عام المخاض الإيراني يجني ثمره الخليجيون
سعاد اليعلا
قيل قديماً إن الدول الكبيرة عندما تعطس يصاب العالم بالزكام، ويختلف حجم الزكام باختلاف حجم الدولة، والحديث هنا عن إيران، فبعد مرور ما يقارب ثلاثة أشهر من بدء مخاض إيران، ما زالت تشتعل وتنتشر أصوات إطلاق النار في الأرجاء وسط مشاهد دامية تظهر لنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي لقمع المتظاهرين، على خلفية مقتل مهسا أميني على أيدي الشرطة الدينية.
يشبه كثير من المراقبين ما يحدث في طهران والمدن الأخرى بأحداث ولادة دولة جديدة في إيران كما حدث عام 1979، عندما ولدت الجمهورية من رحم أزمة حادة.
بالمقابل، لا تزال دول الخليج المقابلة لإيران تعيش في مرحلة رخاء وتستفيد من الأزمات من حيث أسعار النفط عبر مقعد المتفرج، ولا تعلم ما ستنجبه الثورة غداً، رخاء مستمر لها أم عاصفة قد يكون نتاجها أسوأ.
عنقاء إيران وأمن الخليج
الصحيح أن ما يجري في إيران لا يعنيها فقط، بل يعني المنطقة والعالم أجمع سواء بالسلب أو الإيجاب، هذا ما أشار إليه المتخصص في الشأن الإيراني عارف نصر، "ثمة قواسم مشتركة بين أسطورتي العنقاء العربية وطائر السيمرغ الفارسي من جانب، والأحداث التي رافقت مقتل مهسا أميني في إيران من جانب آخر، فمقتل الشابة الكوردية على يد شرطة الأخلاق الإيرانية في سبتمبر (أيلول) الماضي، أوقدت جذوة ثورة تطوي شهرها الثالث وتعد بالمزيد، بلغة أسطورة العنقاء أو السيمرغ عملية البعث من جديد هي ما يعقد عليها الآمال من قبل جميع شرائح المجتمع الإيراني المنتفض، لكن عملية الاحتراق التي تسبق هذه الولادة مثار قلق ليس في إيران وحسب، بل وفي الجوار الإقليمي والعالمي أيضاً".
وأضاف نصر "على ضوء التهديدات الإيرانية التي أطلقها المرشد الإيراني ومعه كبار قادة الحرس الثوري ضد دول الخليج وكذلك التحذيرات الأميركية التي جاءت على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، والتي عبر فيها عن قلق بلاده من تهديدات إيرانية وشيكة للسعودية، حق لنا أن نسأل هل عملية بعث العنقاء الإيرانية ستكون كما تفترض الأسطورة عبر حرق نفسها قبل ولادتها الجديدة، أم أنها سوف تحرق معها جوارها الإقليمي سيما وأن الحرس الثوري خلال الأشهر الماضية استهدف مرات عدة كوردستان العراق بصواريخ باليستية ومسيرات انتحارية، كما قام بمناورات ضخمة على الحدود مع جمهورية أذربيجان ويعتقد بأنه استهدف سفينة تابعة لتاجر إسرائيلي في بحر عمان".
وتابع "صحيح أن الهاجس الأمني من سلوك النظام الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة ليس وليد هذا الحراك الثوري الحالي، بل نظام ولاية الفقيه منذ اليوم الأول لتسلمه الحكم عام 1979 من خلال تبني أطروحة تصدير الثورة المنصوص عليها دستورياً حاول العبث بأمن المنطقة".
وحذر الباحث المتخصص في الشأن الإيراني عارف نصر من هذه الأحداث، وقال "من الواجب أيضاً الوقوف أمام انعكاسات هذه الأحداث الملتهبة في إيران واستشراف أهم السيناريوهات التي من الممكن أن تحدث هناك بخاصة ونحن نمر في ظروف دولية متسارعة في ما يبدو ستغير معها كثيراً من قواعد اللعبة السياسية الإقليمية والعالمية على حد سواء".
تأثيرات إيجابية في المليشيات والأحزاب التابعة لإيران
وقال الكاتب السياسي محمد يحيى، إن الحراك الشعبي الذي تشهده إيران هذه الأيام والذي أفضى إلى بعض التغيرات في المشهد السياسي سيستمر بحكم أن كل هذا ليس سوى أولى ثمراته ويتواصل قطف الثمار بتصحيح المسار السياسي وسيحدث تغيرات جذرية في نظام الحكم في إيران.
لكن هل لهذا الحراك تأثير مباشر في دول الخليج وبقية الدول العربية بحيث تنتقل عدوى اللا استقرار إليها مع الوقت؟ محمد يحيى لا يعتقد أن ذلك ينطبق بصورة كاملة، ولكن قد يحدث تأثير، ولكنه متفاوت في درجاته وفي تأثيره في المشهد السياسي في دول الخليج حسب قربها وتداخلها مع الجارة إيران، فمثال العراق قد يكون أكثر تأثراً من باقي دول الخليج ليس لجوارها مع إيران فقط، ولكن لتداخلها الديني والاجتماعي مع إيران أكثر من غيرها.
وتابع "كما أن هناك ثلاث عواصم أخرى قد تتأثر، مثلاً بيروت ودمشق وصنعاء، ولكن التأثير قد يكون بشكل إيجابي بسبب مرض الأم وعدم استطاعتها دعم المليشيات والأحزاب الإرهابية"، ومن خلاله يفسر بعض التنازلات التي قدمها "حزب الله" في اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل.
ضربات إيرانية محتملة على الخليج
وأشار المتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج فرزين نديمي، أن النظام الإيراني لم يكتف بتشديد حملة القمع التي يشنها في الداخل، بل زاد من حدة خطابه التهديدي في الخارج أيضاً، ربما بهدف جر الأميركيين إلى جولة جديدة من التصعيد العسكري تعيد إلى الأذهان ما حدث في صيف عام 2019.
وهو ما أوشك على الحدوث عندما اتهم قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي في أكتوبر (تشرين الأول) الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية بلعب دور قيادي في الانتفاضة عبر "وسائل الإعلام الفارسية المدمرة" مثل "صوت أميركا"، و"راديو فاردا"، و "بي بي سي"، وشبكة "إيران إنترناشونال"، وفي اليوم التالي، وجه خامنئي اتهامات مماثلة إلى الثلاثي.
وما أثار القلق حينها أن النظام قد ربط أساساً هذا الخطاب مع تحرك عسكري ضد أهداف أجنبية، ففي سبتمبر بدأت القيادة الشمالية الغربية للقوات البرية للحرس الثوري في قصف معسكرات تابعة لأحزاب معارضة كوردية إيرانية شمال العراق باستخدامها المدفعية والصواريخ والقذائف والطائرات المسيرة.
واتهمت طهران هذه الجماعات بالتحريض على أعمال العنف في الجانب الآخر من القرى الحدودية الكوردية الإيرانية، وهي تهمة نفتها هذه الجماعات. يذكر أن ضربات "الحرس الثوري" تسببت في سقوط عديد من الضحايا معظمهم من المقاتلين الأكراد، لكن بعضهم كانوا من المدنيين أيضاً.
وأضاف نديمي "في نهاية شهر سبتمبر، أسقطت مقاتلة أميركية طائرة مسيرة إيرانية من نوع "مهاجر-6" التي أفادت بعض التقارير أنها كانت تقترب من أربيل، وفي اليوم التالي حذر رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقري، واشنطن من أن إيران سترد على أي أفعال أخرى تستهدف طائراتها المسيرة التي تنفذ أنشطة عسكرية فوق العراق عبر استهداف المنشآت الأميركية في القواعد العسكرية في حرير وأربيل ودهوك في الوقت الذي تراه طهران مناسباً"، وتساءل نديمي بعد كل هذه المعطيات "هل هناك هجوم قادم على غرار ذلك الذي شن ضد منشأة لمعالجة النفط في بقيق؟".
وأشار المتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج "أنه من غير الواضح ما إذا كانت طهران تعتقد فعلاً أن الحكومات الأجنبية تقف وراء الاحتجاجات، أم أنها تستخدم فقط مثل هذا الخطاب لتحويل الأنظار عن الاضطرابات التي تشهدها، وفي الحالتين قد تتمثل النتيجة بشن هجمات إضافية ضد أهداف خارجية.
وقد لا تصب إيران غضبها التضليلي هذا فقط على الجماعات الكوردية، فقد تكون دول الخليج في خطر أيضاً، وفي حين تلقي طهران اللوم على وسائل الإعلام العالمية الناطقة باللغة الفارسية المدعومة من دول (كما تزعم) بسبب دورها في الاحتجاجات، فقد ركزت بشكل خاص على القناة التلفزيونية الفضائية "إيران انترناشونال" ومقرها لندن، متهمة إياها بتلقي تمويل من الرياض وبأنها المحرك الرئيس للانتفاضة.