رفتن به محتوای اصلی

لماذا تؤسس إيران ميليشيات جديدة بالعراق رغم وجود أخرى؟

الميليشيات الشيعية
AvaToday caption
تستهدف إيران من خلق ميليشيات جديدة أن تكون غير مرتبطة بفصيل معين، لذا يفرض التنظيم الجديد على أعضائه الانفصال عن أي كيانات سياسية أو مسلّحة أو حتى الوظائف الحكومية، وذلك حتى تبدو التنظيمات الجديدة تلك وكأنها غير مرتبطة بالعملية السياسية
posted onMay 4, 2020
noدیدگاه

هدى رؤوف

شكّلت دول الصراع في الشرق الأوسط بيئةً مناسبةً لممارسة تأثير إيراني، إذ اتخذ هذا التأثير عدّة مسارات، منها تقديم الدعم والتحالف مع قوى موجودة فعلياً داخل الدول العربية، ومؤيدة لها، مثل العلاقة مع النظام السياسي الحاكم في كلٍّ من سوريا والعراق، وحركة أنصار اللـه باليمن، أو إنه اتخذ مسار خلق قوى مؤيدة وصديقة، مثل "حزب اللـه" في لبنان عام 1985، وكذلك تأسيس بعض الميليشيات المسلّحة ينتمي أعضاؤها إلى المذهب الشيعي، مثل "كتائب حزب اللـه" و"عصائب أهل الحق" بالعراق.

إنّ الاستراتيجية الإيرانية واحدةٌ في كل الدول التي تتدخل بها، وإن كانت تختلف درجة اعتمادها على الأدوات من حالةٍ إلى أخرى. وتسعى إيران بالأساس للاستفادة من الانقسامات المذهبية والاجتماعية والسياسية في الدول العربية المجاورة لها، والعمل على تعميق العلاقات مع الفاعلين من غير الدول، وتغيير ميزان القوى لصالحهم في مواجهة سلطة الدولة.

ويعدُّ تشكيل استراتيجية تشكيل قوى مذهبية موالية أهم أدوات إيران في الحالة العراقية، إذ عملت طهران على استنساخ نموذج حزب اللـه اللبناني، وساعدت في تأسيس منظمة بدر، ثم تأسست حركة عصائب أهل الحق، ثم كتائب حزب الله والنجباء. وجميعها تنظيمات مسلّحة تلقت تدريبها ودعمها وتمويلها من فيلق القدس بقيادة اللواء قاسم سليماني الذي قُتِل في غارة أميركية ببغداد، وردّت بعض تلك الميليشيات على مقتله، وهو ما يبرز دورها في تنفيذ المصالح الإيرانية عبر العمل بالوكالة عن إيران.

وبعد مقتل سليماني، أعلنت إيران أنها تستهدف إخراج الولايات المتحدة من العراق، وذلك لتستحوذ هيّ على مساحة التأثير الكاملة ببغداد من دون منازع. وعملت طهران من خلال كتائب حزب الله على الهجوم على القوات الأميركية المتمركزة في بغداد، وتعدّ تلك الميليشيات جزءاً من قوات الحشد الشعبي، التي أنشئت بفتوى "الجهاد الكفائي" لآية الله السيستاني لمحاربة "داعش" في العراق، وتعمل السلطات العراقية على فرض سيطرتها الكاملة عليها، ويرأسها حالياً فالح فياض، الذي يعمل أيضاً مستشاراً للأمن القومي العراقي.

وأخيراً، أُعلن تأسيس تنظيم جيش المقاومة الإسلامي (جسم). أنشئ التنظيم المسلح ليرتبط تنظيمياً ومالياً وإداريا بشكل مباشر بالحرس الثوري الإيراني، ويرأسه لواء بالحرس من أصل عربي.

ويثير تأسيس التنظيم الجديد السؤال حول ما أسباب نشأته؟ لا سيما أنّ العراق به كثير من الميليشيات المسلحة التابعة إلى إيران، وهنا ربما تكون طهران تتبع تكتيكاً جديداً في المواجهة مع الولايات المتحدة يستهدف إرهاقها بمزيدٍ من الهجمات من عدة تنظيمات، وإحداث فوضى مرة أخرى على غرار الفوضى التي أحدثتها أعقاب سقوط العراق عام 2003.

كما تستهدف إيران من خلق ميليشيات جديدة أن تكون غير مرتبطة بفصيل معين، لذا يفرض التنظيم الجديد على أعضائه الانفصال عن أي كيانات سياسية أو مسلّحة أو حتى الوظائف الحكومية، وذلك حتى تبدو التنظيمات الجديدة تلك وكأنها غير مرتبطة بالعملية السياسية الرسمية في العراق أو الحشد الشعبي والتنظيمات التي يتألّف منها، باعتبار الحشد الشعبي يُصنّف قوةً رسميةً مرتبطة بالقوات المسلحة العراقية، ومن ثمّ لرفع الحرج عن الحكومة العراقية، بالتالي عدم تحمّل مسؤولية أفعالها.

إلا أنّ عدم تبعية أيّ من التنظيمات المسلحة إلى الحشد الشعبي، ومن ثمّ عدم التبعية إلى الحكومة العراقية لا يعني أنّ الأخيرة لا تواجه مأزق وجود أطراف داخل الدولة لديها سلاح وتمارس القوة، ومن ثمّ ليست الدولة هي المحتكر الوحيد للسلاح، بالتالي سيكون اختبار قوة لأي حكومة عراقية في مواجهة تلك التنظيمات.

من جانبٍ آخر، يطرح تأسيس ميليشيات جديدة تناقضات الوضع الإيراني، فالنظام الذي يواجه ضغوطاً وأزمة تهدد حياة المواطنين بفعل تفشي وباء كورونا وصعوبة الوضع الاقتصادي ما دفع الحكومة إلى طلب قرض من صندوق النقد الدولي، وطلب رفع العقوبات الأميركية حتى تتمكّن من مواجهة الوباء، لديه فائض مالي لا يخصصه لمساعدة النظام الصحي في مجابهة الجائحة، بل يوفّره لتأسيس ميليشيات مسلحة، يمدّها بالدعم المالي والعسكري واللوجيستي.

الواضح، أنّ إيران تستهدف الآن الوجود الأميركي بالعراق بشكل أساسي لإخراجه منه، بعدما ظل طيلة 18 عاماً مساحة نزاع بين الطرفين، لكن مستقبلاً ستكون المعضلة أمام طهران في ما يخص قضايا إعادة الأعمار وتوفير الأمن والاستقرار للعراق، وهو أمر مؤكد لن توفره طهران لبغداد.