تتسع رقعة احتجاجات طلبة جامعة البوسفور (بوغازيتشي)، أعرق الجامعات التركية في اسطنبول يوما بعد يوم ومعها تتعاظم موجة القمع والاعتقالات، ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الجمعة لاتهام معارضيه السياسيين بالوقوف وراء تأجيج تلك المظاهرات التي انطلقت قبل نحو شهر وأخذت منحى تصاعديا احتجاجا على تعيين أردوغان الأكاديمي المقرب من حزبه العدالة والتنمية مليح بولو، عميدا للجامعة.
وتهز هذه الاحتجاجات عرش أردوغان وأركان حكمه، فيما يروج لدستور جديد يعكف على إعداده حزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية، وسط تحذيرات من أن هذه الخطوة محاولة لزيادة نفوذه وتعزيز نهجه الاستبدادي.
وندد الرئيس التركي بتلك التظاهرات ووصف المحتجين بأنهم "أعضاء في جماعات إرهابية" في وقت اتسعت رقعة الاحتجاجات وسط حملة اعتقالات طالت المئات هذا الأسبوع.
وأُطلق سراح معظم الأشخاص الذين تم اعتقالهم، لكن الحملة الأمنية عطّلت جهود أردوغان لإصلاح علاقات تركيا بالغرب في وقت تواجه فيه بلاده صعوبات اقتصادية.
وانطلقت الحركة الاحتجاجية عندما قرر الرئيس تعيين أحد الموالين لحزبه عميدا لجامعة البوسفور (بوغازيتشي) المرموقة في اسطنبول مطلع العام، لكن رقعتها اتسعت لتشمل دعما من بعض القوى السياسية والاتحادات اليسارية.
وأُقحم السجال بشأن مجتمع المثليين في العاصفة السياسية عندما ندد أردوغان بالطلبة لتعليقهم عملا فنيا قرب مكتب العميد يظهر أعلام المثليين الملونة في مكة.
وقال معلقا على تلك التظاهرات التي اعتُقل خلالها العشرات في اسطنبول وغيرها من المدن الكبرى الخميس، يقودها عناصر أكراد "في الجبال" و"بعض العلماء".
وقال بعد حضوره صلاة الجمعة في اسطنبول إن "الأحداث التي شهدتها بوغازيتشي غير مرتبطة بطلابنا"، مشيرا إلى أن "السياسة هي التي تحرّك ما يحصل... لن نسمح بأن يتم +بيع+ الأطفال هناك إلى منظمات إرهابية".
وأثار تصريح أردوغان الأربعاء بشأن "عدم وجود شيء من قبيل" حركة لمجتمع المثليين في تركيا، تنديدات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وانتقدت واشنطن "بشدة" خطاب الرئيس التركي المناهض لمجتمع المثليين، بينما أشارت بروكسل إلى أن "خطاب الكراهية الصادر عن مسؤولين رفيعين... غير مقبول"، لكن أردوغان تمسّك بموقفه الجمعة.
وقال أمام مجموعة من أنصاره "لا تنصتوا لما يقوله هؤلاء المثليون"، مشيرا إلى أن لدى منتقديه في الغرب مشاكلهم الخاصة التي يتعيّن عليهم التعامل معها.
وتوجّه في خطابه إلى الولايات المتحدة قائلا "ألا تشعرون بالخزي حيال ما حصل بعد الانتخابات؟".
وقال متوجّها للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "لم يكن بمقدورك حل مشكلة احتجاجات (حركة) السترات الصفراء"، في إشارة إلى الاحتجاجات التي شهدتها فرنسا في أواخر 2018، مضيفا "لا مشكلات من هذا النوع لدينا هنا".
وأردوغان متعود على التعامل مع مثل هذه الأزمات، لكن الأزمة الأخيرة مختلفة على جميع الأصعدة فهي تأتي فيما تئن تركيا تحت وطأة مشاكل اقتصادية ومالية واحتقان اجتماعي كامن بسبب هذه الأزمات.
كما أنها تأتي فيما تكابد تركيا لتهدئة التوتر مع الشركاء الأوروبيين والولايات المتحدة مدفوعة بمخاوف من عقوبات قاسية قد ترهق الاقتصاد التركي وتدفعه إلى هوّة عميقة.
وفي العام 2013 حين كان أردوغان رئيسا للوزراء تعامل بالحديد والنار مع مظاهرات انطلقت احتجاجات على خطة معمارية لتغيير طبيعة منتزه جيزي وهي الاحتجاجات التي قتل وأصيب واعتقل فيها العشرات.
وحينها لم تكن منصات التواصل الاجتماعي بالفاعلية وقوة التأثير والحشد والتنظيم كما هو الحال الآن والتي تكشف لحظة بلحظة كل عمليات القمع والاعتقالات، بينما اعتمدت أنقرة سابقا سياسة تعتيم مشددة.