طوني فرنسيس
يرى روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في سوريا والجزائر أن احتدام الوضع حول أوكرانيا وإمكانية غزوها من جانب روسيا، يبشران بظهور "فرص جديدة أمام إيران" في منطقة الشرق الأوسط.
على مدى 43 سنة من حكم الملالي في إيران، كانت الفرص تتوالى أمام النظام الجديد بطهران لتنفيذ رؤيته في تصدير ثورته المذهبية. ولم ينجُ بلد من البلدان العربية المجاورة من "صادرات" إيران من دون إغفال الرغبة الخمينية بالتمدد والتأثير داخل البلدان الأخرى وعلى امتداد العالم، غير أن النتائج الكارثية لتلك السياسة ظهرت خصوصاً في عدد من البلدان العربية حيث يمكن التلاعب بالعواطف الطائفية نتيجة وجود شرائح تنتمي إلى المذهب الشيعي.
لم يقتصر "تصدير الثورة الخمينية" على تغذية مشاعر الانتماء الديني فقط. فتلك بديهيات في التأسيس لقيام تنظيمات مرتبطة بالمركز وتنادي بولاية الفقيه الإيراني، وتتراوح أيديولوجية تلك التنظيمات وأولوياتها بحسب الحاجة والاستفادة. فالمنظمات الإيرانية في البلدان العربية، خصوصاً القريبة من الصراع مع إسرائيل سيصبح شعارها المغري تحرير القدس، أما تلك المنظمات في البلدان الأبعد، فسترفع لواء الدفاع عن المقامات والمزارات، ويمكن بحسب الحاجة دمج الشعارات، فيرفع حوثيو اليمن لواء الموت لإسرائيل، فيما يقصفون السعودية، ويُنقل "فاطميون" من أفغانستان إلى سوريا للدفاع عن مقر السيدة زينب قبل إعادتهم إلى طهران للهتاف ضد أميركا التي تسعى إيران إلى اتفاق معها في جنيف.
لم تحظَ إيران بفرص التوغل في أنحاء المنطقة صدفةً، فقد عملت بمختلف الوسائل لإثبات وترسيخ حضورها، ومثلما أتاح صراعها واتفاقها النووي مع أميركا والغرب فرصاً جديدة لها، فإن سيرة الصراع ذاته التي تتكرر الآن، إلى جانب التوترات الدولية بخصوص أوكرانيا ستخلق لها فرصاً أخرى، يُخشى أن تكون أكثر خطورة وإساءة للدول العربية التي تعاني بالأساس التدخلات الإيرانية.
لم يُبدِ المرشد خامنئي اهتماماً كبيراً في خطابه الأخير في مشهد بالاتفاق النووي ومصيره، فالأزمة الدولية تغطي على مباحثات فيينا وحكومة المرشد تقتات على مثل هذه الأزمات. وبدلاً من التركيز على ما يجري في العاصمة النمساوية أو مسلسل الأزمات الداخلية، سجّل خامنئي إشادته بـ"السيد العزيز" حسن نصر الله بمناسبة مرور 30 سنة على تولّيه قيادة "حزب الله" اللبناني، في ما جزمت وكالة "مهر نيوز" الإيرانية أنه "الآن، من دون موافقة حزب الله، لن يتم انتخاب الحكومة في لبنان، وهذا يعني انتصار المسار المخطط له في لبنان".
وصولاً إلى فرض هذا الواقع الجديد في لبنان، اتبعت إيران وشجعت أسلوباً دموياً لم يقتصر على الاقتصاص من معارضي نظامها في الداخل، بل مضى إلى تصفية رموز قيادية عربية في دول النفوذ، ما سهّل لها مزيداً من الإمساك بمصائر هذه الدول.
لم يكُن اغتيال رفيق الحريري قبل 17 عاماً سوى حلقة في مسلسل الإجرام الإيراني على المستوى العربي، كانت نتيجته الوضع الذي يعيشه لبنان اليوم والفرح الإيراني بأن شيئاً فيه لا يتم من دون موافقة طهران. قبل اغتيال الحريري بعشرين عاماً، كلّفت طهران رجلها العراقي أبو مهدي المهندس محاولة اغتيال أمير الكويت الشيخ جابر الصباح في 1985. وفي المحاولة الفاشلة، جُرِّبت تقنية السيارة اليابانية الملغمة ذاتها التي ستستخدم لقتل الحريري في 2005. وفي مطلع 2017، قتل الحوثيون وسط ابتهاج إيراني حليفهم السابق الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بعد يوم من إعلانه إنهاء تحالفه معهم، ذلك التحالف الذي سهّل سيطرة طهران على صنعاء.
وبعد خمسة أعوام في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، كان على مصطفى الكاظمي، رئيس وزراء العراق أن ينجو من محاولة اغتيال ببصمات إيرانية لأنه تجرّأ على تنظيم انتخابات عامة أظهرت الحجم المتضائل للمنظمات الموالية لطهران.
لم يشهد العالم في تاريخه الاستعماري الحديث مثيلاً لما تنفذه إيران في غزوها، خصوصاً لبلدان المحيط العربي، وسياسة الاغتيالات وإزاحة الرموز الفاعلة هي ذروة في نهج بقي من دون عقاب، وخير مثال على ذلك إنهاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي أقرّها مجلس الأمن الدولي، عملها بإدانة عضو في "حزب الله" ثم الإقفال لفقدان التمويل، أما في مسألة الكاظمي وصالح، فلم يبقَ إلا ما تستعيده الذاكرة من حين إلى آخر.
اغتنمت إيران الخميني كل الفرص على أنواعها على امتداد 40 سنة من عمرها، وها هي تستعد وسط الأزمة الأوكرانية لفرص أخرى، فمن سيدفع الثمن، وهل سيُسمح لها بذلك.