في صيف 2004 انطلق الجندي الأميركي جريج ووكر بسيارة إلى حاجز أمني خارج المنطقة الخضراء في بغداد مباشرة مع حارسه الكوردي أعزاز. وعندما خرج من سيارته الرياضية أمره ثلاثة حراس عراقيون بالعودة وهم يصوبون أسلحتهم تجاهه.
وبينما كان عائدا إلى السيارة سمع صوت إعداد بندقية كلاشنيكوف للإطلاق وسيلا من الشتائم باللغتين العربية والكوردية. واستدار ليجد أعزاز واقفا في مواجهة العراقيين.
ويتذكر ووكر أن الجنود الثلاثة كانوا في حالة من الرعب عندما قال الحارس الكوردي "دعونا نمر وإلا سأقتلكم".
قال ووكر لنفسه "هذا هو الحليف والصديق الذي أريده".
والآن يعيش ووكر (66 عاما) جندي القوات الخاصة السابق بالجيش الأميركي في بورتلاند بولاية أوريغون بعد تقاعده.
وقد أصبح واحدا من أعداد لا حصر لها من رجال الجيش الأميركي الذين يشعرون بامتنان عميق واحترام للمقاتلين الكورد الذين خدموا معهم طوال حرب العراق وفي الصراع مع تنظيم الدولة الإسلامية.
لذا فقد ثارت ثائرته عندما قرر الرئيس دونالد ترامب فجأة هذا الشهر سحب 1000 جندي أميركي من شمال شرق سوريا مما مهد الطريق أمام تركيا للتوغل في الأراضي الخاضعة لسيطرة الكورد.
وترددت أصداء غضب ووكر في مقابلات أجرتها رويترز مع ستة آخرين من الجنود الأميركيين الحاليين والسابقين الذين خدموا مع القوات الكوردية.
يتذكر جندي القوات الخاصة السابق مارك جياكونيا (46 عاما) صداقات متينة ربطت بينه وبين الكورد الذين حارب معهم في العراق منذ أكثر من عشر سنوات.
قال جياكونيا المتقاعد الذي يعيش الآن في هرندون بولاية فرجينيا بعد أن أمضى 20 عاما في الخدمة "ائتمنتهم على حياتي. لقد حاربت مع هؤلاء الرجال وشاهدتهم يموتون من أجلنا".
وأضاف أن قرار إدارة ترامب "تركهم مكشوفين" أثار انفعالات عميقة لديه.
وقال "هذا أشبه بخيانة العهد".
وسمح قرار ترامب المفاجيء سحب القوات الأميركية على امتداد الحدود التركية السورية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن هجوم عبر الحدود بهدف إقامة "منطقة آمنة" بعمق 32 كيلومترا تخلو من قوات وحدات حماية الشعب الكوردية التي كانت حليفا رئيسيا لواشنطن في المنطقة لكن الحكومة التركية تعتبرها جماعة إرهابية.
وفي مواجهة انتقادات من الديمقراطيين والجمهوريين على السواء دافع ترامب عن قراره قائلا إنه يحقق وعده في الحملة الانتخابية بتقليص وجود القوات الأميركية في الخارج ويؤكد أن الكورد "ليسوا ملائكة".
وسارع الكورد إلى التحالف مع سوريا لمحاولة صد الهجوم التركي.
ثم أوفد ترامب نائبه مايكل بنس إلى أنقرة للتفاوض على تعليق القتال وقالت الولايات المتحدة إن ذلك سيسمح بانسحاب الكورد من المنطقة التي تستهدفها تركيا وقالت تركيا إن ذلك يحقق الهدف الرئيسي من العملية التي بدأتها في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول.
وثار سخط الجمهوريين في الكونغرس ومنهم السناتور لينزي غراهام الذي يعد في العادة حليفا وثيقا لترامب خشية أن تتيح هذه الخطوة عودة تنظيم الدولة الإسلامية للظهور.
وقال غراهام في مؤتمر صحفي يوم الخميس عقده للكشف عن تشريع يقضي بفرض عقوبات جديدة على الحكومة التركية "الكونغرس سيتحدث بصوت واحد في غاية الحزم".
وأضاف أن "الاعتداء التركي" سيؤدي إلى عودة الدولة الإسلامية وتدمير حليف متمثلا في الكورد ويفيد في النهاية إيران على حساب إسرائيل.
وصوت مجلس النواب بواقع 354 صوتا مقابل 60 صوتا الأسبوع الماضي بإدانة قرار ترامب سحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا وذلك في حالة نادرة صوت فيها الجمهوريون بأعداد كبيرة ضد ترامب. غير أن السناتور الجمهوري راند بول عرقل التصويت على مشروع القرار في مجلس الشيوخ.
وكان بول السناتور عن ولاية كنتاكي قد أبدى تأييده لقرار ترامب سحب القوات قائلا خلال جلسة للكونغرس يوم الخميس إن "الدستور واضح تماما، ولم يصدر تفويض باستخدام القوات في سوريا".
وأشار بعض الجنود الأميركيين إلى أن الولايات المتحدة لها باع في تشكيل تحالفات مع القوات الكوردية والغدر بهم فيما بعد. ففي السبعينيات اتفقت إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون سرا على تحويل أموال سرا للكورد العراق الذين يقاتلون من أجل الحكم الذاتي ثم أسقطت هذه المساعدات بعد توصل العراق وإيران لمعاهدة سلام تقضي بإنهاء النزاعات الحدودية في 1975.
وبالمثل في أعقاب حرب الخليج عام 1991 أدت انتفاضة كوردية على الرئيس صدام حسين إلى رد فعل وحشي بعد أن غادرت القوات الأميركية المنطقة.
وكثيرا ما كان هذان الحدثان يترددان بين الكورد الذين حاربوا مع جندي أميركي خدم عدة مرات في الشرق الأوسط.
قال الجندي، الذي طلب عدم نشر اسمه لأنه لا يزال في الجيش، "حتى في ذلك الحين كانوا يذكرون خيانة الكورد في 1991. وكانت فكرة الغدر بالكورد ماثلة في الأذهان جدا جدا... من المؤكد أنه كان ثمة شك في دعمنا لهم في الأجل الطويل".
وقال الكوردي العراقي كاردوس دارجلي (38 عاما) الذي ترجع علاقاته بالجيش الأميركي إلى 2004 إن "الشعور بالغدر على مدار التاريخ نمط مألوف للغاية".
وعمل دارجلي متعاقدا أمنيا بالجيش الأميركي حتى 2008 ثم هاجر إلى الولايات المتحدة وانضم للجيش وتم إرساله إلى أفغانستان.
أصيب دارجلي المواطن الأميركي عدة مرات في الاشتباكات. وعاد إلى العراق هذا العام لقضاء فترة مع أفراد أسرته الذين لا يستطيعون السفر إلى الولايات المتحدة.
وقال إن قرار ترامب يتعارض مع القيم والمصالح الأميركية ويرسل رسالة خاطئة للحلفاء.
وأضاف "المسار الذي يسير فيه الرئيس هدام للغاية".