"حرب الناقلات"، تكتيك قديم استخدمته إيران أثناء حربها مع العراق في ثمانينات القرن الماضي، وها هي اليوم تعيد استخدامه للضغط على المجتمع الدولي، ومحاولة اثبات قادرتها على إلحاق أضرار اقتصادية بدول العالم.
ووفق تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنترست"، أعده سيباستيان روبلين، المتخصص في أبحاث التاريخ العسكري والأمني، فإن إيران تعرف أنها قد تدفع ثمنا باهظا في هذه المناورة، ولكنها ماضية بها حتى نهاية الطريق.
ويشير إلى أن حرب الناقلات تكشف أن طهران ترد عادة على أي ضغط أجنبي، باستهداف الناقلات والسفن التي تحمل بضائع قيمة تمر عبر مياه الخليج.
ويقول التحليل إن " من الواضح أن طهران تنفذ حاليا نوعا أقل عنفا" من التصرفات، مقارنة بما كانت تقوم به من استهداف الشحن البحري خلال نهاية الثمانينات، إذ أنها تعلم تماما أنها ستدخل في حرب "غير متكافئة" تستهدفها بـ"انتقام أكثر تدميرا" لها.
وتتعرض العديد من السفن وناقلات النفط التي تمر في الخليج إلى "عمليات تخريبية" مع تفاقم التوتر في منطقة الخليج، حيث تشير أصابع الاتهام إلى إيران، وسط إنكار من طهران.
وخلال الثمانينيات، شددت بغداد حصارها البحري لطهران بهدف خنقها، حيث ردت طهران حينها بمهاجمة سفن نفطية تتزود بموارد الطاقة من موانئ الدول الخليجية، حليفة العراق.
وتعطلت عمليات نقل النفط في 1984 عندما تعرضت أكثر من 500 سفينة للتدمير أو لحقت بها أضرار في "حرب الناقلات".
وبينما كان العراق يستهدف جزيرة "خرج" بغارات، اجتاز الإيرانيون للمرة الأولى شط العرب، وسيطروا على شبه جزيرة الفاو، بحسب تقرير سابق نشرته وكالة فرانس برس.
وخلال هذه الفترة أصبحت منطقة مضيق هرمز أشبه بساحة لإطلاق النار، استهدفت فيها ناقلات النفط، سواء بقصف ناقلات النفط التابعة لإيران من جهة، وناقلات النفط المحملة من الخليج من جهة ثانية.
وللتغلب على ما يحصل كانت العديد من الناقلات تغير الأعلام التي تحملها لتفادي الضربات الإيرانية، وبعضها ترافقها سفن حربية أميركية، والتي كانت ناقلات كويتية على الأغلب.
وكانت الناقلة "بريدجتون" الكويتية، أول ناقلة تتمتع بحراسة أميركية، حيث تراجعت طهران عن تهديداتها لها بعدما أرسلت طائرات فانتوم إيرانية باتجاهها، وهو ما جعلها تعيد حساباتها، ولكنها كانت قد تعرضت للارتطام بلغم بحري، تسبب في ضرر بـ 5 خزانات للبضائع من 31 خزان تملكها الناقلة.
الحادثة التي طالت هذه الناقلة، جعلت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وهولندا وإيطاليا تعيد نشر سفن حربية في الخليج، وبما يضم سفن كاسحة للألغام لتفادي تكرار ما حدث، حيث استضافت قواعد عائمة كويتية في وقتها.
مضيق هرمز
وتهدد إيران مرارا بإغلاق المضيق الذي تمر عبره نحو 35 بالمئة من إمدادات النفط العالمية، في حال وقعت حرب مع الولايات المتحدة أو تطورت التوترات في الخليج على نحو خطير، بحسب تقرير سابق لوكالة فرانس برس.
ويربط مضيق هرمز الخليج ببحر العرب والمحيط الهندي، ويعتبر ممرا رئيسيا للنفط والتجارة بين الخليج ودول آسيوية.
وإلى جانب امدادات الخام، تمر عبر مضيق هرمز مواد تجارية غير نفطية بمليارات الدولارات، ما يجعل من المضيق أحد أهم الطرق الملاحية في العالم.
ومن المحتمل أن يؤدي إغلاق المضيق إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط قد يدفع ببرميل النفط إلى عتبة 100 دولار، وإلى اضطرابات في الأسواق العالمية، إذ إن دول الخليج الست وإيران والعراق تنتج معا حوالي ربع كمية الإنتاج العالمي اليومي البالغة 100 مليون برميل.
وتمر صادرات هذه الدول جميعها بنحو 15 مليون برميل يوميا أو ما يعادل ثلث الإنتاج العالمي، عبر مضيق هرمز البالغ طوله نحو 50 كلم والواقع بين إيران وعمان.
وعملت دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، على إيجاد طرق بديلة لتجنب المضيق.
وفي حال أغلق المضيق، ستكون دول الخليج أكبر الخاسرين، لكن الأضرار ستطال أيضا الأسواق الآسيوية وخصوصا الصين واليابان وكوريا الجنوبية التي تعتمد على صادرات الشرق الأوسط لتأمين أكثر من نصف احتياجاتها من الطاقة.
إسرائيل تدخل على خط المواجهة
قال مسؤولون أميركيون وإقليميون إن إسرائيل استهدفت ما لا يقل عن 12 سفينة متجهة إلى سوريا، تنقل في الغالب نفطا إيرانيا، خشية استخدام أرباح النفط لتمويل التطرف في الشرق الأوسط، بحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال نشرته مطلع مارس.
وقالت الصحيفة إن هذه التحركات العسكرية الإسرائيلية هي بمثابة جبهة جديدة للصراع بين إسرائيل وإيران، مشيرة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن هذه الهجمات.
وكان مسؤولون إيرانيون قد تحدثوا فقط عن شكوك في أن بعض هذه الهجمات إسرائيلية.
"لذلك وضعت إيران المعادلة التالية، سلمونا المال، نسلمكم السفينة، فرغم ادعاءات الحرس الثوري بأن سبب احتجاز السفينة هو تلويث البيئة، فإن حقيقة الأمر أن إيران تستخدم السفينة كورقة ضغط".
وأوضح التقرير أنه منذ أواخر عام 2019، شنت إسرائيل عمليات باستخدام أسلحة، كألغام المياه، لضرب السفن الإيرانية أو تلك التي تحمل شحنات إيرانية أثناء توجهها نحو سوريا في البحر الأحمر وفي مناطق أخرى من المنطقة.
واستهدفت بعض الهجمات البحرية أيضا منع إيران من نقل شحنات أخرى غير نفطية بما في ذلك الأسلحة عبر المنطقة، وفقا لمسؤولين أميركيين.
ومن بين عشرات الهجمات على السفن التي تحمل النفط الإيراني، ثلاث وقعت في عام 2019، وفقا لخبير شحن، وقال خبير شحن آخر في طهران إن السفن الإيرانية استُهدفت ست مرات عام 2020.
وأضاف أن طهران التزمت الصمت بشأن الهجمات، لأن الإعلان عنها سيبدو كأنه "علامة ضعف، إذا شكت وفشلت في الرد عسكريا".