بازبدە بۆ ناوەڕۆکی سەرەکی

مسؤولية الأميركيين والأوروبيين عن التوسع الإيراني

مسلحون حوثيون
AvaToday caption
انتهى عام الخميني الأول بـ"إبادة" اليساريين والعلمانيين، وبدا ذلك مُرضياً للنظريات الأميركية المرتابة من النفوذ الشيوعي. وعشية العام الجديد، غزا الاتحاد السوفياتي أفغانستان المجاورة واحتلها
posted onDecember 20, 2021
noبۆچوون

طوني فرنسيس

يحق لأبناء دول "غرب آسيا"، التسمية الجيوسياسية التي تفضّل القيادة الإيرانية إطلاقها على المنطقة التي تسعى إلى توسيع نفوذها فيها، أن يقلقوا من السياسات الأميركية والأوروبية تجاه إيران، وقلقهم هذا لم يعُد هاجساً لا مبرر له، فمبرراته كثيرة وتتراكم منذ سنوات وعقود، إذ كلما جرى الحديث عن تفاوض أميركي (أوروبي) مع إيران بشأن ملفها النووي، كانت طهران تتوغل في المشرق العربي، معتمدةً إثارةً مذهبية فاقعة كمدخل لتأسيس الميليشيات والتنظيمات المسلحة التي تهدد السلطات القائمة وتعتدي على الدول المجاورة، في حروب مفتوحة لإرساء هيمنة الإمبراطورية "الفرسو - شيعية" من بحر قزوين إلى البحر المتوسط، نزولاً إلى باب المندب والخليج.

لم يحصل هذا التوسع الإيراني في غيبة الأميركيين أو خارج انتباههم، ولا في غفلة عن الأوروبيين والإسرائيليين. كان الإيرانيون يخطفون الرهائن الغربيين في بيروت خلال ثمانينيات القرن الماضي، وبلغ عدد هؤلاء نحو 104 أشخاص خلال أعوام قليلة، بينهم الأميركي والبريطاني والفرنسي، والسوفيات نالوا حصتهم أيضاً، فهم كانوا "الشيطان الأصغر"، بينما مثّل الأميركيون "الشيطان الأكبر".

ومثلما تم غزو واحتلال السفارة الأميركية في طهران، تعرّضت السفارة السوفياتية في حينه إلى الغزو والاحتلال وتم تدمير القاعة التي استقبلت اللقاء التاريخي بين قادة الحلفاء الثلاثة: ستالين وتشرشل وروزفلت.

في بيروت، فُجّرت قاعدة للمارينز وقُتل أكبر عدد من الجنود الأميركيين في أكبر هجوم منذ بيرل هاربور، وأُبيدت حامية فرنسية قبل أن ينشط خطف الرهائن، وكان رد الأميركيين والفرنسيين الانسحاب. وانخرطت الولايات المتحدة في عمليات سرية لتزويد الإيرانيين بالسلاح عبر إسرائيل (كونترا غيت) التي كشفت عنها الاستخبارات السورية في تعبير عن الانزعاج من فتح خطوط مباشرةً من وراء ظهرها بين حليفها الإيراني والأجهزة الأميركية. أما إسرائيل التي ما انفكت إيران الخميني تعتبرها منذ أربعة عقود، عدواً ينبغي تدميره، فقد قامت بقسطها في صفقة "كونترا غيت"، وخدمت الدعاية المذهبية بتقسيمها المشرق إلى مذهبَين، وصارت تطلق على كل من يقاتل احتلالها للبنان اسم "الإرهابي الشيعي"، بمن في ذلك مقاتلون من "جبهة المقاومة الوطنية" من الطائفة المسيحية قُتلوا خلال معارك ضد قواتها المحتلة .

منذ الأيام الأولى لثورة الخميني التي قاربت عامها الـ 43، تعاطفت قوى غربية فاعلة معها. لا نتحدث هنا عن استضافة فرنسا للإمام الخميني ورعايتها إعادته في إحدى طائراتها إلى طهران، وإنما عن قناعات براغماتية وأيديولوجية لدى تيارات وشخصيات في أميركا وأوروبا دعمت ولا تزال هيمنة الملالي في بلاد فارس.

يوجز الكاتب الإيراني أمير طاهري في مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" تلك القناعات، فيقول "كانت للخميني جماعات ضغط موالية في الولايات المتحدة. وأشادت به مجلة ’تايم‘ في نيويورك بوصفه ’غاندي الإسلام‘ في الوقت الذي كان يزهق أرواح المئات من مواطنيه في طهران بدعوى ’الثورة‘ (الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي كان أحد قضاة تلك الثورة). كما ردد عضو مجلس الشيوخ الشاب (في حينه) عن ولاية ديلاوير جوزيف بايدن، أمنيات الرئيس جيمي كارتر الحالمة بشأن الصداقة مع "إيران الجديدة". ونظّر زبيغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي، أن "إيران الإسلامية" جزء من "الحزام الأخضر الإسلامي" لتطويق الاتحاد السوفياتي، فيما استولد وزير الخارجية الأميركي الأسبق وارن كريستوفر نظريةً مكمّلة حول "الاحتواء المزدوج" لطهران وموسكو معاً.

في السياق، اعتبرت إدارة كارتر، نظام الخميني أنه "حليف محتمل" لأن حكومة الخميني الأولى ضمت خمسة أشخاص يحملون الجنسية الأميركية، بينهم صادق قطب زادة وزير الخارجية الذي اتهمه السوفيات بالتحريض على احتلال سفارتهم في محاولة للمساواة بين "الشيطانين الأكبر والأصغر".

وانتهى عام الخميني الأول بـ"إبادة" اليساريين والعلمانيين، وبدا ذلك مُرضياً للنظريات الأميركية المرتابة من النفوذ الشيوعي. وعشية العام الجديد، غزا الاتحاد السوفياتي أفغانستان المجاورة واحتلها، ليُفرَض واقع جديد على المنطقة التي سيتم تحريكها بحسب مقتضيات نظرية بريجينسكي وحزامه الإسلامي في مواجهة الشيوعية السوفياتية وامتداداتها وتحالفاتها في "غرب آسيا".

تحوّلت إيران إلى شريك نشيط، ضمن حساباتها، في هذه المواجهة. تمددت من سوريا إلى لبنان تحت شعار مواجهة إسرائيل، ثم كانت جائزتها الكبرى في العراق عندما مهّد لها الغزو الأميركي الطريق على مصراعيه للسيطرة على البلاد بواسطة منظمات أنشأتها وموّلتها طوال سنوات حكم صدام حسين. وبعد بغداد ودمشق وبيروت، جاء دور الانقلاب الحوثي في اليمن، وسبقه بسبعة أعوام الانقلاب الحمساوي في غزة الذي مزّق الشعب الفلسطيني وجعل لشعار الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية معنىً آخر: الدولتان الفلسطينيتان إلى جانب إسرائيل .

أربعون عاماً مرّت على استشراء التوسع الإيراني وخطابات التنبيه والتأنيب والتحذير الغربية. وقد تم هذا التوسع تحت أعين الدول المفاوضة اليوم في فيينا وأحياناً بمشاركتها. ألم تقاتل الولايات المتحدة إلى جانب الميليشيات الإيرانية في العراق؟ وتدخلت إلى جانبها في سوريا؟ وتعايشت معها عقوداً في لبنان؟ ورفعت عنها العقوبات في اليمن؟ لقد تم ذلك في الواقع ولم يحصد العالم العربي إلا اهتزازاً في أمنه واستقراره وسيادته. وآن الأوان فعلاً لسياسات مغايرة يتحمّل فيها العرب مسؤولياتهم عن أمن وازدهار أوطانهم ويحمّلون العالم مسؤولياته بصراحة وقوة وحزم. كانت القمة الخليجية خطوة في هذا الاتجاه الذي يجب أن يتعزز في القمة العربية الشاملة، فمهما كانت نتائج مفاوضات فيينا، لن يتغيّر واقع التوغل الإيراني بمجرد وقف التخصيب أو خفضه بمقاييس وكالة الذرّة وخبرائها.