يناقش ثلاثة من خبراء الرأي العام ما تكشفه استطلاعات الرأي التي أُجريت في بعض الدول العربية في مارس وأبريل عن المواقف المحلية تجاه السياسة الأميركية.
في 28 أبريل الماضي، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع ديفيد بولوك وكاثرين كليفلاند ومنقذ الداغر. وبولوك هو "زميل برنشتاين" في المعهد ومدير "منتدى فكرة". وكليفلاند هي "زميلة واغنر فاميلي" في المعهد ومديرة تحرير "منتدى فكرة". والداغر هو مدير "قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" في "مؤسسة غالوب الدولية".
نشر "معهد واشنطن" ملخص ملاحظاتهم على هذا النحو:
ديفيد بولوك
أظهرت استطلاعات الرأي التي أجراها "معهد واشنطن" في مارس الماضي قبل بداية شهر رمضان نتائج صادمة في مصر والأردن والكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتسمح المنهجية المتّبعة في الاستطلاع بإضفاء المصداقية على هذه النتائج غير المألوفة، إذ شملت ألف فردٍ تم اختيارهم عشوائياً من كل دولة وأُجري الاستطلاع معهم من خلال مقابلات شخصية، وكل ذلك بمراعاة أقصى قدر من السرية وعدم الكشف عن هويتهم.
وفي دول الخليج الثلاث التي شملها الاستطلاع (الكويت والسعودية والإمارات)، كانت هناك ثلاثة توجهات واضحة: يعتبر سكان هذه الدول أن أهمية علاقات حكوماتهم مع روسيا تساوي أهمية علاقاتها مع الولايات المتحدة أو تفوقها، ويرى 50 في المئة منهم أو أكثر أن الولايات المتحدة هي شريك غير موثوق به في الشؤون العالمية، كما لا يرى 75 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع أي فائدة من المساعي الأميركية لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران.
ومن حيث النفوذ الإقليمي، اعتبر 16 في المئة فقط من السكان الذين شملهم الاستطلاع في هذه الدول الخليجية أن العلاقات مع إيران مهمة. وكانت النتائج أكثر اختلافاً بالنسبة للعلاقات مع القوى العظمى - فقد أشار السعوديون والإماراتيون إلى أن روسيا والصين تقوضان شيئاً فشيئاً النفوذ الأميركي في المنطقة، إلّا أن الكويتيين رأوا أن أهمية هذه القوى الثلاث متساوية تقريباً.
وأظهرت النتائج في مصر والأردن تفاؤلاً أكبر من ناحية التصورات المتعلقة بالولايات المتحدة، إلا أنها كشفت أيضاً عن إخفاقات رئيسية في محاولة توسيع نطاق التطبيع العربي مع إسرائيل ليتجاوز المرحلة الرسمية ويحظى بالدعم الشعبي. وفي حين تنظر أكثرية المصريين إلى روسيا والولايات المتحدة كشريكان يتمتعان بنفس القدر من الأهمية، إلّا أن غالبية الأردنيين يعتقدون أن الحفاظ على العلاقات بين الولايات المتحدة والأردن هو أمر مهم. ومع ذلك، فإن 10 في المئة فقط من السكان لديهم نظرة إيجابية لـ "اتفاقيات إبراهيم" أو يعتقدون أن أبناء بلدهم يجب أن يتمكنوا من إقامة علاقات تجارية مع الإسرائيليين.
كاثرين كليفلاند
على الرغم من مراعاة تفاوُت الأعمار في الاستطلاعات التي أُجريت في مارس، إلا أنه كان هناك القليل من الفروق الدقيقة في الآراء بين الشرائح العمرية. وفي المقابل، كانت هناك بعض الأمثلة الملحوظة على الفروق الدقيقة بين المجتمعيْن السني والشيعي. على سبيل المثال، بينما اعتبر معظم السنة أن التدخل الإيراني في المنطقة يضر بالسكان المحليين، إلّا أن الشيعة عارضوا هذا الرأي بأغلبية ساحقة.
إضافة إلى ذلك، بينما كانت نظرة معظم المجموعات الفرعية سلبية إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا، أيّد أكثر من 50 في المئة من الشيعة اللبنانيين هذا الغزو. وتزداد أهمية هذه النسبة نظراً إلى انقسام معظم السكان الذين شاركوا في الاستطلاع بشكلٍ متساوٍ تقريباً في آرائهم حول أيٍ من البلدين - روسيا أو الولايات المتحدة - قادر على حمايتهم بشكلٍ أفضل من الأعداء الخارجيين.
ومع ذلك، لم يولِ المستطلعون على وجه العموم أهمية خاصة للعلاقات مع إيران. ووفقاً لذلك، اعتبر أقل من الثلث في معظم البلدان أن إحياء الاتفاق النووي مع إيران هو أمر إيجابي.
منقذ الداغر
على الرغم من زيادة استثمار الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر من أي قوة عظمى أخرى، إلّا أن شعور اللامبالاة تجاهها يتفاقم لدى سكان المنطقة ولا سيما العراقيين. ففي أعقاب حرب العراق مباشرة عام 2003، فرح السكان الأكراد والشيعة إلى حدٍ كبيرٍ بالتدخل الأميركي الذي أطاح بدكتاتور لطالما كان يضطهدهم. إلا أن الضخامة الهائلة والتتابع السريع لأخطاء السياسة الأميركية في العراق سرعان ما أضعف هذه الشعبية الحاسمة المحتملة.
وقد تفاقم هذا الاتجاه في أعقاب الجهود المتتالية التي بذلتها إدارات أوباما وترامب وبايدن للانسحاب من المنطقة، كما اتضح مؤخراً في أفغانستان. ويرى السكان المحليون أيضاً أشكالاً أخرى من عدم الاهتمام لدى السياسيين الأميركيين.
وعكست استطلاعات الرأي التي أُجريت في العراق في نيسان/أبريل نتائج متعددة توصلت إليها استطلاعات "معهد واشنطن" في دول عربية أخرى. ففيما يتعلق بالمنافسة بين القوى العظمى، تُعتبَر الولايات المتحدة شريكاً غير موثوق به يعجز عن الحفاظ على قيمه وتحقيق أهدافه في المنطقة، بينما تُواصل الصين تحقيق أهدافها (وإن كانت أكثر محدودية) والوفاء بوعودها لشركائها في المنطقة.
ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تحظى باحترامٍ لا مثيل له في جهودها الرامية إلى دعم حقوق الإنسان والديمقراطية والحراك الاجتماعي، وتبقى أميركا الخيار المفضل للغاية للهجرة. على واضعي السياسات في الولايات المتحدة ألا يُخطئوا في التعامل مع هذه الذرّة الأخيرة من السمعة الطيبة، وعليهم الاستفادة منها لتحقيق الأهداف السياسية.