أثارت خطوات رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي خلال الأسبوع الأول من توليه رئاسة الحكومة حفيظة إيران، بعد شروعه مبكرا في محاولات كبح نفوذها، وهو ما قوبل من طهران بمزيد من الضغوط والأزمات لعرقلته.
ورغم تحركه ضد مليشيا "ثأر الله" الإرهابية في البصرة جنوبي العراق واعتقال مسلحيها إثر اطلاقهم النار على المتظاهرين الذي أسفر عن قتل متظاهر وإصابة آخرين، وغلق مقرها إلا أن التحركات الإيرانية الواسعة في العراق تشير إلى أن الكاظمي مازال أمامه طريق طويل للحد من نفوذ هذه المليشيات.
وفي أول ردة فعل من جانب النفوذ الإيراني، هاجم رجل الدين المتشدد علي الكوراني، المقرب من مليشيا حزب الله اللبنانية الإرهابية، الكاظمي واتهمه بتنفيذ أجندات أمريكية.
وقال الكوراني، وهو شقيق المرشد الروحي السابق لمليشيا حزب الله، في شريط مصور نشر على صفحات تابعة للمليشيات الإيرانية بمواقع التواصل الاجتماعي، إن "رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مرضي عنه من قبل أمريكا لأنه سينفذ خطة إنهاء الحشد الشعبي في العراق".
ودعا الكوراني زعيم مليشيات بدر، هادي العامر، ومقتدى الصدر زعيم التيار الصدري إلى التصدي للكاظمي ومنعه من تنفيذ خطته.
ومع أن الكاظمي يتمتع بعلاقات جيدة مع المسؤولين الإيرانيين ومع الجانب الأمريكي أيضا، إلا أن محاولاته لحصر السلاح بيد الدولة وتعزيز دور القوات الأمنية العراقية خاصة الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب جعلته في مواجهة نفوذ ظهران.
فحالة الضعف التي يشهدها العراق بسبب السيطرة الإيرانية على غالبية مفاصل الدولة تجعل مهمة الكاظمي صعبة جدا.
واعتبر المختص بالشأن العراقي عبدالقادر النايل، أن الخطوات التي اتخذها الكاظمي خلال الأيام الماضية ليست إجراءات يمكن أن تحد من النفوذ الإيراني وهيمنته على العراق.
وأضاف النايل تصريحات صحفية "مازالت تحركات إيران واسعة، واتضح هذا من خلال معلومات كشفت عنها مصادر وصور الأقمار الاصطناعية التي أظهرت أرتالا للمليشيات وهي تنقل مسلحين إلى قاعدة الإمام علي في دير الزور قرب الحدود العراقية السورية".
ولفت إلى أن "هذه المعلومات كشفت مؤخرا أن إيران ومليشياتها على وشك الانتهاء من نفق جديد تحت الأرض يخترق الحدود لتسهيل عملية نقلهم، ومازالت المليشيات نافذة في العراق والاقتصاد العراقي مرهون لإيران".
وأضاف النايل أن "المناكفات عبر مواقع التواصل الاجتماعي من مليشيات إيران ومن الكوراني، والكوثراني المسؤول والمشرف على قاعدة جرف الصخر (أحد أكبر القواعد العسكرية للحرس الثوري في العراق) يثير خشية البعض أنها تلاعب بالأدوار كي تقتنع الغرب وأمريكا بأن الكاظمي يتحرك ضد إيران وأن المحور الإيراني منزعج منه وبالتالي يتيح لإيران سرية التحرك بشكل أوسع".
وأوضح أن "ما يحدث يشير إلى ضعف الكاظمي لأنه لا يمتلك حزبا قويا فهو ضعيف أمام الأحزاب ومن جهة أخرى لا توجد مؤسسة عسكرية يعتمد عليها للتصدي لنفوذ إيران ومليشياتها فجميع التشكيلات العسكرية مخترقة لصالح إيران وهذا ما ستكشفه الأيام المقبلة بشكل صريح".
وشدد على أن "الاختبار الحقيقي للكاظمي هي الاتفاقية الأمريكية القادمة التي ستبدأ مشاوراتها منتصف يونيو/حزيران المقبل التي ستبحث بقاء القواعد الأمريكية وطريقة عملها داخل العراق وخارجه، فضلا عن تحديد العلاقات لاسيما أن إيران ومليشياتها تبحث عن التهدئة في هذه الأشهر لتمهيد المفاوضات المباشرة بين واشنطن وطهران".
وأشار الى أن "محاولات طهران هذه تأتي ضمن مساعيها لكسب الوقت لأن النظام الإيراني يتوقع فوز الديمقراطيين الأمريكيين الذين تربطهم علاقات جيدة به".
واعتبر أن "الكاظمي أضعف من أن يواجه النفوذ الإيراني في الوقت الحاضر دون أن تكون هناك جدية أمريكية في إنهاء التسلط الإيراني في المنطقة".
وتعتبر مليشيا ثأر الله واحدة من الفصائل المسلحة المنضوية في ميليشيات الحشد الشعبي المكونة من نحو 70 فصيلا مسلحا تتبع غالبيتها العظمى نظام طهران.
وتشرف مليشيا فيلق القدس جناح الحرس الثوري الإيراني الخارجي على قيادتها وتسليحها واستخدامها في العمليات الإرهابية التي تنفذها إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وتمكنت مليشيات الحشد الشعبي خلال السنوات الماضية التي أعقبت سقوط نظام حزب البعث في العراق عام 2003 من التوغل في مفاصل الدولة العراقية بمساعدة إيران ونفوذها، واستولت على الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية العراقية وباتت المتحكمة بكافة القرارات الصادرة عن الحكومة العراقية داخليا وخارجيا.
وأدخلت المليشيات العراق في دوامة صراعات عديدة أسفرت عن ولادة العديد من الأزمات الواحدة تلو الأخرى التي جعلت العراق على حافة الهاوية.
وبحسب مراقبين للشأن العراقي تواصل هذه المليشيات جر العراق نحو الانهيار بسياساتها التي تسعى إلى عزل العراق عربيا ودوليا ليكون لقمة سائغة لإيران ومشاريعها التوسعية في المنطقة.
بدوره، قال المحلل السياسي العراقي علي البيدر إن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي جاد في تحجيم الكثير من الجهات السياسية والأمنية.
وأوضح أن "عملية التصدي لفصيل ثأر الله المسلح في البصرة أظهر جدية الكاظمي مواجهة التحديات التي تقف في طريقه، والسيطرة على الوضع الأمني يحتاج إلى شيء من الحزم والكاظمي رجل مخابرات لذلك يحاول مسك العصا من الوسط كي لا تسقط من يديه أو تميل باتجاه أحد الأطراف".
وأكد البيدر أن الكاظمي "لا يمكنه الاصطدام مع الفصائل والجهات التي تمتلك إمكانيات عسكرية وقتالية تفوق ما تمتلكه بعض المؤسسات الأمنية العراقية"، مبينا أن "الوضع الراهن يطلب من الكاظمي استخدام القوة الناعمة في العملية الإصلاحية".
وأشار الى أن "الكاظمي يتعرض لضغوطات داخلية وإقليمية ودولية وهذا من شأنه أن يشتت تركيزه في عملية الإصلاح، فهو بحاجة الى مستشارين أكفاء لدعم جهوده في إنجاح مهمته".
وكان الكاظمي أكد في أول لقاء مع سفير طهران، أن "العراق لن يكون ممرا أو مقرا للإرهاب أو منطلقا للاعتداء على أية دولة أو ساحة لتصفية الحسابات".
وشدد، في تصريحات خلال لقائه مع السفير الإيراني في بغداد، إيرج مسجدي، على أن العراق حريص على إقامة أفضل العلاقات مع جميع دول الجوار بما يخدم مصالح الشعبين الجارين والأمن الاستقرار في المنطقة".