مجيد محمدي
مجمع مدرسي الحوزة العلمیة في قم- وهو منظمة حکومیة لا مدنية- أصدر بيانًا جاء فيه: "إن الاستراتيجية الفعالة والعقلانية الوحيدة في التعامل مع الولايات المتحدة هي المقاومة النشطة والدبلوماسية الثورية" ("كیهان" 24 یونیو/ حزیران 2019).
وقد صدر هذا البيان بعد إسقاط الطائرة الأميركية المسیرة من قبل الحرس الثوري في المياه الدولية.
ترى، ماذا يقصد رجال الدين والقوى الإسلامیة الأخرى بمصطلح "الدبلوماسية الثورية"؟
وما الفرق بين الدبلوماسية غير الثورية، أو العادیة، والنوع الثوري منها؟
ولماذا لا يستخدم أشخاص مثل محمد خاتمي، ومحمد جواد ظريف، وحسن روحاني، هذا التعبیر منذ الثمانينات؟
للإجابة على هذه التساؤلات، يجب أن ننظر إلی أصحاب هذا التعبیر، وکیف یستخدمونه، وفي أي مجال وأي سياق.. وكيف يفهمونه.
المعنى الوحيد الذي یفتقده مصطلح الدبلوماسية الثورية هو “الدبلوماسية”
في الأدبيات الرسمية للجمهورية الإسلامية، تعني الدبلوماسية الثورية كلمات المرشد، وبعض وزراء الخارجية، ورؤساء الدولة، إلى جانب السلطات السياسية والدينية الأخرى، في حين أن المعنى الوحيد الذي تفتقر إلیه "الدبلوماسية الثورية"، هو الدبلوماسية. لهذا السبب، کان بعض هؤلاء الذين فهموا الدبلوماسية بشكل أفضل (ولم يتمكنوا من استخدامها بسبب انتمائهم للمرشد) کانوا یتجنبون استخدام هذا التعبیر الخاطئ الذي لا معنى له.
الدبلوماسية تعني الحوار والسعي للتوصل إلى اتفاق، على أساس الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والمصالح المتبادلة بین الدول، والجهود المبذولة لإيجاد قواسم مشتركة لتعظيم المصلحة الوطنية والأمن القومي.
هذا الأمر، بالنسبة لمسؤولي الجمهورية الإسلامية، عمل قبيح وغير ثوري، لأنه يجبرهم على أن يكونوا ملتزمین بمبادئ، في حين أنهم لا يستطيعون، ويجبرهم على أن يتصوروا منافع للبلدان الأخرى، لا يمكنهم تلبیتها.
لقد تم توجیه مثل هذه التصورات بمفاهیم مثل التحرر، وتوسيع مجال النفوذ، ومنع الهجوم على إيران، عبر جماعات موالية، وبناء حكومة أو إدارة عالمية. بالنسبة لهم، المبادئ الوحيدة الموجودة هي مبادئهم الآيديولوجية ومصالحهم وبقاؤهم، والتي من المفترض أن تزيد من نفوذهم وسيطرتهم.
ووفقًا لما یفترضه الإسلاميون، يتم تنظيم جميع الاتفاقيات واللوائح الدولية والموافقة عليها من قبل الاستکبار العالمي، وهي ضد خصوم الاستکبار، ولخدمة حلفاء الاستکبار، فكيف يمكن لهؤلاء أن يكونوا ملتزمین بهذه الاتفاقيات والمعاهدات؟
عندما يتحدث مسؤولو جمهورية إيران الإسلامية عن "الدبلوماسية الثورية"، فهم یقصدون عادةً أربعة معانٍ:
1: الدبلوماسية الثورية تعني العلاقات الأحادية
تنشر الجمهورية الإسلامية الدعاية الطائفية في جميع أنحاء العالم، وتبني مساجد ذات توجهات “شیعیة”، وتساعد “الحسينيات”، وتوظف وترسل رجال الدين، وتبني المدارس الدينية، وتوفرها، لكنها لا تسمح للحكومات الغربية أن یکون لها قطاع ثقافي في إيران یقتصر حتى علی تعلیم اللغة فقط، ناهیك بتأسيس كنيسة والتعريف بالأديان الأخرى.
في الدول الغربية، تعتبر الأنشطة الدينية مسموحًا بها، وقد استخدمتها الجمهورية الإسلامية لتكوين “خلايا شيعية” وتربیة جواسیس ونشطاء سياسيين وتوسيع شبكتها الدينية.
هذا هو المكان الذي تنطلق فيه الجمهورية الإسلامية مجانًا، هذا جزء من "الدبلوماسية الثورية" للنظام، والتي ستعمل على تبسيط علاقاتها في اتجاه واحد في العالم واستغلال الحرية في المجتمعات الأخرى، مع قمع كل المناوئین في الداخل.
لم تدرك الحكومات الغربية بعدُ هذه الأحادية، أو إذا أدرکت فإنها لم تتصرف ضدها.
في بعض أنحاء العالم، حتى الحكومات الغربية تدفع ثمن هذه العلاقات أحادية الجانب، مثل تمويل المرکز الإسلامي في ألمانيا من قبل حكومة هذا البلد، في حين أن المركز تديره جمهورية إيران الإسلامية.
2: الدبلوماسية الثورية تعني القرصنة والابتزاز واحتجاز الرهائن وغسل الأموال
یتم تقدیم ممارسة الحكم الديني في الساحة الدولية، عبر القرصنة والابتزاز وأخذ الرهائن وغسل الأموال، بوصفه عملا ثوريًا، ويفخر المسؤولون بهذه السلوكيات؛ فهم يحتجزون مواطنًا لبنانيًا، یقیم في الولايات المتحدة، ويحاكمونه بتهمة التجسس، ثم يطلق سراحه بناءً على طلب من حسن نصر الله.
فإذا كان هذا الشخص جاسوسًا، لماذا یطلق سراحه بطلب من شخص أجنبي؟
كما تم اعتقال المئات من الأميركيين والمواطنين مزدوجي الجنسية، لأسباب واهیة، خلال 40 عامًا من حکم الجمهورية الإسلامية، واتُهموا في محاكمات غیر علنية ودون وجود محامين، وأُطلق سراحهم بعد فترة.
كما استهدف الحرس الثوري، في عمليتين، ناقلات نفط تابعة لدول لم تشارك في أي حرب ضد إیران.
في سياق هذا المفهوم من الدبلوماسیة، تعرضت كثير من السفارات في إيران للهجوم (بدعم من المؤسسات الحكومية أو المرشد).
فالجمهوریة الإسلامیة، ومن خلال هذا الفهم للدبلوماسیة، لا يمكنها العمل مع المؤسسات الدولية، على أساس الثقة المتبادلة.
3: الدبلوماسية الثورية تعني الإرهاب
يُطلق على دعم الجمهورية الإسلامية للجماعات المتشددة مثل حماس، والجهاد الإسلامي، وحزب الله اللبناني، الدعم الثوري؛ لأن هذه الجماعات ليس لديها خط أحمر في استخدام العنف ضد خصومها.
لقد كان دعم الجماعات الإرهابية جزءًا من "الدبلوماسية الثورية" للجمهورية الإسلامية خلال عقودها الأربعة، من خلال دعم الحركات السياسية الداعمة لهذه الجماعات، حيث يتشابك هذا الدعم مع أنشطة الحرس الثوري الإيراني، فقد أعطت الجمهورية الإسلامية دبلوماسيتها الإقليمية لفيلق القدس الذي يدعم هذه الجماعات..
فلماذا تتم إدارة دبلوماسية الجمهورية الإسلامية في المنطقة من قبل فيلق القدس بدلاً من وزارة الخارجية؟
السبب هو أن الجمهورية الإسلامية ترى أنشطة فيلق القدس- مثل إرسال الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية، وتمويل نفقاتها، وتدريب أعضائها- جزءًا من "الدبلوماسية الثورية".
كما أنه إذا کانت الهجمات الإرهابية في الداخل تتم من خلال قوات بملابس مدنية وقوات الأمن، فقد تم تسليم الاغتيالات في الخارج بشكل أساسي إلى حزب الله اللبناني، من أجل تقليل كم العواقب القانونية على الحكومة.
وفي هذا النطاق، أطلقوا على الشر، تعبیر "الدبلوماسية الثورية".
4: الدبلوماسية الثورية تعني التمرد
تعتبر الجمهورية الإسلامية، بسبب هذه الأبعاد الأربعة التالية، حكومةً خارجةً على القانون:
(1) واصلت، سرًا، برنامجًا نوويًا لمدة عقدين.
(2) طورت برنامجًا صاروخيًا خارج الدائرة الدفاعیة، وهو ما يشكل تهديدًا لبلدان أخرى.. كما زودت الجمهورية الإسلامية الحوثيين وحزب الله بصواريخ بما لا یعدّ دفاعًا عن إيران.
(3) إعلان تدمير إسرائيل باعتباره السياسة الرسمية للبلاد.
(4) استخدام الاغتيالات لإسكات المعارضين والنقاد في الخارج.
وفي كل هذه الأمور، تم تجاهل القواعد واللوائح الدولية وتمت مراقبة سلوك إيران كدولة/ أمة خطیرة، تحتاج إلی المراقبة. وتم فرض عقوبات مدمرة على إيران للتعامل مع هذه السلوكيات.
سبب الحاجة إلى الدبلوماسية الثورية: وهم المؤامرة
يتخيل علي خامنئي، مع نوع من الاعتماد على الذات، أن كل فعل يحدث في أي مكان في العالم يرتبط به وبنظامه. فهو، في جميع المجالات، بما في ذلك الدبلوماسية، يثق في هذه المؤامرة الشاملة "لدينا حرب مفروضة غير مرغوب فيها في عالم الدبلوماسية، وهذا هو تركيز نشاط جميع القوى المعارضة للإسلام وحتى الدين، مثل الصهيونية السياسية، التي هي في القمة، والولايات المتحدة وحلفائها ووکلائها في کل أنحاء العالم، وقوی صغیرة أخری مثل العناصر المعادية للثورة، التي تعيش خارج إيران، وتعارض وجود الإسلام في إيران، وهي التي تستهدفها دبلوماسیتنا.. لقد واجه نظامنا الدبلوماسي بشكل فريد كل هذا التركيز الدولي". (22 أغسطس/ آب 1989).
وبعد ثلاثة عقود، کان لدی المرشد نفس المعتقدات، فلم تُحدث التغيرات في عالم الواقع أدنى تغيير في معتقداته. وتهدف دبلوماسيته الثورية إلى مواجهة هذه "القوى المعارضة" و"المؤامرات الشاملة".
هناك تعارض داخل تعبير "الدبلوماسية الثورية"، لأن الدبلوماسية لها أساس عقلاني (حساب التكلفة - الفائدة) وأساس قانوني.
والثورة لها أساس غير عقلاني (عدم الاهتمام بحساب التكاليف والفوائد) وغير قانونية أو خارج نطاق القانون.
الدبلوماسية لتحسین الوضع الراهن، والثورة للتغلب على النظام القائم. لا يمكن للنظام المستقر أن يكون ثوريًا ودبلوماسيته ليست ثورية، إلا إذا أطلقنا اسم الثوري علی التمرد واللصوصية.
في تعريف الدبلوماسية الثورية، يؤکد خامنئي على المبادئ، وهي ضروریة لأي دبلوماسية.
الدبلوماسية هي إيجاد نقاط ومصالح مشتركة للتعاون وتجنب التوتر والعنف والحرب. عندما يعرض نظام مستقر نفسه بطريقة متناقضة و"ثورية"، ويطلق على قائده "قائد الثورة"، فمن الطبیعي أن تسمی الدبلوماسية غير المنظمة، وغير المتناسبة، والدعائية، والتشهيرية، من الطبيعي أن تسمى أيضًا "ثورية".
محلل سياسي