رشيد الخيون
مَن يُدقق في وجوه وأسماء المغتالين بالعِراق، منذ 2003 وحتَّى اليوم، تجد الغالب منهم شعراء وكُتاباً وصحافيين وباحثين وأكاديميين وناشطين مدنيين، وبينهم صاحب المشروع الثقافي النَّهضوي، بدأ الاغتيال برجل دين متنور، وكان اغتيالاً علنياً، فالسكاكين لا صوت لها كي تُستخدم لها الكواتم، ثم بمهندس زراعي وكاتب فذ، جمع بين الزِّراعة والثَّقافة، إذا دخل الحقل تنساه كاتباً، وإذا قرأت له مقالاً نسيت أنه مزارع، وما بين الاثنين في بعض اللغات آصرة في اللفظ.
كان الأول يحمل تحت عمامته فكرةً للسلام الاجتماعي، والذي عادة ما يهتز وراء كلِّ حرب واجتياح، والثَّاني مع زميل له مِن المغتالين وضعا برنامجاً لإعادة المسارح ودور السّينما والفنون، بعد تحوُّل صالات السينما إلى مخازن، وعقارات للاستثمار الشَّخصي. قبل هذا أعدم مغنٍ عراقي، جريمته أنّه تحدث عن السُّلطة أمام زوجته، ولا ثالث بينهما، تحدثت المعارضة السَّابقة عن إعدامه، وبما أن الغناء محرم في تقاليدها، لم تذكره إلا خبراً، لكنها نفسها تورطت باغتيال ملحن ومغنٍ محبوب أمام دار الإذاعة، تطبيقاً لفتوى «التَّترس»، التي يجري الحديث بإسهاب عن استخدام «القاعدة» لها، بينما توأم «القاعدة» مِن الجانب الآخر سبق إليها في التطبيق، في أكثر مِن جريمة تفجير.
دخلت أول موجات الظلام المسلح إلى العراق مِن حدوده الشرقية؛ وأُخذت اسمها مِما يعتبره المسلمون بداية الانتصار «بدر». ثم أخذ الظلام يتكاثف، حتى صار حامل كاتم الصَّوت لا يعنيه الكاتم عند التنفيذ، لأن حامله أصبح سُلطة على السلطة، على الحقيقة لا المجاز. يقابلها ميليشيا قست بالهيمنة والقتل منذ التاسع مِن أبريل 2003، جابت سياراتها الشَّوارع المقفرة، تتصيد أهدافها، وتعيد ممتلكات زعيمها، حتَّى اختصر الهدف بإعادة معمل «طحين» وبستان على دجلة!
دخلت موجات ظلام مِن الحدود الغربيَّة، زرافات ووحدانا، وعاثت بالبلاد تفجيراً واغتيالاً، ومَن يحتفل بهم اليوم علانية كأبطال كانوا ينظمون إدخال الظَّلام المسلحة، بعد الإشراف على تدريبهم بالشَّام، وهنا سقطت المذهبية. تُلغى العناوين تحت جنح الظَّلام، لا يتميز الفيل عن النملة، تلك العبارة قالها هولاكو(تـ: 1266م) وهو يهم باحتلال بغداد، بعد أن غفلت الخلافة عن الخطر الداهم، وظل الخليفة يسمع شعوذات منجمه سليمان شاه(قُتل: 1258م):«تتساوى في نظري النَّملة والبعوضة والفيل، كما يتساوى الينبوع والنهير والبحر والنِّيل» (الهمذاني، تاريخ المغول). جاء مع جيش هولاكو الشيعي نصير الدِّين الطُّوسي والسُّني علاء الدِّين عطا الله الجويني. تتحد المصالح والمطامع والمقاصد تحت جنح الظَّلام، مثلما هو اليوم ظلام مسلح شيعي دخلنا مِن الحدود الشَّرقيَّة وظلام سني مسلح.. والجميع عنوانهم «الإسلام السِّياسي».
إن فحص ما جرى مِن قبل الظَّلام المسلح، وإشهار ما سفكه مِن دماء يكفي لتحويل الطَّائفية إلى مجرد فخٍ للعراقيين، الظَّلام يتوحد، وكلٌ يأخذ حصته مِن الدِّماء، التَّكاتف لقتل أي حامل شمعة أو سراج! قال أحد أمراء الظَّلام المسلح، الذي أطفأ أكثر مِن شمعة، عبر الاغتيالات وببلد كان يُعد مشعلاً للنور بالشَّرق الأوسط، الذي يريد حمل النَّاس على الموت في سبيل مشروعه ولاته: «نخرج بنتيجة، نقول: المطلوب أنْ نكون طُلاب شهادة، وأن تحمل كيف يمكن أن نأنس بالموت.. وهذا بحاجة إلى عمل تربوي طويل»(نصر الله، خطاب عاشوراء)!
ما زال الظَّلام المسلح يلعب لعبة الموت، كلّ متظاهر سقط برصاصه يمثل النور المسالم، شباب أفجعهم الجهل واليأس، يُحكمون مِن قِبل جماعات لا تميز بين الأعراس والمآتم! أرجوكم دققوا جيداً بوجوه المقتولين والمخطوفين والمقتولات والمخطوفات، ستفجعكم هيمنة الظَّلام المسلح، الذي أصبح مبرراً بالممانعة والمقاومة، وهما كذبتان مِن تصدير المفاهيم والرَّايات.