لم تقتصر ردود فعل عملية "قفل المخلب" التركية في أقليم كوردستان شمال العراق على الساحة السياسية والميدانية هناك، بل اخترقت الحدود ووصلت إلى مناطق شمال وشرقي سوريا (روجافا)، حيث تسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
وكانت مناطق سيطرة هذه القوات قد شهدت، قبل يومين، حوادث حرق لمكاتب ومقرات "المجلس الوطني الكوردي" وأحزابه، في وقت كان يتحضر الأخير لعقد جولة جديدة من "الحوار" مع نظيره "حزب الاتحاد الديمقراطي"، المهيمن سياسيا على المنطقة.
وبينما اتهم "المجلس الوطني" نظيره الكوردي بالوقوف وراء عمليات الاعتداء- وهي ليست الأولى من نوعها- نفى الأخير ذلك، واصفا ما يفعله الطرف الأول بأنه "عمالة وخيانة".
ويعرف "المجلس الوطني" بقربه الكبير من "الحزب الديمقراطي الكوردستاني" في أقليم كوردستان، والذي تحدثت عدة تقارير أنه "ينسّق" مع الجانب التركي في العملية العسكرية، التي أطلقت قبل أيام تحت مسمى "المخلب القفل" ضد مسلحي "حزب العمال الكوردستاني". المتمركزين في جبل قنديل المحصنة.
في المقابل يتهم "الاتحاد الديمقراطي" بالارتباط بـ"حزب العمال" المصنف على قوائم الإرهاب الدولية، وأنه بمثابة "الذراع السوري له".
ومن هذه المعادلة يرى مراقبون وأعضاء في أحزاب كوردية أن التوتر القائم بين الحزبين في روجافا مرده الأساسي تطورات أقليم كوردستان العراقي، إضافة إلى "شبكة ضغوطات معقدة تحكم مشهد الساحتين".
ومنذ مطلع عام 2021 يراوح الحوار الكوردي - الكوردي في سوريا مكانه؛ فما بين استمرار تبادل الاتهامات بـ"استفزازات" و"اعتداءات"، فشلت الأحزاب المنخرطة في الحوار، خلال الأشهر الماضية، في الوصول لنقطة التقاء، الأمر الذي جعل مستقبل هذا المسار أكثر ضبابية.
ورغم أن الحوادث الحالية التي تشهدها مناطق روجافا ليست بجديدة على المشهد، إلا أن ربطها مع تطورات كوردستان يثير الكثير من التساؤلات.
وكان من المقرر أن تعقد جولة حوار جديدة بين القطبين الكورديين، وبرعاية الولايات المتحدة الأميركية في الأيام المقبلة، لكن حوادث الحرق والتصعيد الكلامي قد تسفر عن عدم حدوث ذلك.
ونشر حساب السفارة الأميركية في دمشق بيانا عبر "تويتر"، الخميس جاء فيه أن "الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق من الهجمات الأخيرة على العديد من مكاتب المجلس الوطني الكوردي في شمال شرق سوريا".
وأضاف البيان: "لا مكان للترهيب والعنف في الخطاب السياسي، ونحث جميع الأطراف على الانخراط سلميا في السعي وراء قرارات تفيد جميع الأطراف المعنية".
ولم تسم السفارة الأطراف المسؤولة عن "الترهيب والعنف" باسمها، فيما يحمّل عضو "المجلس الوطني"، فؤاد عليكو المسؤولية كاملة لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" (PYD) وحركة "الشبيبة الثورية" في شرقي سوريا، و"المرتبطة بحزب العمال الكوردستاني".
ويقول عليكو في تصريح صحفي لقناة "الحرة" الأميركية "هم يربطون ما يحصل في شمال العراق بشرقي سوريا. مظلوم عبدي (قائد قسد) صرّح أمام السفير الأميركي وأمامنا بأن ما يحصل في شمال العراق سينعكس على الحوار الكوردي في سوريا".
ويضيف عضو "المجلس الوطني": "الرجل (عبدي) يقول بصراحة: نحن مع طرف حزب العمال. في الحقيقة الأخير مسيطر على المنطقة كاملة".
في المقابل جاء في بيان لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" نشر الخميس: "نجدد رفضنا لسياسة العمالة والتواطؤ وندين المواقف المخزية للمجلس الوطني الكوردي".
وحمل البيان لهجة تصعيدية، وبينما ربط بين "القفل المخلب" في كوردستان بأحداث شرقي سوريا، اتهم "المجلس الوطني" بالانخراط في العملية العسكرية التركية، من خلال مشاركة "قوات بيشمركة روج" فيها.
وتابع البيان: "إننا كشعب نتعرض لهجوم يستهدف وجودنا، وما يجري اليوم في جبال كوردستان هو حرب الوجود وحرب الهوية".
وحتى الآن لا يعرف بالتحديد ما ستؤول إليه نتائج العملية العسكرية التركية في الأقليم الكوردي العراقي، وكذلك الأمر بالنسبة لحالة التوتر القائمة بين الأحزاب الكوردية في سوريا.
ويتوقع عضو "المجلس الوطني" فؤاد عليكو "مزيدا من التصعيد من جانب حزب الاتحاد الديمقراطي".
ويقول: "ليلة أمس هاجموا منزل ابن عمي نظام الدين عليكو. يمكن أن يصعدوا أكثر إذا لم تتدخل واشنطن بجدية في الموضوع".
ووفق عضو الحزب الكوردي فإنهم "التمسوا من البيان الأميركي أمس انزعاجا واضحا. أميركا تعرف جيدا أن كوادر حزب العمال هم من يديروا مناطق شمال وشرق سوريا".
ويتابع عليكو في إشارة لــ"حزب الاتحاد": "هم يعتبرون المجلس الوطني الكوردي حلفاء للديمقراطي في كوردستان العراق ولتركيا وللائتلاف الوطني السوري، وبالتالي يعتبروننا أعداءً لهم. الصدام بين تركيا وحزب العمال والتصادم سينعكس على سوريا، لأن الأخير هو من يسيطر على المنطقة الشرقية".
ويتهم قادة "المجلس الوطني" باستمرار "حزب العمال الكوردستاني" بفرض هيمنته على "حزب الاتحاد الديمقراطي" و"قوات سوريا الديمقراطية"، وأنه يعمل ضد أي شراكة سياسية قد تلغي مستقبلا دوره داخل المناطق الكوردية السورية.
لكن "حزب الاتحاد" يعتبر "تأسيس الإدارة الذاتية وعملها في شمالي وشرقي سوريا، نتاج جهود سنوات وتضحيات من شعوب المنطقة"، وسبق وأن رحب بمشاركة "المجلس الوطني"، شرط عدم المساس بكيانها وهيكليتها ونظام رئاساتها المشتركة.
ويؤكد الكاتب والباحث الكوردي، إدريس خلو على فكرة أن "التوترات الحاصلة بين الأحزاب الكوردية في سوريا ترتبط بشكل أو بآخر بالتداعيات الحاصلة في إقليم كوردستان العراق".
ويقول خلو المقيم في القامشلي "عندما تندلع مواجهات عسكرية بين الحكومة المركزية العراقية وحزب العمال، أو تركيا وحزب العمال، أو الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب العمال يكون هناك تداعيات في شمال وشرق سوريا".
و"هناك شبكة معقدة من العلاقات والمصالح والضغوطات" بين الساحتين.
ويرى الباحث الكوردي أن "أي انفراج في شمالي العراق بين حزب العمال والحزب الديمقراطي سينعكس على المكونات في سوريا".
وبخصوص "الحوار الكوردي الكوردي"، يوضح خلو أنه "تأخر بشكل غريب"، مشيرا إلى أنه "دائما تسبقه مجموعة ضغوطات مثل حرق المكاتب من جهة والضغوطات التي يفرضها الحزب الديمقراطي الكوردستاني على المجلس الوطني".