تحاول إيران الضغط على الحكومات الغربية باحتجاز المواطنين الغربيين، أو من حملة الجنسية المزدوجة في سياسة ابتزاز دأبت عليها طهران.
هدف إيران من احتجاز المواطنين الغربيين، أو مواطنيها من حملة الجنسيات الأخرى، الحصول على مكاسب سياسية ومالية خلال أي مفاوضات بين إيران والقوى الغربية، وهي سياسة مارسها النظام منذ تسلمه مقاليد الحكم عام 1979 وكانت بدايتها بالرهائن الأمريكيين بعد اقتحام السفارة الأمريكية في طهران.
هذه السياسة تلجأ إليها طهران كلما شعرت بمواقف محرجة وأوضاع سيئة نتيجة العقوبات الصارمة عليها والعزلة الدولية، في ظل عدم قبول الأطراف الغربية باستئناف المفاوضات النووية معها لإحياء الاتفاق النووي عام 2015.
ومؤخراً اشتد التوتر بين ألمانيا وإيران، بعد حكم الإعدام على جمشيد شارمهد يوم الثلاثاء الماضي، وهو مواطن مزدوج الجنسية الإيرانية والألمانية.
وشارمهد هو زعيم جماعة "تندر" الملكية المعارضة للنظام الإيراني واختطفته قوات الحرس الثوري في أغسطس/آب 2020 خارج إيران، فيما قالت تقارير إن اختطافه تم في جمهورية طاجيكستان المجاورة.
وأعلنت وكالة أنباء "ميزان" التابعة للسلطة القضائية الإيرانية، الثلاثاء، عن صدور حكم بإعدام جمشيد شارمهد، بتهمة "الفساد في الأرض" من خلال التخطيط لأعمال إرهابية وتوجيهها.
واتهمت السلطات الإيرانية شارمهد بـ"التخطيط وتفجير حسينية في مدينة شيراز جنوب إيران في أبريل/نيسان 2008 واغتيال المسؤولين والكشف عن معلومات سرية لإحداثيات صواريخ الحرس الثوري الإيراني".
وجماعة "تندر" الإيرانية المعارضة أسسها شخص يدعى "فرود فولادوند"، وتطالب بالعودة إلى النظام الملكي في إيران، وتعتبر طهران هذه الجماعة "منظمة إرهابية".
وفي عام 2007، قالت جمعية المملكة الإيرانية إن "زعيمها واثنين من رفاقه فقدوا ويعتقد أن المخابرات الإيرانية قامت بتصفيتهم"، فيما جرى إسناد زعامة الجماعة إلى جمشيد شارمهد.
وحصل شارمهد على الجنسية الألمانية عام 1995، وعاش في هذا البلد لفترة طويلة، كما عمل كصحفي وأدار منصة كبيرة على الإنترنت وشبكة إذاعية.
وهناك معتقلان يحملان الجنسية الألمانية في إيران، من بينهما الناشطة ناهيد تقوي التي تقضي عقوبتها بالسجن 10 سنوات بتهمة إدارة جماعة غير مشروعة، والسجن ثمانية أشهر بتهمة أنشطة دعائية ضد النظام.
وناهيد تقوي التي عاشت سابقًا في كولونيا بألمانيا، اعتقلت في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021 في منزلها الخاص في طهران دون تهمة ونُقلت إلى سجن إيفين.
وفي 26 من أغسطس/آب الماضي، قالت الخارجية الألمانية إن السلطات الإيرانية اعتقلت "أرفيد جرنه البالغ من العمر 66 عاماً".
ألمانيا ردت على حكم إعدام مواطنها بطرد دبلوماسيين إيرانيين اثنين، وطالب فريدريك ميرتس، زعيم أكبر حزب معارض في ألمانيا، بطرد السفير الإيراني نفسه في برلين.
بدورها، أعلنت كاتيا ماست، المديرة التنفيذية للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، يوم الخميس، أنه عقب العقوبات التي فرضتها إيران ضد أعضاء البرلمان الألماني "البوندستاغ"، فإن المجلس الخاص لهذا البرلمان بتعاون المجموعة البرلمانية الألمانية يعلق التعاون البرلماني مع إيران اعتبارًا من الأسبوع المقبل.
وقالت في هذا الصدد: "نظرا للعقوبات السخيفة التي فرضتها الخارجية الإيرانية على نواب البرلمان الألماني، فقد تم تعليق المبادلات بين الكتلة البرلمانية لممثلي ألمانيا وإيران"، مضيفة "أن البوندستاغ يدعم أعضاء البرلمان الألماني المقاطعين بكل وضوح وتصميم".
وهذا الأسبوع، واستجابة للعقوبات الجديدة التي فرضها الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ضد وزيري الثقافة والتعليم الإيرانيين، بدأت الخارجية الإيرانية عقوبات وإجراءات مضادة وأعلنت عن فرض عقوبات على عدد من السياسيين والنواب البرلمانيين وشركات.
وأعلنت الخارجية الإيرانية من بين أمور أخرى أنه تمت معاقبة ثلاثة أعضاء في البرلمان الألماني (البوندستاغ): رينات أولت (الحزب الديمقراطي الحر)، ورودريتش كيسفيتر (الحزب الديمقراطي المسيحي) ومايكل روث (الحزب الاشتراكي الديمقراطي).
وكتب مشيل روت، خبير في السياسة الخارجية في رسالة على تويتر، ساخراً: "النظام الإيراني عاقبني، وسيتم حظر ممتلكاتي في إيران ومنعوني من دخول إيران، لكن ليس لدي ثروة هناك ولا أريد السفر".
وكتب رئيس لجنة السياسة الخارجية في البوندستاغ في نهاية تغريدة له، أنه يعتبر اسمه مدرجا في قائمة عقوبات إيران نوعا من "التشجيع". وما يلقي بظلاله على العلاقات بين طهران وبرلين حاليا هو حكم الإعدام بحق جمشيد شارمهد، وهو مواطن ألماني إيراني مزدوج الجنسية.
ولقد كان رد فعل ألمانيا واضحا في هذا الصدد، وأعرب المستشار الألماني أولاف شولتز عن موقفه يوم الأربعاء بنشره تغريدة على تويتر، كتب فيها أن "النظام الإيراني يواجه شعبه وينتهك حقوق الإنسان بكل طريقة يمكن تخيلها، وإن حكم الإعدام على جمشيد شارمهد غير مقبول، ندين بشدة هذا الحكم ونطلب من النظام الإيراني التراجع عنه".
اكتسب التوتر بين ألمانيا وإيران أبعادا أوسع ودفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ موقف منه، حيث ذكرت نبيلة مصرالي، المتحدثة باسم منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أن الاتحاد الأوروبي يعارض عقوبة الإعدام في أي حالة، مضيفة "أن زيادة عدد مواطني الاتحاد الأوروبي المسجونين في السجون الإيرانية مقلق للغاية".
وأوضحت نبيلة مصرالي أن الاتحاد الأوروبي يدين بشدة حكم الإعدام الصادر بحق جمشيد شارمهد، واصفة الأمر بـ"غير مقبول"، مؤكدة أن "النظام الإيراني" عليه سحب حكم الإعدام الصادر عن شارمهد.
وقالت "لقد تحول هذا الحكم إلى أزمة خارج ألمانيا والآن امتد هذا التوتر أيضا إلى الاتحاد الأوروبي"، مشددة على ضرورة السماح بالدخول القنصلي لهذا المواطن الألماني الإيراني وغيره من السجناء الأوروبيين.
كما أعلنت أنها على اتصال بالسلطات الألمانية، وأن الاتحاد الأوروبي سيبذل قصارى جهده ويدافع عن جهود إعادة النظر في القضية بشكل عادل ووفقًا لحقوق الإجراءات القانونية الواجبة.
وقالت السلطات القضائية الإيرانية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إنها اعتقلت ما لا يقل عن 40 مواطناً أجنبياً خلال الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد منذ منتصف سبتمبر/أيلول الماضي بعد وفاة الشابة الكردية مهسا أميني على أيدي شرطة الأخلاق في طهران.
وبحسب التقارير إن "ما لا يقل عن 17 من حاملي جوازات السفر الغربية محتجزون في إيران، معظمهم مزدوجو الجنسية".
وكانت العديد من الدول الغربية من بينها سويسرا وكندا وفرنسا وهولندا والنمسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وغيرها قد طلبت من مواطنيها تجنب السفر إلى إيران خوفا من الاعتقال التعسفي.