رفتن به محتوای اصلی

الرواية الإيرانية لتأسيس "حزب الله"

حزب الله اللبناني
AvaToday caption
كان بين يدي الحرس الثوري اكثر من فصيل موالٍ لإيران أبرزهم حزب الدعوة “اللبناني” وحركة أمل الاسلامية فضلاً عن شخصيات دينية ناشطة، فتأسس مجلس شورى لبنان الذي يضم كل الفصائل الشيعية الإسلامية
posted onMay 11, 2021
noدیدگاه

أحمد عدنان

سنة ١٩٨٢ اجتاحت القوات الإسرائيلية بيروت بقيادة آرييل شارون. وكان للاجتياح ٣ أهداف: ١- إخراج منظمة التحرير من لبنان ٢- إيصال حليف إسرائيل بشير الجميل إلى رئاسة الجمهورية ٣- توقيع اتفاقية سلام بين إسرائيل وبين الدولة اللبنانية ليكون لبنان ثاني دولة عربية توقع اتفاقية سلام بعد مصر.

عند منطقة خلدة، مدخل بيروت، حصلت معركة بين الجيش الإسرائيلي وبين فصائل شيعية ويسارية وإسلامية منعت دخول إسرائيل إلى ضاحية بيروت الجنوبية. حين سأل الصحافيون الشبان المقاتلين إلى أي الفصائل ينتمون قالوا إنهم “أنصار الخميني”.

كانت مشاركة “أمل” في معركة خلدة اضطرارية بسبب ضغط السوريين واليسار، وركزوا أكثر على إدانة الاجتياح إعلامياً.

حاول الإسرائيليون دخول الضاحية مجدداً، لكن الإسلاميين “شباب الخميني” صدوهم مجدداً مع آخرين وفق الرواية الإيرانية.

قتل نحو ٢٢ ألف فلسطيني ولبناني في مقابل مقتل ٥٠٠ جندي إسرائيلي، ومع ذلك كان هناك رأي عام إسرائيلي ضد الاجتياح، فأرسل الرئيس الأميركي رونالد ريغان المبعوث فيليب حبيب.

شكل رئيس الجمهورية الياس سركيس هيئة انقاذ وطنية مهمتها التباحث مع حبيب ومن خلفه إسرائيل تتألف من: رئيس الوزراء شفيق الوزان، وزير الخارجية فؤاد بطرس، بشير الجميل قائد “القوات اللبنانية” المتحالفة مع إسرائيل، وليد جنبلاط زعيم الحزب “التقدمي الاشتراكي”، نبيه بري رئيس “حركة أمل” (والأخيران متحالفان مع السوريين).

وانتهت المباحثات مع حبيب إلى وقف إطلاق النار وترحيل المقاتلين الفلسطينيين عن بيروت.

المسلمون عارضوا خطة فيليب حبيب، بدأت المعارضة برئيس الحكومة الأسبق رشيد كرامي، ثم لحقه وليد جنبلاط الذي أعلن انسحابه من هيئة الإنقاذ، وكانت ذريعة المعارضة أن الموافقة على خطة حبيب تعني اتخاذ قرارات مصيرية ضد لبنان والقضية الفلسطينية.

اعتبر المتدينون داخل “حركة أمل” مشاركة نبيه بري في هيئة الإنقاذ والموافقة على خطة فيليب حبيب انقلاباً على الحركة المناهضة لإسرائيل وخروجاُ على الإسلام.

طالب سفير إيران في لبنان موسى فخر روحاني بري بالانسحاب من هيئة الإنقاذ ولم يستجب بري.

أعلن نائب رئيس “حركة أمل”، حسين الموسوي “ابو هشام” إدانته لمواقف بري المائعة، فحصل خلاف، تولى التحكيم في الخلاف سفير إيران في دمشق على أكبر محتشمي بور الذي حكم لصالح الموسوي. رفض بري الحكم فاستقال الموسوي وانصاره المتدينون في “حركة أمل” وتمركزوا في بعلبك (البقاع) وقد كان أغلبهم بقاعيين، هذا الانشقاق أثر على مصير الطيار الإسرائيلي رون آراد الذي كان أسيراً لدى الموسوي.

أثناء مشاركة بري في اجتماع لهيئة الانقاذ في ١٢ حزيران ١٩٨٢، أعلن الموسوي تأسيس “حركة أمل” الإسلامية. وأعلن ممثل “حركة أمل” في طهران ابراهيم امين السيد انشقاقه عن بري وانضمامه إلى الموسوي.

كانت منطقتا الشمال والبقاع خارج نطاق الاحتلال الإسرائيلي، ظهر الإسلاميون السنة في طرابلس بقيادة سعيد شعبان “حركة التوحيد الإسلامية”، اما الجماعات الشيعية فقد تمركزت في بعلبك (البقاع) وتألفت من:

١- مجموعات تأسست في المساجد “الشباب المؤمن”.

٢- اتحاد الطلبة المسلمين.

٣- العناصر العسكرية الشيعية التي كانت ناشطة في منظمة التحرير الفلسطينية.

٤- اللجان المساندة للثورة الإسلامية في إيران.

في حزيران ١٩٨٢، واجتياح إسرائيل بيروت كانت إيران تستضيف مؤتمر الحركات التحررية، وكان من أبرز اللبنانيين المشاركين الشيوخ محمد حسين فضل الله وراغب حرب وصبحي الطفيلي. فأعلن رئيس مجلس الشورى هاشمي رفسنجاني عن إرسال وفد إيراني سياسي وعسكري إلى سوريا لمساعدة اللبنانيين والفلسطينيين في مواجهة الاجتياح، رغم انشغال إيران بالحرب العراقية. (حين عاد فضل الله إلى لبنان من هذا المؤتمر حصل له إشكال مع “القوات اللبنانية” عند أحد الحواجز).

التقى حافظ الأسد بوزير الدفاع الإيراني “محمد سليمي” ومحسن رضائي قائد الحرس الثوري والعقيد صياد شيرازي قائد القوات البرية في الجيش الإيراني ووقع الطرفان اتفاقية لإرسال قوات إيرانية إلى لبنان.

في ١١ حزيران وصلت فرقة “محمد رسول الله” في الحرس الثوري إلى دمشق. وقد استقبلت الفرقة في محيط السيدة زينب بعفوية وحماسة.

رحبت سوريا ظاهرياً بالفرقة الإيرانية لكنهم رفضوا ان تدخل إلى لبنان لغير سبب، أولها أنها أرادت استخدام إيران كورقة في حوارها مع الولايات المتحدة، وثانيها أنها خشيت من كسر التوازن في الطائفة الشيعية ضد “امل”، وثالثها أنها لم ترد أن يكون لإيران موقع مستقل لها في لبنان، وكحل وسط، بعد ضغط الإيرانيين بحاجة الشيعة الاسلاميين إلى تدريب عسكري وعقائدي، سمحت سوريا بدخول ٨٠٠ عنصر من الحرس الثوري كمستشارين عقائديين وعسكريين، تلتها وحدة أخرى تتألف من ٧٠٠ عنصر، تمركزوا جميعاً في قرى بعلبك الهرمل.

بدأ الحرس الثوري مهمته من مسجد الإمام علي في بعلبك، في البداية سجل لديهم ١٨٠ متطوعاً لبنانياً من أجل الدورات الثقافية والعسكرية، وكان منهم الشيخ عباس الموسوي الذي أصبح لاحقاً أميناً عاماً لـ”حزب الله”. تخرج المتطوعون وانخرطوا فوراً في العمليات القتالية.

لقد أحدث دخول الحرس الثوري إلى لبنان تغييراً ثقافياً ظاهراً في المجتمع الشيعي بفضل المساعدات التي قدمها الحرس للمزارعين، فضلاً عن نمط السلوك في دورات التدريب الذي نقله المتدربون رويداً رويداً إلى أسرهم، فبدأ تكسير أو اتلاف المشروبات الروحية، وبدأ ظهور الشادور بكثرة، فقد أولى الإيرانيون اهتماماً استثنائياً بالمرأة بهدف التأثير والسيطرة. وفي هذا السياق اطلق الإيرانيون إذاعة الإسلام – صوت المستضعفين.

كان بين يدي الحرس الثوري اكثر من فصيل موالٍ لإيران أبرزهم حزب الدعوة “اللبناني” وحركة أمل الاسلامية فضلاً عن شخصيات دينية ناشطة، فتأسس مجلس شورى لبنان الذي يضم كل الفصائل الشيعية الإسلامية المرتبطة بمبدأين: ولاية الفقيه – محاربة إسرائيل. وكانت أهدافه: التنظيم العسكري والأمني والسباسي، تصعيد العمل العسكري ضد إسرائيل، مواجهة الدولة اللبنانية، تعميم أفكار الثورة الاسلامية في لبنان. وكان من أبرز قيادات الشورى: عباس الموسوي، صبحي الطفيلي، حسن نصرالله، حسين كوراني، محمد يزبك، عفيف النابلسي، ابراهيم امين السيد، حسين الموسوي، محمد فنيش ومحمد رعد. وكذلك عماد مغنية ومصطفى بدر الدين المنضمان إليهم من منظمة التحرير الفلسطينية.

سنة ١٩٨٤ قرر مجلس الشورى اعتماد تسمية جامعة هي “حزب الله – الثورة الاسلامية في لبنان” لم تعلن رسمياً الا سنة ١٩٨٥. وكان قد تم ذلك بشكل سري أو غير رسمي أولاً.

بدأ ظهور اسم “حزب الله” بصورة غير رسمية في آذار (مارس) ١٩٨٣، حين أرسل الرئيس أمين الجميل قوات الجيش إلى البقاع لفرض السيطرة فتصادم مع الحزب وتراجع. وفي تشرين الثاني ١٩٨٣ من خلال مظاهرة شعبية سيطر الحزب على ثكنة الجيش في البقاع “ثكنة الشيخ عبدالله” وكان لافتاً أن تتصدر التظاهرة نساء الحزب مسلحات ويرتدين العباءات السود. كانت ذريعة الحزب في ضرب الجيش أن الدولة تخدم الأميركيين.

وفي العام نفسه انتدب الحزب إلى الضاحية مقر “حركة أمل” قائدين معتمدين هما ابراهيم امين السيد وحسن نصرالله. (فيما بعد، اشتبك حسن نصرالله – حزب الله – عسكرياً مع شقيقه المكنى بجهاد الحسيني – حركة أمل – واعتقله وعذبه وتسبب له بإعاقة دائمة). ومع تنامي نشاط الحزب في الضاحية ظهرت فتاوى تكفر نبيه بري ومن أطرف أسباب التكفير أنه لم يطلق لحيته.

في الجنوب، ما زالت حركة أمل صاحبة النفوذ الأكبر لكن تحاشيها لمواجهة إسرائيل اتاح لعلماء متطرفين تشكيل لجان عسكرية وسحب البساط من تحت أقدامهم، وعلى رأسهم الشيخ راغب حرب (تجمع علماء جبل عامل).

وشكل خروج منظمة التحرير من لبنان ضربة قاصمة مالياً وعسكرياً للمنظمات اليسارية التي كانت متجذرة في الجنوب. مما هيأ المناخ للحزب من أجل وراثة هذه البيئة أو الاستحواذ عليها.

وقع الرئيس امين الجميل اتفاقية أيار، اتفاقية الصلح مع إسرائيل، اعتبر الحزب أن هذه الاتفاقية ما كانت لتتم لولا الولايات المتحدة، ففجر السفارة الأميركية في بيروت – ابريل ١٩٨٣ تحت مسمى تمويهي “حركة الجهاد الإسلامي”. تلاها تفجير مقر المارينز ومقر المظليين الفرنسيين في شهر أكتوبر.

ثم انطلقت سلسلة عمليات إرهابية في الكويت : تفجير السفارة الأميركية، السفارة الفرنسية، محطة كهرباء، مصفاة نفط، كمباوند أميركي، في سياق الحرب العراقية الإيرانية، وقد أدين فيها مصطفى بدر الدين، وقد اختطف عماد مغنية طائرة الجابرية ١٩٨٨ للافراج عن بدر الدين لكن ذلك لم يتحقق إلا في ١٩٩٠ حين غزا صدام الكويت. كان مغنية قد اختطف قبلها طائرة (twa ١٩٨٥) للإفراج عن أسرى حزبه في إسرائيل وخلال العملية قتل مواطن أميركي.

عاد الحزب واستهدف السفارة الأميركية في بيروت في أيلول ١٩٨٤ أسفر عن مقتل ضابط “السي أي إيه” كنث ولش..

انسحبت القوات المتعددة الجنسية من لبنان وألغى أمين الجميل اتفاقية أيار، واعتبر ذلك نصراً ساحقاً للحزب، كان الجميل قد حاول اخضاع الضاحية لسيطرته وفشل، فنتج عن ذلك أن أصبحت الضاحية كليا تحت سيطرة الميليشيات.

وفي اطار تماهيه التام مع إيران استهدف الحزب سنة ١٩٨٥ السفارة السعودية في بيروت بمتفجرة كرد فعل على اسقاط المملكة لطائرات إيرانية مقاتلة عبرت “خط فهد” ١٩٨٤. وكان في مطلع العام قد اختطف الدبلوماسي حسين فراش، وفي اغسطس اقتحم السفارة ١٥٠ عنصراً فنهبوها وحطموا أغراضها وأحرقوها، وفي ١٩٨٦ تم اختطاف الدبلوماسي سليمان المبارك وفي ١٩٨٧ تم اختطاف بكر دمنهوري. واغتال الحزب أيضا الدبلوماسي السعودي المتقاعد محمد صالح المرزوقي الذي يعيش في لبنان والمتزوج من لبنانية، وكان قد اوكل إليه رعاية السفارة بعد إغلاقها.

بدأت حركة أمل تشعر بضعفها، فقررت أن تشارك في العمليات ضد إسرائيل بداية من ١٩٨٤. ونظراً للإملاءات السورية افتعلت الحركة حرب المخيمات ضد الفلسطينيين لكنها خرجت أضعف.

بين ١٩٨٥ و ١٩٨٦ كانت هناك تباينات سياسية بين السوريين وبين الإيرانيين: كل طرف قلق من سياسات الطرف الآخر في لبنان، خصوصاً وأن سوريا كانت تسيطر على شيعة لبنان كلياً. نمو الأصولية الشيعية أدى في المقابل إلى نمو الأصولية السنية. لم تدفع سوريا ثمن مشترياتها من النفط الإيراني. كل ذلك أدى إلى حرب واسعة النطاق بين آمل وبين “حزب الله”.

في ١٩٨٨ اشتعلت حرب دامية بين الفريقين في الضاحية اسفرت عن انتصار الحزب ومقتل ٥٠٠ عنصر. قام الحزب أيضاً باغتيال ٣ قادة من حركة أمل ابرزهم داوود داوود، وكان الحزب يكنيه دافيد دافيد (الذي أصبح ابنه محمد داوود وزيراً للثقافة عن حركة أمل في حكومة الرئيس سعد الحريري 2019). وتم تفجير غرفة عمليات حركة أمل وإحراقها من المسؤول الأمني في الحركة لصالح الحزب “عقل حمية”، ثم انشق المسؤول الأمني مصطفى الديراني ليؤسس “المقاومة المؤمنة” التي تستهدف أمل بالأساس. في المقابل نجا حسن نصرالله وابراهيم امين السيد من إنفجار رتبته الحركة ضدهم في البقاع.

في يناير ١٩٨٩، وتحت ضغط سوري إيراني تم توقيع اتفاقية دمشق ١. تعترف الاتفاقية بسلطة امل على الجنوب لكنها تسمح للحزب بمقاومة إسرائيل ومزاولة نشاط عسكري وسياسي. (ومن الأمور التي سهلت إتمام الاتفاقية ان أرسل غازي كنعان ونبيه بري إلى القائد الميداني حسن نصرالله شاحنة معبأة بجثث رجاله).

لكن الحرب عادت للانفجار في ١٩٩٠، اعترضت أمل على نشاط الحزب العسكري ضد إسرائيل بذريعة ان الردود الإسرائيلية لها أضرار فادحة على الجنوبيبن، وفي يوليو ١٩٩٠ اندلعت حرب اقليم التفاح التي ألحقت بالحزب خسائر فادحة “١١٠ قتلى / ٢٠٠ جريح” وقد حوصر مقاتلو الحزب لنحو ١٠٠ يوم.

أنتهى القتال في أيلول ١٩٩٠ لجملة أسباب تختصر في حافظ الأسد، الذي التقى غورباتشوف ووجد أن الاتحاد السوفياتي لن يقدم مساعدة عسكرية لسورية، ورأى أن السوفيات إلى زوال، فقرر إقامة التوازن أمام إسرائيل بالعلاقة مع إيران، وبالفعل حصل اجتماع رباعي في طهران، ضم إلى الإيرانيين ، الأسد والحركة والحزب وتمت المصالحة التي تجسدت بتوقيع اتفاق دمشق ٢ في اكتوبر ١٩٩٠. انتهت حرب الأخوة بعد ٥٠٠ قتيل و٥٠٠٠ جريح. وانتقل الحزب إلى مرحلة اكثر تفرغاً لإسرائيل، لكن ذلك لم يمنعه من استهداف مركز يهودي مدني في الارجنتين سنة ١٩٩٤، ثم التورط في تفجير الخبر ١٩٩٦، وكذلك نفذ عملية في الأردن لكن الملك حسين أحبطها وقبض على المنفذين ولم يطلق سراحهم الا بعد جهود سياسية واسعة وتعهد الحزب بأنه لن يستهدف الاردن مطلقاً في المستقبل. وتشير أصابع الاتهام إلى حزب الله في اغتيال مثقفين شيعة مرموقين: مهدي عامل وحسين مروة ١٩٨٧، ومصطفى جحا ١٩٩٢.

* اعتمدت هذه المقالة بشكل أساسي على ما أورده الباحث د. مسعود أسد اللهي في كتابه (الإسلاميون في مجتمع تعددي)، بالإضافة إلى مصادر أخرى، وتم التصرف والتعليق في أضيق الحدود، مع التأكيد على أن ما ورد في هذه المقالة هو نقل لوجهة النظر الإيرانية وليس تبنيه بالضرورة.