بازبدە بۆ ناوەڕۆکی سەرەکی

سوك يونغ يروي الحب المجهض

هوانغ سوك يونغ
AvaToday caption
هذه الذكريات والوقائع تعكس وفاء الراوي لأصدقائه، وحرصه على الوقوف معهم في الملمات، وسعيه إلى التخفيف عنهم، والمساهمة في تحقيق رغباتهم، فإن واقعة أخرى تعزز هذا الاستنتاج
posted onFebruary 3, 2021
noبۆچوون

حين يصطدم الحب بالطموح، لا بد لكليهما، أو لأحدهما، على الأقل، أن يدفع الثمن. ويكون على المحب الطموح أن يخلص لحبه فيتخلى عن طموحه، أو يتعلق بطموحه ويدوس على حبه، والخياران أحلاهما مر. وحين يصطدم الحب بضيق ذات اليد، وانعدام فرص العمل، وانسداد الأفق، قد يودي بصاحبه إلى الانتحار، ما يجهض الحب، ويجعل منه مجرد مشروع، لا يؤتي أكله، ولا تدنو قطوفه. من هذه الشرفة المزدوجة، نطل على رواية "ذات يوم كنا حبيبين" (الدار العربية للعلوم - ناشرون) للروائي الكوري الجنوبي هوانغ سوك يونغ، الذي يعد أكثر الكتاب الآسيويين شهرة في العالم المعاصر، ومن أكثرهم نشاطاً في الدفاع عن حقوق الإنسان.

"ذات يوم كنا حبيبين"، العنوان يشي بأن الحب حدث في زمن ماضٍ، وأصبح مجرد ذكرى. و"ذات يوم كنا حبيبين"، المتن، رواية تعكس اصطدام الحب بالطموح، والمضاعفات المترتبة على ذلك، وانعكاسها على طرفي علاقة معينة. وتعكس تأثير الظروف الاجتماعية القاسية على طرفي علاقة أخرى، ما يحول دون أن تبلغ خواتيمها المنشودة. وإذا ما علمنا أن هذا الاصطدام يتمخض عن غلبة الطموح على الحب وتحول الأخير إلى ذكرى، وأن ذلك التأثير يقف حائلاً دون تحوله إلى واقعة، وبالتالي إلى ذكرى، نستنتج ملاءمة العنوان للمتن.

ثمة سلكان سرديان ينتظمان الرواية، ويتناوبان على الحضور النصي بوتيرة خمس وحدات سردية لكل منهما، أحدهما يمثل الطموح الذي يقتل الحب، والآخر يمثل الحب الذي لم يرَ النور. والسلكان يتقاطعان في الوحدتين السرديتين، الأولى والأخيرة، بشكل مباشر أو غير مباشر، وينفصلان في الوحدات الأخرى، ولكل منهما راوٍ خاص يتمحور حوله، يروي من خلاله حكايته وجوانب من حكايات الآخرين الذين يتعالق معهم، أو يشهد عليهم، أو يسمع عنهم. وبذلك، يجمع الراوي الواحد بين وظيفتي الشريك والعليم، في آنٍ. على أن العلاقة بين السلكين يغلب عليها التوازي، ولولا نقاط التقاطع القليلة بينهما، لقلنا إننا إزاء حكايتين اثنتين في رواية واحدة، غير أن الكاتب في الوحدة السردية الأخيرة يتخذ من أحدهما، في خطوة مفاجئة، وسيلة لتفسير الآخر، فيلتقي المتوازيان، وهو أمر يجوز في الأدب، وإن كانت الرياضيات لا تجيزه.

يبدأ السلك الأول، على المستوى النصي، بتسلم بارك مينوو، المهندس المعماري وصاحب شركة تنظيم مشاريع معمارية، قصاصة من إحداهن، فور انتهائه من إلقاء محاضرة في قاعة عامة، في سيول، وتلقيه رسالة نصية من أخرى. تشكل الواقعتان نقطتي انطلاق سرديتين للشخصية، تجعلها تتحرك خارجياً وداخلياً في وجهة معينة، وتتحرك داخلياً فحسب في وجهة أخرى. فالرسالة النصية التي يتلقاها من زوجة يوون بيونغوم، رفيق الطفولة وزميل الدراسة الابتدائية والمهندس الإنشائي والنائب، تدفعه إلى التوجه نحو يونغسان للاطمئنان على زميله الداخل في غيبوبة والمشارف الموت. وتدفعه إلى استعادة ذكرياتهما المشتركة جارين صغيرين في البلدة الصغيرة، يفصل بين بيتيهما جدار حجري، يلعبان معاً، ويغامران معاً، ويرتادان المدرسة نفسها، حتى إذا ما افترقا بعد مغادرة أسرة الراوي البلدة، يكون لكل منهما مساره، ومصيره. يمتلك بيونغو شركة مقاولات، ويصبح نائباً ينخرط في عمليات فساد ما يجعله موضع تحقيق جنائي، ويصبح مينوو، المتحدر من أسرة فقيرة، مهندساً معمارياً يمتلك شركة تصميم مشاريع معمارية.

هذه الذكريات المستعادة التي تمظهر حركة الشخصية في الزمان باتجاه الماضي تتعاكس مع الوقائع التي تمظهر حركتها في المكان باتجاه المستقبل، فترصد التحولات الكبرى التي طرأت على بلدة يونغسان في السنوات الخمس عشرة الأخيرة، في إطار عملية تمدين الريف التي كانت للراوي مساهمته فيها. وإذا كانت هذه الذكريات والوقائع تعكس وفاء الراوي لأصدقائه، وحرصه على الوقوف معهم في الملمات، وسعيه إلى التخفيف عنهم، والمساهمة في تحقيق رغباتهم، فإن واقعة أخرى تعزز هذا الاستنتاج، فحين يعلمه زميله في المكتب سونغ أن زميلهما الآخر كيم يونغ يمضي أيامه الأخيرة، يقرر الانضمام إلى الأصدقاء الذين يزمعون الترفيه عنه واصطحابه في رحلة ليوم واحد إلى جزيرة غانغوا، ويسهم في التحضير للمعرض التكريمي الذي يجمع تصاميمه، ويحضر الافتتاح.

الواقعة الأخرى المتمثلة بتسلمه قصاصة ورقية من إحداهن تفتح ذاكرة الراوي على علاقة حب عاشها مع تشا سونا، الصبية الجميلة العاملة في متجر البوليز، في حي موون هولو بعد رحيل أسرته إلى سيول، وهي علاقة تتعدد تمظهراتها؛ يخرجان معاً إلى المكتبة عدة مرات، يتسكعان معاً أيام العطلة، ويتبادلان إنتاج أسرتيهما الغذائي، فيأتيها بكعك السمك، وتعطيه البوليز. غير أن هذه العلاقة الوليدة تصطدم برغبته في مغادرة الحي، ومتابعة الدراسة الجامعية، ويأتي عمله معلماً مقيماً لدى أسرة جنرال، ونجاحه في العمل ليزيد الطين بلة، فيفتح له الجنرال باب السفر إلى الخارج لمتابعة الدراسة، وتفتح له زوجة الجنرال باب الارتباط بابنة سفير متقاعد تدرس في الخارج بدورها. وبذلك، يطيح الطموح الحب. هذه الوقائع والذكريات تتقاطع مع حكاية تشا سونا التي أرسلت إليه، فشغلت صفحات طويلة ضمن هذا السلك السردي، وشكلت حكاية داخل الحكاية، تتكاملان وتتقاطعان لتشكلاً معاً حكاية الحب الذي قتله الطموح.

هنا، تتكشف جوانب أخرى من الشخصية الراوية تتمثل في تغليب العقل على العاطفة، والطموح على الحب، والمصلحة على المبدأ، ما يتمخض عن شخصية براغماتية، تعرف ما تريد، وتسعى إلى تحقيقه بكل ثقة بالنفس، الأمر الذي يفسره نجاحها المهني. غير أن اختتام الراوي حكايته في نهاية الرواية بالقول: "وقفت هناك، في منتصف رصيف ما عرف سابقاً بهولو موون، كرجل ضل طريقه" (ص 175) يشي بأن النجاح المهني لا يعصم صاحبه من الفراغ العاطفي، ولا يغني عن الحب، فليس بخبز النجاح وحده يحيا الإنسان، على حد عبارة الكتاب المقدس بتصرف.

السلك الثاني في الرواية يتمحور حول جونغ ووهي، المخرجة المسرحية والكاتبة المبتدئة، التي تروي حكايتها الخاصة وجوانب متفرقة من حكايات آخرين أتيح لها أن تلتقيهم وتتفاعل معهم. وفي هذه الحكاية، نقف على معاناتها في الدراسة وعدم قدرتها على تسديد الأقساط الجامعية، ورفض أسرتها أن تقوم بدراسة المسرح. ونقف على معاناتها في العمل من جراء: فوقية مدير المسرح، وشح الدخل، واضطرارها إلى العمل ليلاً في مطعم وجبات سريعة، وهدرها الجهد في التصحيح والتحرير لدى دار نشر صغيرة. ونقف على فشلها في الحب مرتين متتاليتين.

في غمرة المعاناة، يأتي تعرفها إلى كيم مينوو، زميلها في العمل في مطعم الوجبات السريعة، الذي يدعمها ويهتم بها ويساعدها في تحصيل حقها من مدير المطعم، ليوحي بإمكانية حصول تحول نوعي في مسار حياتها، لا سيما أنه يعرفها إلى أمه، وتقوم بين الاثنتين علاقة صداقة ومودة. غير أن إقدامه على الانتحار، في إطار عملية انتحار جماعي، يطيح هذه الإمكانية، ويجدد معاناتها، وإن بطريقة مختلفة. وهنا، تعبر الراوية ووهي عن أصالتها ووفائها، تقف إلى جانب الأم الثكلى، تشاركها حضور حرق الجثة، ونثر رمادها، وتلازمها بعض الوقت. وإذ تموت الأم، بعد أشهر من انتحار ابنها، تعثر على مذكراتها، وتقف على تفاصيل العلاقة التي ربطتها بالحبيب القديم الذي تخلى عنها لطموحه، فتنتحل صفتها، وترسل إليه بملخص المذكرات، وتضرب له موعداً في فندق معروف حتى إذا ما وافاها إليه لا يجدها، ويغرق في ذكرياته.

وبذلك، تنتقم ووهي لصديقتها الراحلة سونا، ولو بعد فوات الأوان، لينتهي به المطاف واقفاً "في منتصف رصيف ما عرف سابقاً بهولو موون، كرجل ضل طريقه" (ص 175). هنا، يتقاطع السلكان السرديان للمرة الثانية، بعد تقاطع أول في بداية الرواية حين نكتشف أن ووهي هي التي قامت بتسليم بارك مينوو قصاصة الورقة التي كتبت عليها اسم تشا سونا ورقم هاتفها، في محاولة منها لإصلاح ما أفسد الدهر بين من كانا ذات يوم حبيبين. غير أن للقدر في الناس شؤوناً أخرى.

وهكذا، يذهب الحب ضحية الطموح في السلك الأول، وضحية الظروف القاسية في السلك الثاني. وفي الحالتين، يدفع الإنسان الثمن.