرة متحققة أو مرتجاة، أكثر من كونها علاقة فاعلة وأساسية. وفي هذه المرحلة سيمضي البلدان في التقارب مما يسهم في خلق توازن إقليمي ويُبرز اتباع نهج غير غربي في السياسة الخارجية مما يؤدي إلى إعادة تنشيط جهود طهران لإعطاء الأولوية للعلاقات مع أفريقيا.

ومن ناحية أخرى، فإن لهذه العلاقة كلفتها الأمنية، فالتوغل في السودان والدول الأفريقية المحيطة به في الظروف الحالية يقوم على حسابات أمنية أكثر منها دبلوماسية، فبعد انسحاب بعض الدول الغربية من المنطقة تركت فراغاً أمنياً كبيراً، وفي الطريق تتراءى المواجهات بين الجماعات الإرهابية والحكومات الانقلابية، مما يؤثر في مستوى الأنشطة بين إيران وهذه الدول. ولكن أيضاً يمكن تذكر أن إيران تسيطر عليها استراتيجية "النطاق الجغرافي"، وهذا يعني أنها ما إن تحدد دولة أو منطقة معينة فإنها تركز على توليد الدعم لسياستها على المستوى الشعبي، وإن لم تدرك تحقيق العلاقات بكل مقوماتها والوفاء بشروطها وجني ثمارها، فإنها بهذه الاستراتيجية تكون قادرة على الحفاظ على مستوى معين من النفوذ وتوسعه بهدوء، حتى يشمل معظم أفريقيا وليس السودان وحده.