سارعت الشرطة الإيرانية للإعلان عن فتح تحقيق في مقتل شاب بمدينة مشهد بعد أن تعرض للتعذيب على أيدي عناصر أمنية لنحو 45 دقيقة بعد أن تم تقييده في عمود كهربائي ورشقه برذاذ الفلفل وصعقه مرارا بصاعق كهربائي وضربه على أماكن مختلفة من جسده.
وتشبه حادثة مقتل شاب مشهد على أيدي الشرطة إلى حدّ كبير حادثة مقتل جورج فلويد الأميركي الأسود الذي توفي اختناقا بينما كان شرطي يدوس على رأسه ورقبته لمدة 9 دقائق تقريبا رغم أنه ظل يتوسل إليه ويبلغه أنه يعاني من ضيق التنفس إلى أن فارق الحياة.
ونادرا ما تعلن السلطات في إيران التحقيق في مثل هذه الحوادث المتكررة سواء في الشوارع أو داخل السجون، لكنها هذه المرة وجدت نفسها مجبرة بعد أن تم نشر شريط فيديو يظهر مدى الوحشية التي تعاملت بها الشرطة في مشهد مع مواطن أعزل. كما يأتي بعد نحو أسبوع أو أكثر من نشر شريط فيديو مماثل لامرأة تتعرض للضرب والتعذيب في عبادان.
وتخشى إيران من أن تشعل الحادثة احتجاجات واسعة وانتقادات غربية لممارسات القمع في دولة تحتل مركزا دوليا متقدمة جدا للدول صاحبة اكبر سجل في التعذيب والأكثر قمعا للحريات.
ولا توجد مبررات لتعذيب شاب مشهد حتى الموت ولا لضرب فتاة عبادان في الشارع على مسمع ومرأى من العامة، فكلاهما كان أعزل ولا يشكل أي خطر استدعى ذلك التعامل الذي وصفه إيرانيون بالوحشي.
ويأتي الإعلان النادر عن تحقيق داخلي تجريه سلطات تطبيق القانون، بعد نحو أسبوعين من قرار للسلطة القضائية بحظر أي شكل من أشكال التعذيب ومخالفات أخرى غير قانونية، وتوجيه رئيسها آية الله إبراهيم رئيسي انتقادات إلى ممارسات قام بها أفراد من الشرطة في الفترة الأخيرة.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية 'إرنا' عن محمد كاظم تقوي قائد شرطة محافظة خراسان رضوي حيث تقع مشهد، قوله إن الشرطة فتحت تحقيقا على إثر تقارير إعلامية خارج إيران "عن وفاة رجل وتداول صور لدى توقيف المشتبه به والزعم بأنه تم تسميمه باستخدام رذاذ الفلفل".
وأضاف "تم إصدار أوامر خاصة للتحقيق سريعا في المسألة وتبيان ماذا حصل وكيف"، معبرا عن أسفه لـ"الحادث"، متجنبا الحديث عن عملية قتل تحت التعذيب ومشددا على أن نتائج التحقيق ستعلن قريبا.
ولم يقدم تقوي تفاصيل إضافية أو اسم الرجل الذي كان يتم توقيفه، لكن موقعا إخباريا إيرانيا معارضا نشر تفاصيل ما حدث ونقل عن شقيق الهالك رواية تشير إلى تعذيب وحشي.
وبحسب موقع 'إيران إنترناشيونال' فإن الشاب القتيل يدعى "مهرداد سبهريو يقطن في بلدة حجت التابعة لمدينة مشهد وأنه جرى تكبيل يديه وتعذيبه بالصاعق الكهربي ورذاذ الفلفل مرارا وتكرارا".
ونقل المصدر ذاته عن شقيقه مهرداد سبهري قوله "تعرض مهرداد للضرب على أيدي رجال الشرطة لمدة 45 دقيقة وتوفي قبل نقله إلى المستشفى وعليه آثار التعذيب والضرب في أنحاء مختلفة من جسده"، متسائلا "لماذا تعاملت الشرطة بهذه الطريقة مع مثل هذا الشخص الأعزل؟".
وزعمت وكالة فارس أن رد فعل الشرطي الذي ظهر في شريط فيديو وهو يرش الضحية برذاذ الفلفل، جاء بعد أن تعرض للشتم من قبل الشخص الموقوف التي توفي لاحقا اختناقا برذاذ الفلفل، في إشارة إلى مهرداد سبهريون.
ونقلت (إرنا( السبت عن مسؤول في السلطة القضائية للمحافظة، قوله إن عائلة الرجل تقدمت بشكوى بعد وفاته.
وبحسب المسؤول مهدي أخلاقي، سيتم أخذ عينات من رئة الضحية بعد التشريح "لتحليل تأثير الرذاذ في وفاته".
وكشفت السلطة القضائية منتصف الشهر الحالي عن أوامر بحظر التعذيب واللجوء إلى "الاعترافات المنتزعة بالقوة" والسجن الانفرادي والاحتجاز غير القانوني لدى الشرطة وانتهاكات أخرى لحقوق المتهمين، بحسب وثيقة نشرها موقع "ميزان أونلاين" الالكتروني التابع لها.
وشددت الوثيقة التي حملت توقيع رئيسي على "الشفافية" في العملية القضائية، بما يشمل حق حرية اختيار محام و"مبدأ قرينة البراءة". كما تضمن للأجانب "حق التواصل مع قنصلية" بلادهم.
وأتى نشر الوثيقة بعد نحو أسبوع من انتشار مقاطع فيديو على مواقع التواصل تظهر عناصر شرطة وهم يتعاملون بالشدة مع موقوفين على متن شاحنات صغيرة في شارع يعجّ بالمارة، تم التداول بأنه في طهران.
وبدا الموقوفون في هذه المقاطع التي أثارت جدلا واسعا، وهم يرغمون على الاعتذار عن "الأخطاء" التي يقولون إنهم ارتكبوها.
واعتبر رئيسي حينها أن هذه الأفعال تعدّ "انتهاكا للحقوق المدنية"، بحسب ما نقل عنه موقع "ميزان أونلاين".
وأمر رئيسي باتخاذ إجراءات بحق المسؤولين عن هذه الانتهاكات، قائلا إنه "يُمنع بشكل مطلق الاعتداء على المتهمين حتى لو كانوا قطاع طرق".
وبدت لهجة المسؤول الإيراني مختلفة كثيرا عن الخطاب المعتاد ومحاولات التعتيم على جرائم تعذيب سابقة خاصة في السجون.
وتحاول السلطات بأوامر عليا احتواء موجة غضب كامنة في الشارع الإيراني وتجنب كل ما من شأنه أن يشعل الجبهة الاجتماعية خاصة وان إيران تتعرض لانتقادات وضغوط دولية شديدة على خلفية سجلها في انتهاك حقوق الإنسان.
كما أنها في غنى عن أي توترات اجتماعية في هذا الظرف الذي تعيش فيه أسوأ أزمة مالية واقتصادية على الإطلاق بسبب العقوبات الأميركية وتداعيات جائحة كورونا وتحتاج إلى تخفيف الضغوط الداخلية لتقليل جبهات المواجهة.