رفتن به محتوای اصلی

صفقة ثلاثية لإخراج إيران من سوريا

ميليشيات
AvaToday caption
ترغب روسيا في تحجيم النفوذ الإيراني، لكنها أبقت على تحالفها مع طهران كورقة تفاوض لجذب الأطراف الأميركية والإسرائيلية والعربية إلى التقارب معها، واكتفت بالتغاضي عن الغارات الإسرائيلية على مواقع إيران في سوريا
posted onJune 9, 2019
noدیدگاه

رانيا مصطفى

يجري حديث عن عقد صفقة ثلاثية روسيةـ أميركيةـ إسرائيلية لإخراج الميليشيات الإيرانية من الأراضي السورية. تعترف بموجب الصفقة تل أبيب وواشنطن بشرعية نظام الأسد، وتقلّص واشنطن من العقوبات المفروضة على سوريا، مقابل أن تعمل روسيا على الحدّ من النفوذ الإيراني في سوريا.

الصفقة استدعت أن يُعقد لها مؤتمر أمني روسي- أميركي- إسرائيلي، الشهر الجاري، بحضور كبار المسؤولين الأمنيين في الدول الثلاث. فتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا هو مطلب أمني إسرائيلي أساسي بالدرجة الأولى، ولم تتوقف الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا منذ 2012، وآخرها كان الأسبوع الماضي، ضربات في الكسوة جنوب دمشق، ومطار “تي فور” في تدمر شرقي حمص.

وسبق أن عزز رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من صداقته مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خاصة بعد طي صفحة حادثة إسقاط الطائرة الروسية في ريف اللاذقية. ويبدو أن نتنياهو هو عرّاب التقارب الأميركي- الروسي، والهدف وضع حدّ للتمدد الإيراني في سوريا ولبنان.

الإدارة الأميركية تريد تشديد الحصار على إيران، وقصقصة أذرعها وأدوات نفوذها في المنطقة، ضمن حملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضدّ طهران وبرنامجها النووي. لكنّ خروج إيران من سوريا ليس بهذه الأولوية بالنسبة للولايات المتحدة، لولا أهميته بالنسبة لإسرائيل، ولكونه مطلبا لحلفاء أميركا من العرب، إذ لا خطط أميركية واضحة بهذا الخصوص؛ فواشنطن راضية عن دور طهران المبكر والفاعل في مساندة نظام الأسد في إنهاء الثورة الشعبية، وجرّ الصراع، في سوريا والعراق، إلى المستنقع المذهبي، وتحويله كليا إلى صراع دموي، بما يكفل منع انتشار الثورات في الدول الأخرى.

وبالنسبة لروسيا، كانت إيران حليفا ميدانيا لها وللنظام، بما تقدمه من عنصر بشري عبر ميليشياتها غير السورية، العراقية واللبنانية والأفغانية، تتبع للحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وحزب الله، عدا تمويلها للميليشيات المحلية، ومساعدتها اللوجستية والاستخباراتية للنظام.

وأشركت روسيا إيران في حلف أستانة مع تركيا، وعبر المصالحات تمكّنت من إحكام سيطرة النظام على 60 بالمئة بعد أن كان يسيطر على 15 بالمئة من مساحة سوريا (186 كيلومترا مربعا). وهنا تلتقي مصلحتا موسكو وطهران في الإبقاء على نظام الأسد.

لكنّ هناك تناقضا في المصالح بين الحليفين الروسي والإيراني؛ فهما غير متوافقين على ملفات خارج سوريا، كبحر قزوين، وفي سوريا بات هناك صراع وتنافس للسيطرة على الجيش وقيادة الأركان، وعلى الموارد والمرافق الاقتصادية الحيوية، وجني ثمار التدخل ودعمهما للنظام.

ترغب روسيا في تحجيم النفوذ الإيراني، لكنها أبقت على تحالفها مع طهران كورقة تفاوض لجذب الأطراف الأميركية والإسرائيلية والعربية إلى التقارب معها، واكتفت بالتغاضي عن الغارات الإسرائيلية على مواقع إيران في سوريا، وبحرب باردة للسيطرة على فرق الجيش ودوائر القرار. وبرز التنافس الروسي الإيراني في اقتتال سوري- سوري في أكثر من مكان بين فرق في الجيش النظامي تتبع لكل منهما، انتهى بريف حماة الشمالي بطرد الفرقة الرابعة والميليشيات المدعومة من إيران؛ ولم تشرك موسكو ميليشيات طهران في الحرب على إدلب، رغم صعوبتها بريا وحاجتها إلى العنصر البشري لمواجهة فصائل المعارضة المتمرسة وصاحبة الأرض.

وبرز التنافس بين الطرفين في ريف حلب الشمالي، حيث كانت روسيا قد وعدت تركيا بتسليمها تل رفعت مقابل فتح الطريقين الدوليين، لكن إيران أوقفت الصفقة لوجود نبل والزهراء الشيعيتين، كمركزين مذهبيين هامّين للنفوذ الإيراني.

بات من مصلحة روسيا إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، وهنا أتت زيارة بومبيو إلى روسيا مطلع الشهر الماضي، وهناك القمة المرتقبة بين ترامب وبوتين على هامش قمة العشرين، وقبل ذلك كانت خلاصة قمة هلسنكي بين الرئيسين ترامب وبوتين هي الاتفاق على تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا.

وخروج إيران من سوريا سيوقف مسلسل الغارات الإسرائيلية، وسيعطي لروسيا فرصة الحديث عن سوريا آمنة، وتصبح سيطرة موسكو على حكومة دمشق كلية، ويمكنها فرض إجراءات عليها، كالقبول بحل سياسي يشرك المعارضة في الحكم، وإصدار عفو عام، والتوقف عن الاعتقال على خلفيات سياسية، وتوفير الأرضية اللازمة لعودة اللاجئين، وبالتالي إقناع المجتمع الدولي بالمشاركة في إعادة الإعمار، وهو الهدف الأهم لروسيا.

وغير ذلك سيزيد خروج إيران من سوريا فرصة الانسحاب الأميركي من شرق سوريا، حيث تتركز الموارد الاقتصادية الأساسية، وتركه لروسيا.

لكنّ إخراج الميليشيات الإيرانية ليس بالمهمة السهلة على روسيا، لسببين: الأول تغلغلها الاجتماعي والمذهبي في الداخل السوري؛ ويبدو أن الكفة ترجح لمصلحة إيران من حيث التواجد على الأرض، عبر التمويل، فلإيران قرابة 40 جمعية مدنية تدعمها في سوريا، عدا عن نفوذها في دمشق ومنطقة السيدة زينب، وفي محيط التنف على الحدود العراقية، وفي نبل والزهراء بريف حلب الشمالي. وبدا واضحا في الأيام الأخيرة تصاعد عمليات التجنيد في البوكمال والميادين شرقا، وفي إزرع جنوبا، مستغلة انشغال الروس في الشمال السوري وعجزهم عن التقدم بريا.

ولإيران قواعد عسكرية منتشرة على الأراضي السورية، أبرزها في مطار دمشق الدولي، وفي الكسوة بريف دمشق، وفي جبل عزان بريف حلب الشمالي، ومطار السين العسكري، ومطاري الـ”تي فور” والشعيرات شرقي حمص، وقاعدة إزرع في الجنوب السوري. وهي تريد من سوريا ونظام الأسد معبرا باتجاه البحر المتوسط ولبنان.

أمّا السبب الثاني فهو سياسي، يتعلق بوحدة المصير الوجودي لنظام الأسد وللتواجد الإيراني في سوريا. فالمطروح أميركيا وإسرائيليا هو القبول بالأسد مع مغادرة إيران؛ وإذا كانت روسيا قبلت بهذا الطرح، فهي لا تعي صعوبته، فأمامها حرب باردة طويلة الأمد لتعزيز سلطتها ضمن جيش النظام، وقد بدأتها بإجراء تغييرات في المراكز الأمنية الحساسة، حتى تتمكن في اللحظة الحاسمة من التخلي عن الأسد، مع بقائها متحكمة بالقرار السوري، ودون المساس بمصالحها وعقود استثماراتها، والأهم قواعدها العسكرية في حميميم وطرطوس.

ودون أن ننسى أن دور الخط الائتماني الإيراني وتوفير المشتقات النفطية للنظام في حمايته من السقوط، هذا عدا عن أنّ بنية النظام لا تسمح بإعادة هيكلته وإشراك المعارضة في الحكم، ما يدفع الأسد إلى الالتصاق بإيران كخيار وجودي وعدمي، وهو ما يمكن ترجمته في مقولة: الأسد، الذي تدعمه إيران، أو لا أحد.

 

كاتبة سورية