رفتن به محتوای اصلی

«سيد حسن»... لبنان لن يكون في الفلك الإيراني!

حسن نصرالله
AvaToday caption
يعاني الاقتصاد الإيراني بشكل كبير في الوقت الحالي، مما يعني أن الشعب الإيراني في وضع أسوأ بكثير ويكافح من أجل وضع الطعام على الطاولة. لكن لا تزال الحكومة مستمرة في سياساتها الاقتصادية الخبيثة وتحاول خداع الشعب بإحصائيات مزيفة
posted onMarch 25, 2021
noدیدگاه

هدى الحسيني

كلما ألقى الأمين العام لـ«حزب الله» خطاباً، لا تهم المناسبة، يدرك اللبنانيون أنه يريد تحويل لبنان إلى ما يشبه إيران. ويوم الخميس الماضي لم يكن مختلفاً، بل إضافة إلى العادة تضمن اقتراحات نحو التوجه شرقاً، واتهم من يطالب بالحياد (البطريرك الماروني بشارة الراعي) بأنه ينفذ أجندة أميركية - إسرائيلية بهدف التطبيع مع إسرائيل، كما اقترح مخرجاً للحكومة العتيدة، وشراء الفيول من الدولة المفلسة إيران، وفتح الأبواب على مصراعيها أمام «استثمارات صينية»! وإذا لم يفعل اللبنانيون ما يتعب منذ سنوات على تطبيقه، فلديه حل آخر أخير. لم يحتج اللبنانيون كثيراً إلى فهم أن حسن نصر الله يهدد بحرب من جهة واحدة، يعتقد أن حزبه سيجرف الأخضر واليابس ولن يجد من يقف في وجهه. المثير للشفقة أن بعض السياسيين المتزلفين أيدوا طروحات الأمين العام على أساس أنها الوسيلة لجمع «اللبنانيين» حسب رأيهم، والطريق للوصول إلى منصب رئاسة الجمهورية. والأنكى أن هناك من خاف من حرب نصر الله، وصار يردد أن «حزب الله» يستطيع اجتياح كل لبنان في ظرف يوم واحد. الرجاء بعض الهدوء، صحيح أن لبنان متروك الآن بسبب المنظومة الفاسدة التي سمحت للحزب بالتحكم في مفاصل البلاد، لكن رغم كل المآسي التي يعيشها الشعب اللبناني، لن يُسمح للحزب بالتحكم في العباد.

قبل مواصلة توضيح ما أخفق في توضيحه نصر الله، لفتة صغيرة إلى البطريرك الراعي الذي دعا في عظة الأحد الدول العربية وبالذات الخليجية إلى الالتفات إنسانياً لمساعدة اللبنانيين، ما رأيه في القيام بجولة إلى دول مجلس التعاون الخليجي كافة، وليطرح عليها مباشرة آراءه وظروف كل اللبنانيين المكلومين والمغلوب على أمرهم، ويثني على ما قدمته إلى لبنان وينسق معها كي يمنعا سوياً سقوط لبنان في الفك الإيراني.

أما إلى بقية اللبنانيين، فيجب أن يعرفوا الصورة الحقيقية للوضع في إيران الذي يريد نصر الله جعل لبنان نسخة طبق الأصل عنها. الحكاية المظلمة الحقيقية هي أن الشعب الإيراني مستمر في تخفيض عناصر كثيرة من قائمة التسوق الخاصة به لكونها باهظة الثمن، وأن الأهالي يبيعون أعضاءهم للحفاظ على سقف فوق رؤوس أطفالهم. هل يريد أن يصل اللبنانيون إلى هذا المصير؟ وهل إذا شن «حزب الله» حرباً داخلية سيكون قادراً على إدارة الدولة والمقاومة معاً. لبنان ليس مصغراً لإيران.

يعاني الاقتصاد الإيراني بشكل كبير في الوقت الحالي، مما يعني أن الشعب الإيراني في وضع أسوأ بكثير ويكافح من أجل وضع الطعام على الطاولة. لكن لا تزال الحكومة مستمرة في سياساتها الاقتصادية الخبيثة وتحاول خداع الشعب بإحصائيات مزيفة.

أما لماذا يتزايد الفقر؟ فلأن الحكومة تواصل زيادة طباعة الأوراق النقدية لتمويل الخزينة، وهذا يؤدي إلى زيادة التضخم. واعترف رئيس مجلس النواب محمد باقر قاليباف الأسبوع الماضي، بعد إلقاء نصر الله خطابه، أن هيكل الميزانية في حاجة إلى إصلاح. ونظراً لسوء إدارتها وإخفاقاتها، فقد فرضت الحكومة ضغوطاً اقتصادية إضافية على المجتمع الإيراني. ثم هناك الوباء المتفشي، وقد حرم أرباب العمل المدعومون من الدولة الطبقات المنخفضة الدخل، ولا سيما العمال، من رواتبهم الضئيلة، ويتعين على هؤلاء المشاركة في أماكن العمل الملوثة بالوباء، ولهذا لا يمر يوم بلا احتجاجات العمال في جميع أنحاء البلاد.

يحاول النظام تمويل أنشطته غير المشروعة من خلال طباعة الأوراق النقدية غير المدعومة وتوزيع سندات الدين والضرائب المرتفعة وبيع النفط الرخيص. إن الاقتصاد الإيراني مدمر وليست العقوبات هي المشكل الأساسي. لهذا هتف الشعب الإيراني الذي يكافح الفقر خلال انتفاضته الكبرى واحتجاجاته اليومية: «عدونا موجود هنا. يكذبون علينا عندما يقولون إنها الولايات المتحدة».

لا عقوبات على لبنان، لكن نصر الله باقتراحاته السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية، أدخله مع المصفقين له والخائفين منه في حفرة أسوأ من العقوبات. نعرف ماذا يحل بالذي تضعه الولايات المتحدة على القائمة السوداء، إذ تُنتزع منه ومن كل أفراد عائلته بطاقات الائتمان، وتقفل كل حساباته، ولا يستطيع أحد أن يرتبط معه لأنه يصبح مشتبهاً به، فهل يريد نصر الله أن ينتقم من اللبنانيين جميعاً لأن بعض حلفائه على قائمة العقوبات؟ أو لهذا السبب صفق له «المعاقَبون» وتحدث أحدهم باسم «كل اللبنانيين»، قائلاً إن هذا ما يتطلع إليه الشعب اللبناني؟ لم نفهم هل يتطلع الشعب اللبناني برأيه إلى أن يرزح كما يرزح الشعب الإيراني تحت حكم تعسفي همه البقاء على أرتال من الهياكل العظمية؛ يبحث في القمامة عن لقمة خبز؟

أمام نصر الله التزامات جسام تجاه ملالي إيران وسياسييها. وما تهديده الثوار اللبنانيين بالقمع واتهامه قائد الجيش اللبناني الجنرال جوزيف عون بالتقاعس عن مواجهة المدنيين العزل الذين يقطعون الشوارع، ورميه ورميهم بألف تهمة وتهمة إلى درجة التخوين (على كل لم تعد هذه تؤثر إلا في جمهور نصر الله)، إلا لإرضاء أولياء النعمة في إيران. ففي مؤتمر عبر الإنترنت في 18 الحالي، اعترف وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي، بالمعارضة المتزايدة لنظام الجمهورية الإسلامية في الشرق الأوسط، وأعرب ضمناً عن مخاوفه بشأن التطورات المناهضة للنظام في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم. أشار إلى تغيير الحكومة العراقية، وإلى مقتل اللواء قاسم سليماني، والعالِم النووي محسن فخري زاده، بالإضافة إلى الاحتجاجات الأخيرة في لبنان والعراق والحوادث في سوريا. وعزا حاتمي هذه الأحداث إلى «التدخلات الخارجية»، وعبّر عن مخاوف النظام الإيراني من إقامة التحالف العربي للدفاع عن الحكومة الشرعية في اليمن.

من هنا جاءت تهديدات نصر الله للمتظاهرين بأشد العقوبات إذا ما أغلقوا الطرقات وأشعلوا الإطارات، لكنه لا يستطيع أن يغلق كاميرات الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وسيظل الإيرانيون يتابعون عن كثب ما يجري في لبنان على وجه الخصوص، لا سيما أن حملة «لا للجمهورية الإسلامية» بدأت تأخذ حجماً كبيراً في إيران. لذلك تبقى انتفاضة اللبنانيين ضرورية ومفيدة، لأنها تكشف للعالم دور «حزب الله» ومن ينتمي إليهم، وتمنع أن يكون لبنان ورقة في المفاوضات الإيرانية مع الولايات المتحدة. إن إيران في حفرة عميقة جداً وتعاني من عقوبات، ولكنها تأخذ من الضعف قوة، ومن المؤكد أن اللبنانيين سيعانون كثيراً لمنع إيران من استعمالهم كورقة تفاوض، بسبب وجود «حزب الله».

دعا نصر الله في خطابه «المتعثر» يوم الخميس الماضي إلى تفعيل حكومة حسان دياب. إن ما فعلته حكومة حسان دياب ومن تآمر معها، جرم لا سابق له في التاريخ. لقد رفضت تسديد دين البنك المركزي، وبذلك أصبحت أموال المصارف المودعة في «المركزي» هي من سدد الدين من مدخرات الناس. باستطاعة الناس وضع المسؤولية على البنك المركزي وحاكمه رياض سلامة، المسؤول عن الكثير من الخربطات، لكن أساس الأزمة الحالية تنصل الدولة من دفع الدين وتصفيره، عن طريق أموال الناس وتعب عمرهم، ثم يأتي نصر الله ويدعو إلى تعويم حكومة حسان دياب!

يتحدى نصر الله حكومة من التكنوقراط تتجرأ على تخفيض الطفيليين من موظفي الدولة، إنه غير مدرك أن هؤلاء تتدنى أجورهم يومياً وستصبح مع استمرار الحال زهيدة لا تكفي لشراء ربطة خبز.

قال نصر الله إن إيران على استعداد لبيع لبنان الفيول والدفع بالعملة اللبنانية، أولاً إذا حصل هذا يكون «حزب الله» أمَّن مدخول مقاتليه وزائريه الإيرانيين، إذ ماذا تريد إيران بعملة فقدت 90 في المائة من قيمتها؟ إلا إذا كان الحزب يريد أن يتحكم في الليرة اللبنانية! في المقابل كل ما قاله نصر الله لا معنى له، وهو للاستهلاك المحلي، فإيران مفلسة والريال الإيراني أسوأ من الليرة اللبنانية وتلك السورية، وهي تبيع نفطها تهريباً وفي السوق السوداء كي تحصل على العملة الصعبة، لذلك كل ما يقوله نصر الله غير صحيح كقوله للبنانيين في التوجه نحو الصين، في حين أن هذه لا تملك أي رغبة في لبنان. ذلك أن الصين التي بشرنا بها نصر الله تدخل إلى الدول عن طريق تنفيذ مشاريع استراتيجية مهمة، وفي كثير من الأحيان من دون مقابل، خصوصاً في الدول الغنية بالثروات والمتعثرة في الإدارة، وهي تستعيد كل قرش أضعافاً مضاعفة من عائدات هذه الدول وثرواتها والتحكم في مفاصل اقتصاداتها. لقد أقدمت الصين على بناء المطار في أكرا العاصمة الغانية، وطريقين سريعين لربط ميناءي تيما وتاكورداي بالعاصمة، وتتقاضى شركات صينية رسوماً لاستعمال الطرق. وحصلت شركات صينية على حصرية التنقيب عن الذهب في أشانتي، ومحصول الكاكاو، والمطاط وتتشارك في التنقيب عن النفط مع أخرى أميركية وبريطانية. في أواخر التسعينات لم يكن هناك صيني في غانا واليوم هناك 900 ألف صيني. وكي أكون أكثر دقة كي لا يتم استغلال عقول اللبنانيين بأن الترياق سيأتيهم من الصين، أن اسم الشركة التي تقوم بتوسيع مطار كوكوتا (العاصمة أكرا)، هي Arup يملكها مقاول تركي، التمويل بالكامل من بنك الصين، وعام 2019 وقعت الحكومة الصينية اتفاقاً مع غانا، لشق وإعادة تأهيل شبكة الطرقات مع الطريق السريع لميناءي تيما وتاكورادي، كذلك الطريق السريع إلى كوماسي، الطريق إلى مناجم الذهب، والخشب، ومزارع المطاط، وضخت الصين 15 مليار دولار في غانا، بالمقابل أخذت حق التفرد بالبوكسايت المكون الرئيسي للألومنيوم، وتعدين الذهب فسحبت بذلك الاحتكار من بريطانيا، كما حصلت على امتيازات التنقيب عن النفط في البحر مقابل مرفأ تيما.

سؤال لنصر الله: ماذا سيقدم لبنان الذي يرغب «حزب الله» في السيطرة عليه للصين؟ آيديولوجيا ولاية الفقيه أم ماذا؟