كلود صالحاني
كانت قطر تسعى للفوز باستضافة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022، وذلك من أجل تعزيز الأنا المتضخم لها. وكان لقطر ما سعت إليه وفازت باستضافة البطولة، لكن هذا الفوز كان مصدر اتهامات وشكوك لا تنتهي أيضا.
اضطرت قطر لتحمل مشاكل كثيرة، بداية من اضطرارها إلى التعامل مع استخدامها المشتبه به لطرق الدعاية المريبة وذلك من أجل تشويه سمعة منافسيها، إلى اتهامات وُجهت إليها بقيامها بممارسات غير قانونية تتعارض مع اللوائح التي يُقرها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وهو الهيئة التي تحكم كأس العالم، في محاولتها استضافة البطولة. ورفضت قطر الكثير من الانتقادات الموجهة إليها ووصفتها بأنها ادعاءات زائفة ونابعة من عدم قدرة الدول المنافسة على استضافة البطولة.
وستقام البطولة بعد عامين (إذا وصلت وجهتها بشكل هادئ)، لكن لا يوجد أي نقص في التطورات غير المتوقعة. فآخر فكرة عبقرية تفتّق ذهن قطر عنها، وقد تكون مشاركة إيران لها في استضافة كأس العالم، ستجعلها تضمّد جراحها الذاتية لبعض الوقت.
ومن شأن هذه الخطوة أن تجعل الدوحة تتقرّب أكثر من طهران، مع وجود خطر لتحول هذا العناق الغريب إلى قبلة الموت.
في نفس الوقت الذي تسعى فيه قطر للحماية تحت مظلة قاعدة العديد الجوية العسكرية الأميركية (حيث يتمركز الآلاف من العسكريين الأميركيين)، ستساعد إيران بذلك على كسر العزلة التي تفرضها عليها الولايات المتحدة. ومن غير المرجح أن تروق هذه الخطوة للولايات المتحدة أو جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم.
ومن بين المخاوف المباشرة لقطر، تأثير عرضها هذا على إيران على علاقاتها المتوترة بالفعل مع جيرانها في الخليج العربي من جهة وعلى علاقاتها مع الولايات المتحدة من جهة أخرى.
ولم تُحدد الدوحة ما إذا كان الحرس الثوري الإيراني سيكون من بين الرعاة الرسميين للمكان الإيراني الذي سيستضيف البطولة، أو ما إذا كان المسؤولون عن الاستخبارات، الذين جلبوا للعالم المؤامرات الإرهابية في فرنسا والدنمارك وأماكن أخرى، سيقومون بتأمين منتخبات كرة القدم.
وربما تجد طهران أن هذا العرض جذاب، لكن الخطوة ستؤدي بلا شك إلى زيادة توتر العلاقات بين قطر والدول العربية الأربع التي تفرض عليها عقوبات دبلوماسية شاملة وحظر سفر منذ شهر يونيو من العام الماضي.
واتهمت ثلاث دول خليجية هي السعودية والإمارات والبحرين، ومصر قطر بدعم الجماعات الإسلامية المتطرفة وأنها تُحافظ على علاقات وثيقة مع طهران. وتنفي قطر هذه الاتهامات، وزعمت أن الدول الأربع تسعى لتغيير نظام الحكم في الدوحة.
لكن كما لو كانت تدافع عن منتقديها، فإن العائلة الحاكمة في قطر تُفكر في التعاون مع إيران. أو في هذه الحالة التعاون مع إيران في مجال كرة القدم.
وكانت قطر شرحت في البداية أن المشاركة في استضافة كأس العالم لكرة القدم هي طريقة الدوحة للتعامل مع الحدث وذلك إذا ارتفع عدد الفرق المشاركة في كأس العالم وتجاوز قدرتها التنظيمية. لكن الاتحاد الدولي لكرة القدم تجاهل خيار زيادة عدد الفرق المشاركة من 32 فريقا إلى 48 فريقا.
ومن الطبيعي أن تلقى فكرة المشاركة في استضافة كأس العالم ترحيبا من المسؤولين الإيرانيين الذين يرون أنها فرصة لخروج بلادهم من عزلتها القاسية.
ونُقل عن وزير الرياضة الإيراني مسعود سلطاني فر قوله مؤخرا إن إيران يمكنها أن تُخصص جزرا بأكملها وتضعها تحت تصرف منظمي كأس العالم. ونأمل ألا يكون هذا تلميحا للجزر التي استولت عليها إيران واحتلتها من جيرانها (الإماراتيين).
وقال سلطاني فر خلال مقابلة أُجريت معه في التلفزيون الحكومي “يمكننا تقديم المساعدة بتوفير منشآت تدريب قبل كأس العالم، وخاصة في المناطق التي تتمتع بنفس المناخ الذي تتمتع به قطر”.
لكن، نسي سلطاني فر، بطريقة أو بأخرى، أن درجة الحرارة تحديدا هي السبب الأكثر إثارة لقلق المنظمين القطريين الذين اضطروا إلى تحويل الملاعب إلى صناديق مكيفة الهواء وأجبروا الاتحاد الدولي لكرة القدم على تغيير موعد البطولة من التواريخ التي كانت تقام فيها في فصل الصيف إلى فصل الشتاء.
ومن ثم لنسمّي الأشياء بمسمياتها. فالتمتع بميزة استضافة كأس العالم، الحدث الأكبر والأكثر شعبية في الرياضة في العالم بأسره، لا يجب أن يذهب، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى الدكتاتوريات الثيوقراطية التي يُشتبه في أنها تُدبر مؤامرات إرهابية.
هذا هو الأمر بكل بساطة. وحتى في تاريخ التجاوزات، فإن انحدار قطر في التجاوزات بعيد جدا.
محلل سياسي أميركي